يتحدث السياسيون سواء المناهضين للانقلاب العسكري في مصر أو المؤيدين له عن التحركات السياسية، عملية المبادرات، الرؤى للخروج من الأزمة الراهنة، ملفات العدالة الانتقالية، وغيرها من هكذا خطط ومواءمات لحل الصراع الدائر في مصر، لكن دائمًا هناك من يأتي ليكسر كل هذه المعادلات.
على سبيل المثال، ولاية سيناء، وما يقومون به من مواجهة الجيش النظامي المصري في شبه جزيرة سيناء، أحدثت مواجهاتهم تغييرًا لكثير من المعادلات خرجت خارج إطار جغرافيا مصر لتصل إلى حد تهديد أمن الكيان الصهيوني، تغيير قائم وحقيقي، لكن دائمًا كانت تظل فكرة مواجهة القوات النظامية محبوسة داخل سيناء، بسبب البيئة الجغرافية لسيناء، واحتكام كثير من أبناء سيناء إلى القبلية، أو طبيعة انتشار السلاح أصلًا حتى أصبح السلاح، كما يقول السيناويون، “جزءًا من اللباس الشخصي للمواطن السيناوي”.
لكن على الناحية الأخرى، دائمًا هناك خوف من أن يحمل أهالي الدلتا والقاهرة السلاح أيضًا، فالواقع مختلف تمامًا عن الواقع السيناوي جغرافيًا وبيئيًا، حتى طبائع الناس مختلفة جدًا، فنادرًا ما يكون داخل بيت في الوجه البحري أو القاهرة قطعة سلاح واحدة، لكن مجموعة تطلق على نفسها “العقاب الثوري” أصدرت مقطعًا مصورًا تُظهر فيه إعدام أحد المخبرين المتعاونين مع الأمن بمنطقة حلوان رميًا بالرصاص، بعد تصوير اعترافاته كاملة، نفس المجموعة أصدرت منذ عدة أيام تقريرًا عن عملياتها لمدة 6 أشهر، وشهد التقرير أرقامًا كبيرة جدًا سواء في أعداد القتلى أو المصابين، أو العمليات التي قامت بها الحركة إجمالًا، وهو الأمر الذي يعتبر تطورًا جديدًا ونوعيًا للغاية في مواجهة القوات النظامية، من شماريخ يطلقها الشباب لإثارة الذعر بأفراد الأمن إلى قتلهم، كما جاء في الإصدار.
لحظة من فضلك!
ينحدر تنظيم ولاية سيناء من مجموعات السلفية الجهادية التي كانت منتمية لتنظيم القاعدة بعنوان أنصار بيت المقدس، ثم إعلانها الولاء والبيعة لتنظيم الدولة الإسلامية، أي ما يعني أن فكرة حمل السلاح ومواجهة القوات النظامية مواجهة مسلحة هو من أدبياته.
أما العقاب الثوري في أول مقطع مصور لهم، وكان بعنوان “قطع الألسنة”، والذي كان بيانًا عن قطعهم الكهرباء عن مدينة الإنتاج الإعلامي، كان يحتوي على الموسيقى والنشيد الوطني المصري في الفترة من 1923 – 1936، وهو الأمر الذي لا يعكس تشدد المجموعة، لنفاجأ بأن الإصدار الثاني يحتوي على أناشيد جهادية تتحدث عن الثأر والقصاص، والذي معناه تغيير كثير من أفكار المجموعة.
فدخول مجموعة على خط المواجهة المسلح مع القوات النظامية في القاهرة وما حولها يعني زيادة الوطأة الأمنية على معارضي الانقلاب، وزيادة الوطأة الأمنية أيضًا سيؤدي إلى زيادة أعداد الراغبين في الانتقام والثأر، وزيادة أعداد الراغبين في الثأر سيزيد عدد المجموعات التي تواجه الأمن، وهو الأمر الذي لن تقدر قوات الأمن على مواجهته، فالقاهرة والمحافظات لسيت سيناء بالتأكيد، بنوك الأهداف هنا مختلفة تمامًا، في كل مائة متر هناك كمين، وفي كل حي هناك قسم شرطة، وفي كل ميدان عام هناك نقطة شرطة أمنية بها العديد من الأفراد، ناهيك عن المعلومات المعروفة عن أماكن سكن ضباط الجيش والشرطة في كل المحافظات، بنوك أهداف ضخمة جدًا أعتقد أنها لن تبقي ولن تذر في حالة زاد الغضب الشعبي على القوات الأمنية.
لا يمكننا أيضًا إغفال أن هناك تنظيمًا قائمًا بالفعل بالقاهرة الكبرى لديه سجل عمليات قوي وحافل، وهو تنظيم أجناد مصر، الذي يعتمد على العبوات الناسفة في مواجهة القوات الأمنية، وهو الأمر الذي فشل الأمن أكثر من مائة مرة في مواجهته، فلك أن تتخيل أن يكون هناك تنظيمين أحدهما يحمل الرصاص والآخر يصنع العبوات الناسفة، ويقدمونها كهدايا للقوات الأمنية.
على أي حال بعيدًا عن التوقعات والتحليلات، في ظل استمرار قمع السلطة لكل المعارضين بهذا الشكل الفج، فلن يكون هناك ردود أفعال أقل مما قدمته ولاية سيناء، وأجناد مصر، والعقاب الثوري، وفي ظل غياب العدل والقانون فلن يعلو صوت على صوت المعركة، للأسف.