بدأ البرلمان التركي الجديد بالأمس أولى جلساته بأداء نوّابه الجدد للقسم، وبحضور رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، حيث قام دنيز بايقال، النائب عن حزب الشعب الجمهوري من مدينة أنطاليا وأكبر الأعضاء سنًا، بإعلان بدء البرلمان الخامس والعشرين في تاريخ الجمهورية مباشرة مهامه التشريعية بصفته الرئيس المؤقت، حيث يتولى عادة العضو الأكبر سنًا رئاسة البرلمان حتى يتم انتخاب رئيس دائم خلال أيام، وهي الخطوة الأولى المتوقع إتمامها بحلول الثلاثين من يونيو.
معركة رئيس البرلمان
أول يوم للبرلمان التركي
أول مهمة ستواجه البرلمان هذه الأيام هي اختيار رئيس للبرلمان، وهو المنصب الذي فُتح باب الترشح له بالأمس، وسيظل مفتوحًا حتى السابع والعشرين من يونيو، ليتم الانتخاب بعد ثلاثة أيام، ولكي يفوز أي من المرشحين بالمنصب، يجب أن يحصل على ثلثي الأصوات أثناء جلسة الانتخاب، وإن لم يتم له ذلك، تُعقَد جلسة ثانية بعد تشاور الأحزاب، وإذ فشل مرة أخرى، فإن جلسة ثالثة تُعقَد ويجب أن يحصل فيها أي من المرشحين على أغلبية النصف زائد واحد فقط، وإن أخفقت جميع الأحزاب في هذه الخطوة، فإن الجلسة الرابعة والأخيرة تتم بالتصويت على جميع المرشحين، وفوز المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات وإن لم يحقق أغلبية.
من جانبه، أعلن حزب الشعب الجمهوري العلماني، والذي حل ثانيًا في الانتخابات، أن مرشحه للمنصب سيكون دنيز بايقال الرئيس المؤقت حاليًا، والذي كان رئيسًا سابقًا للحزب وأجرى مشاورات عدة مع أردوغان بعد الانتخابات مباشرة، كما أعلن حزب الحركة القومية منذ ساعات أن مرشحه سيكون أكمل الدين إحسان أوغلو، الذي انتِخب للبرلمان على قوائم الحزب في إسطنبول، وهو الأمين العام السابق والمعروف لمنظمة التعاون الإسلامي، والمرشح الرئاسي السابق في مواجهة أردوغان العام الماضي، بعد أن دفع به العلمانيون والقوميون ليخسر بحصوله على ثلث أصوات الناخبين فقط، وأخيرًا، أعلن حزب الشعوب هو الآخر عن مرشحه؛ النائب التركي دنگير مير محمد فرات، العضو السابق بحزب العدالة.
أكمل الدين إحسان أوغلو مع رئيس حزب الحركة القومية دولت بغشلي
من المتوقع كما جرت العادة أن يصوّت حزب العدالة والتنمية لصالح المرشح التابع للحزب الذي سيأتلف معه، كما سيحدد ذلك خلال الفترة المقبلة، بيد أن بعض الأصوات في العدالة والتنمية تدعو للدفع بمرشح خاص بالحزب إذا ما وصل انتخاب رئيس البرلمان لجولة ثالثة أو رابعة (مما يعني عدم التوصل لاتفاق مع أي من الحزبين) لكيلا يكونوا قد أعطوا المعارضة هدية دون مقابل بمنصب مهم في الدولة التركية، حيث يُعَد رئيس البرلمان الرجل الثاني على المستوى التنفيذي بعد رئيس الوزراء، كما ينوب بروتوكوليًا عن رئيس الجمهورية.
جدير بالذكر بالطبع أن اتفاق الأحزاب الثلاثة المعارضة الآن على مرشح سيتيح لها تمريره بأغلبية النصف زائد واحد في الجلسة الثالثة حال فشل التصويت في أول جلستين، بيد أن هذا لا يزال مستبعدًا نظرًا للرفض المستميت من جانب حزب الحركة القومية التصويت جنبًا إلى جنب مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وثيق الصلة بحزب العمال الكردستاني، والذي لا يزال يرفض القوميون أي تعامل معه بغير القوة العسكرية.
حتى الآن، لا يبدو أن قيادات العدالة والتنمية قد وصلت لاسم بعد ليكون مرشحها الخاص لرئاسة البرلمان، ولا يبدو أنها فقدت الأمل في تشكيل ائتلاف مع أي من الحزبين، أو ربما مع كليهما، وهي في تلك المرحلة، وكما يقضى العرف السياسي التركي، تعلم أن منصب رئيس البرلمان سيذهب إلى شريكها في الائتلاف، والذي تجري بخصوصه المحادثات الآن بشكل غير رسمي، حيث يقوم دنيز بايقال بالتفاوض عن حزب الشعب، في حين أعلن رئيس حزب الحركة القومية دولت بغشلي أنه سيختار اسمًا خلال أيام للتشاور مع الرئيس التركي في الأمر.
خطاب بايقال وتهدئة الأجواء
دنيز بايقال، الرئيس المؤقت للبرلمان يؤدي اليمين في البرلمان الجديد، وهو المرشح أيضًا لرئاسة البرلمان عن حزب الشعب العلماني
أثناء خطابه بصفته رئيسًا مؤقتًا للبرلمان، قام دنيز بايقال بتهدئة الأجواء السياسية المشحونة نوعًا ما، خاصة بين الرئيس التركي الذي كان حاضرًا ولم يصفق لحضوره سوى أعضاء حزب العدالة والتنمية، وبين حزبي المعارضة العلماني والكردي بشكل خاص، إذ قال بايقال أن الاستقطاب الحادث الآن في المجتمع التركي ليس صحيًا، وأنه يقع على عاتق الجميع في هذه اللحظة بذل الجهد الكافي لإنهاء تلك الحالة.
على صعيد آخر، أكد بايقال على علمانية الدولة كمبدأ أساسي للجمهورية التركية، وقال بأن حرية تشكيل المنظمات والجمعيات ذات الرسالات والرؤى الدينية أمرٌ مشروع وطبيعي، ولكنها لا يجب أن تتدخل في الساحة السياسية أو في عمل البيروقراطية، وهو ما أخذه البعض باعتباره إشارة للعدالة والتنمية وسياساته التي تميل بشكل أكبر مؤخرًا نحو الإفصاح عن هوية الحزب الإسلامية، في حين قال آخرون أنه تلميح إلى حركة كولن وجهودها لخلق نفوذ لها داخل مؤسسات الدولة والتأثير على العملية السياسية.
“لقد مررنا بفترة حكم الحزب الواحد بمميزاتها ومساوئها، والآن قد اختارت الأمة الحُكم عن طريق التعاون والتشاور.. لذلك، لم يعد هناك مبرر للاستقطاب والذي ينتمي إلى التوترات والصراعات التي وقعت في الماضي،” هكذا تحدث بايقال أثناء خطابه مشيرًا أيضًا إلى الأحداث الساخنة الجارية على الحدود التركية، “بالنظر إلى ما يدور في الدول المجاورة من حروب مريرة، تتأكد لنا يومًا بعد يوم أهمية العلمانية كمبدأ في تركيا.”
لأول مرة في البرلمان التركي
Ravza Kavakçı'nın #TBMM'deki yemin töreninde nefeslerin tutulduğu o an kalbi heyecan ve sevinçle çarpan Merve Kavakçı pic.twitter.com/08WbrW06Cd
— Hamdi Çelikbaş (@HamdiCelikbas) June 24, 2015
مروة قواقجي تتابع أداء أختها للقسم في البرلمان التركي من الولايات المتحدة
يُعَد هذا البرلمان تاريخيًا من أوجه عديدة، حيث شهد لأول مرة في تاريخ الجمهورية أداء المحجبات للقسم كأعضاء بالبرلمان، وقد كان أداء النائبة عن العدالة والتنمية روضة قواقجي تحديدًا مثيرًا للكثير من الذكريات والمشاعر، حيث كانت أختها مروة قواقجي أول محجبة يتم انتخابها للبرلمان عن حزب الفضيلة عام 1999، ليتم طردها آنذاك من جانب العلمانيين ومنعها من تأدية القسم، وهي الآن أستاذة بجامعة جروج تاون وتقيم بالولايات المتحدة.
كذلك، قامت النائبة الكردية عن حزب الشعوب ديلَك أوجلان، ابنة أخو الزعيم الكردي عبد الله أوجلان المُعتَقل ومؤسس حزب العمال الكردستاني، والبالغة من العمر 28 عامًا، بأداء القسم كنائبة تم انتخابها عن قوائم حزبها، وهي سابقة تاريخية بالطبع أن يتم انتخاب شخص مقرب من أوجلان بهذا الشكل ومن عائلته إلى البرلمان التركي، ودلالة على التحولات التي يشهدها المجتمع والسياسة في تركيا، إذ لم يكن ليتخيّل أحد دخول شخص مثلها للبرلمان التركي منذ سنوات قليلة.
النائبة الكردية ديلَك أوجلان
علاوة على ذلك، قام عدد من النواب بإلقاء التحية لمناضلي تظاهرات حديقة جَزي، حيث تم انتخاب أحد المشاركين بالفعل في التظاهرات عن حزب الشعب الجمهوري، وهو المحامي والحقوقي علي حيدر حقفردي، والذي رفع قبضته اليسرى في الإشارة الشهيرة التي يشير بها الكثيرون الآن ممن شاركوا أو تعاطفوا مع التظاهرات، كما أعيد انتخاب المخرج والسينمائي سري سريا أوندر الذي عُرف بصورته معترضًا طريق إحدى الجرافات التي أرادت إزالة حديقة جَزي عام 2013 بعد نزوله على قوائم حزب الشعوب الديمقراطي.
***
هذا ومن المتوقع أن تنطلق رسميًا فترة الـ45 يومًا الدستورية لتشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس البرلمان، حيث سيقوم رئيس الجمهورية بتكليف رئيس الحزب صاحب العدد الأكبر من الأصوات، وهو في هذه الحالة أحمد داوود أوغلو، ليبدأ المشاورات وينتهي منها خلال تلك الفترة، وإلا ستتجه البلاد إلى انتخابات مبكرة يتوقع أن تنعقد في أواخر نوفمبر، هذا وقد صرح مقربون من الحزب بأن داوود أوغلو قد وضع فترة 15 يومًا فقط لحزبه للوصول لائتلاف، لتكون الحكومة جاهزة لمباشرة أعمالها بعد عيد الفطر.