جالسًا في حديقة فيلته في المنطقة الخضراء – المنطقة عالية التأمين في وسط بغداد – يروي هادي العامري يوم السبت 20 يونيو بالتفصيل خطّة معركته من أجل استعادة السيطرة على محافظة الأنبار وبعيدًا عن الجبهة الّتي يمضي فيها معظم أوقاته، تخلّى زعيم تنظيم بدر الشيعي عن بدلته الكاكي من أجل حلّة رمادية، وعن طابعه العسكري من أجل ابتسامة جذّابة. وعلى وجهه المجّعد، نلحظ نظرة الخارق عند الحديث عن الهجوم الّذي يستعدّ إليه.
وفي حين أنّ الرمادي قد قدّمت عند سقوطه في يد تنظيم الدولة الإسلامية يوم 17 مايو كأولية معركة الأنبار من قِبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فإنّ العامري وعد بخطّة مختلفة تمام؛ إذ حدّد “الحاج أبو حسن” الفلوجة – المعقل الأصولي السنية الّذي سيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية في بداية عام 2014 – كهدف.
وقد قال حول تكتيكه مرواغًا في الإجابة عن الموعد: “من وجهة نظر أمنية، لا يمكن أن نذهب إلى الرمادي دون المرور أوّلا عبر الفلوجة الّتي تعدّ معركة أساسية من أجل ضمان أمن بغداد. ومن وجهة نظر عسكرية، يجب أن نفصل الفلوجة عن الرمادي لنمنع قوّات داعش من الاتّحاد. هذا سيسمح بالقيام بضربة كبرى وإضعاف معنويات قوّات داعش” ويؤكد العامري أنّ “عنصر المفاجأة مهمّ ويُضحّى به غالبًا من أجل إعطاء المدنيين فرصة للمغادرة”.
وقد أعلن يوم 10 يونيو تعليق العمليّات في الأنبار لمدّة أسبوعين؛ حتّى يتمكّن السكان من مغادرة المكان، ولكن في المدينة الّتي لا يزال ثلثاها (من أصل 350 ألف ساكن) يعيشون في ظلّ حكم داعش، يخشى السكّان قوّات العامري أكثر من خشيتهم من الجهاديين المحليين.
حاضر في كلّ الجبهات
منذ أن استعاد الزيّ العسكري في يونيو 2014 بطلب من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من أجل قيادة المعركة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في ديالى – المحافظة الّتي ولد فيها في عام 1954 – كان هادي العامري حاضرًا على جميع الجبهات، العسكرية والإعلامية. وبات من المستحيل تجنّبه من خلال اللعب على صفاته المتعدّدة: نائب عن الائتلاف العراقي الموحّد وزعيم التنظيم الشيعي السياسي بدر وذراعه المسلّح. ولئن ينفي الرجل أيّ طموح سياسي فإنّه قد حصد صورة رجل المرحلة، في العراق كما في الخارج.
وبصفته رئيسًا لأكبر ميليشيا شيعية في العراق، فرض هادي العامري نفسه على قوّات الحشد الشعبي الّتي تجمع متطوّعين وعناصر من ميليشيات شيعية في تلبية لدعوة الزعيم الديني الشيعي، آية الله علي السيستاني. وبسبب هزيمة القوّات المسلحة والشرطة، باتت هذه القوى لا غنى عنها وحصدت النصر بفضل شجاعة مقاتليها، وإيمانهم وحضور القادة العسكريين على الجبهة في الخطّ الأمامي، على حدّ تعبير العامري.
ولكن الحاج أبو حسن لا يخفي الدور المهمّ لإيران في هذا النجاح ولا علاقته الوثيقة مع الجمهورية الإسلامية؛ إذ قال في شهر فبراير: “إنّ إيران أوّل دولة وقفت إلى جانب العراقيين ضدّ داعش؛ إذ سرعان ما فتحت خطوط الإمداد من أجل نقل الذخائر والاستجابة إلى حاجيات الجيش” مؤكّدا الحصول على هذه المساعدة فقط عبر الحكومة العراقية، وهو ما يشكّك فيه الخبراء؛ إذ شوهد كثيرًا في الجبهة إلى جانب الرجل الّذي يطلق عليه “الأخ قاسم”، قاسم السليماني، زعيم قوّات النخبة القدس في الحرس الثوري الإيراني الّذي قدّمه كـ “خبير في مكافحة الإرهاب ومستشار للحرب الّتي تجري في العراق“.
هادي العامري مع قاسم سليماني
تعرّف الرجلان على بعضيهما البعض في إيران حيث كان هادي العامري لاجئًا حتّى سقوط الرئيس السابق صدام حسين في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وكوّن هناك كتائب بدر، وهي فرع من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، درّب من قبل الباسدران (الحرس الثوري الإيراني) الّذين قاتل معهم ضدّ العراق في الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988.
ومنذ عودته إلى العراق، حوّل العامري هذه الكتائب إلى تنظيم سياسي مؤكدًا أنّه لم يعد يمتلك ميليشيا. وهذا ما يكذّبه الأمريكان الّذين اتّهموه في برقية صادرة عن وزارة الخارجية عام 2009 بأنّه المسؤول الشخصي عن الهجوم على ألفي سنيّ خلال الحرب الأهلية العراقية بين عامي 2006 و2007.
كلّفه هذا القرب من إيران واتّهامه بالطائفية فيتو الولايات المتّحدة عندما اقترح اسمه لمنصب وزير الداخلية في حكومة العبادي في خريف 2014 ومنذ ذلك الحين، قامت واشنطن بالكثير من أجل وقف صعود الميليشيات الشيعية وحلفائها الإيرانيين على أرض المعركة؛ بسبب المخاوف الّتي تعزّزت من الانتهاكات المرتكبة ضدّ السكان السنة في المناطق المحرّرة. ويرفض العامري أي مسؤولية عن هذه الانتهاكات، كما ينفي التهرّب من سلطة حكومة العبادي.
ظهرت هذه الانقسامات في مارس عندما طالبت الولايات المتّحدة بانسحاب الميليشيات الشيعية من تكريت قبل أن تقدّم الدعم الجوي لتحرير معقل الرئيس السابق صدام حسين؛ إذ يقول العامري الّذي لا يكفّ عن التقليل من دور التحالف: “نحن من رفضنا مساعدة التحالف الدولي خوفًا من أن تُرتكب غارات خاطئة” معتبرًا أنّ خسارة الرمادي كانت فرصة لكسب موطئ قدم في معركة الأنبار بناءً على طلب من ممثلي السنة، وعلى عكس رغبة القوّات الأمريكية الّتي تخشى الانحرافات الطائفية للميليشيات في هذه المحافظة السنية.
ومع الاضطرار إلى العمل معًا، يتجنّب العامري والأمريكان أي عداء صريح؛ إذ يرى العامري في قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مايو زيادة تكوين القوّات السنية، وتسليحها من خلال نشر 450 مستشارًا أمريكيًا إضافيًا “نسخة” ممّا قام به من خلال إدماج مئات الآلاف من المقاتلين السنة في الحشد الشعبي في ديالى وصلاح الدين.
ولكن يكرّر العامري عند لقائه بمسؤولين أمريكيين تحذيراته من محاولة تسليح هؤلاء المقاتلين مباشرة إذ يصرّح: “على القبائل أن تدرّب وتسلّح من قبل الحكومة؛ لأنّ هذه القضية تتعلّق بسيادة الدولة وما عدنا نريد قواعد أو قوّات برية أمريكية في العراق” قبل أن يضيف: “تزويدنا بدبابات وصواريخ مضادّة للدبابات ومدافع (…) سيعدّ دليلاً حقيقيًا على الدعم”.
المصدر: لوموند – ترجمة: التقرير