هي المدينة التي اتخذت من اسم البلاد اسما لها، واتخذتها البلاد عاصمة لها لتكون من أكبر مدنها من حيث عدد السكان، وهي المركز الاقتصادي والاجتماعي الرئيسي في البلاد ، هي مدينة تونس التي تقع في شمال البلاد مُطلّة على الجانب الشرقي لخليج البحر الأبيض المتوسط وتتركب المدينة من جزأين: جزء قديم والذي يتمثل في المدينة العتيقة التي تقع على ربوة ذات منحدرات خفيفة متجّهة نحو بحيرة تونس شرقا ونحو سبخة السيجومي غربا، وجزء حديث يتمثل في المدينة الحديثة التي تمتد حول المدينة العتيقة والبحيرة.
ورغم ثقلها الديمغرافي والإقتصادي، ورغم جور التمدن والحداثة، حافظت المدينة على مخزونها الحضاري الذي راكمته مختلف الأمم التي مرت بأنهجها وأزقتها؛ لكل حجر شهادة للتاريخ ولكل معلم رواية، فقط أنصت بعين مغمضة وتابع شريط الأحداث المتعاقبة: من الحقبة الكنعانية التي يقال أنها منحتها اسمها (تونس هو اسم اله أنثى في تلك الحضارة) إلى الحقبة القرطاجنية ومؤسستها عليسة، ثم العهد الحفصي في القرن الخامس هجري وصولا للعهد العثماني مرورا بما بينها كلها، انها مدينة الإنسان والحضارة.
ورغم سحرها الدائم، تنشرح مدينة تونس أيما انشراح لقدوم الشهر الفضيل؛ كل نهج وكل حي له طريقته وله نكته خلال شهر رمضان ،ومع ذلك توجد معالم طبعت تاريخ المدينة وحاضرها، ومنحتها تميزها.
تراويح جامع الزيتونة
جامع الزيتونة هو أول جامعة في العالم الإسلامي وهو جامعة وجامع بمدينة تونس، وهو أقدم جامع في تونس بعد المسجد الجامع في القيروان ويعد ثاني الجوامع التي بنيت في “أفريقية” بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان، ويرجح المؤرخون أن من أمر ببنائه هو حسان بن النعمان عام 79 هـ وقام عبيد الله بن الحبحاب بإتمام عمارته في 116 هـ 736م.
وكان جامع الزيتونة محور عناية الخلفاء والأمراء الذين تعاقبوا على إفريقية، إلا أن الغلبة كانت للبصمات الأغلبية ولمنحى محاكاته بجامع القيروان وقد منحته تلك البصمات عناصر يتميز بها إلى اليوم، وتتمثل أهم هذه العناصر في بيت صلاة على شكل مربع غير منتظم وسبع بلاطات مسكبة معمدة تحتوي على 15مترا مربعا وهي مغطّاة بسقوف منبسطة، وقد اعتمد أساسا على الحجارة في بناء جامع الزيتونة مع استعمال الطوب في بعض الأماكن.
وتتميّز قبّة محرابه بزخرفة كامل المساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف بالغة في الدقة تعتبر النموذج الفريد الموجود من نوعه في العمارة الإسلامية في عصورها الأولى.
ولا يمكن أن تعبر المدينة العتيقة دون أن تلقي نظرة على جامع الزيتونة المعمور الذي يكتظ يوميًا بالمصلين وقت التراويح، لتعلو من مئذنته آيات القرآن الكريم وأصوات الأدعية والابتهال لله في ليالي الشهر الفضيل.
فهذا المعلم الديني الذي يعود تأسيسه إلى السنة 79 للهجرة وتتلمذ فيه العلامة عبد الرحمن بن خلدون (1332 – 1406م) وغيره من العلماء والفقهاء والمفكرين لا يمكن إلا أن يسحرك بشموخه وأن يزيد على قدسية الشهر قدسية اللحظة.
المدينة العتيقة
ولا تزال المدينة العتيقة في تونس محافظة على جمالها وسحرها وخصوصية هندستها المعمارية، فلا يمكن للمار بجانب أسوارها الصامدة رغم قساوة السنين وبين أقواسها الفاتحة ذراعيها مرحبة بزوارها، إلا أن يستحضر ذاكرة تاريخ يعود إلى قرابة الـ 13 قرنًا.
ولـ”المدينة العربي” كما يسميها التونسيون جاذبية خاصة تأسر زوارها وتزيد من رغبتهم في زيارتها واستكشافها يوما بعد يوم، لكن خصوصية المدينة تبرز أكثر في المناسبات والمواسم الدينية المقترنة بها.
فليالي شهر رمضان المعظم لا تحلو للتونسي دون أن يرتشف قهوة بين أزقة الشواشين (تباع فيها الشاشية وهي قبعة توضع على الرأس) وساحة رمضان باي ونهج جامع الزيتونة وغيرها ولا أن يقتني باقة فل وياسمين ليصبح لسهرة رمضان عبق ورائحة خاصّة.
وتعود الحياة في ليالي الشهر الكريم، إلى المدينة العتيقة، حيث تتزين أزقتها بالفوانيس الملونة وتعج مقاهيها بهواة تدخين الشيشة والسهر حتى موعد السحور، على خلاف باقي أيام السنة حين تنام المدينة باكرا، وتتجلى هذه الروج في تزايد السهرات الفنية التي تقيمها الفضاءات الثقافية بالمدينة في إطار البرنامج التنشيطي للمسلك السياحي الثقافي بمدينة تونس والذي تشرف عليه وزارة الثقافة التونسية خلال الشهر الكريم من كل سنة.
وتتوزع العروض الفنية بين المسرح والموسيقى والإنشاد الصوفي والتراثي إضافة إلى عروض سينمائية ومعارض للصناعات التقليدية، في فضاءات ثقافية تاريخية يعود حضورها إلى بدايات القرن العشرين كما كان لها دور في الحركة الوطنية خلال الاستعمار الفرنسي، كدار الجمعيات الطبية السليمانية والنادي الثقافي الطاهر الحداد وفضاء “العاشورية” و”بطحاء التريبنال” ودار الجدود.
ولمدينة تونس العتيقة في رمضان، طابع روحي عميق، حيث تنتشر في أزقة المدينة العشرات من مقامات الأولياء الصالحين والزوايا الصوفية الحافلة بمواكب الإنشاد الديني والصوفي ومجالس الذكر، أشهرها زاوية سيد إبراهيم الرياحي مفتي تونس الأسبق وزاوية الشيخ محرز بن خلف في منطقة الحلفاوين ومقام سيدي بن عروس بالقرب من جامع الزيتونة، يتحلق فيها المريدون للإنشاد والذكر وتزدان موائدها بالحلويات الشعبية والأطباق الشهية لعابري السبيل والفقراء.
وتستمد “المدينة العربي” سحرها أيضا من محلاتها التجارية وأسواقها العتيقة التي تعود إلى 13 قرنا خلت، فالتجول داخل أزقة الأسواق الضيقة، يتحول خلال ليالي رمضان إلى رحلة في التاريخ، سوق “”لعطارين” المتخصص بيع العطور وأنواع العود والطيب المختلفة وسوق “البركة” المتخصص بيع الذهب والحلي بأنواعه المختلفة أما سوق “النحاس” فله من اسمه نصيب وافر حيث تباع فيه قطع فاخرة من النحاس المنقوش، اذ تعج المدينة بحوالي 40 سوقا تشمل تخصصاتها معظم النشاطات التجارية، بينها 26 سوقا مسقوفة و 16 سوقا بنيت حول جامع الزيتونة.