صندوق من الشوكولاتة المخلوطة بالمكسرات والتمر والعسل والخالية من الكُحُل، هو هدية جيورجيو أرماني للمسلمين في رمضان، وهو متاح على موقع أرماني دولتشه الخاص به لتتمكن من شرائه، وكذلك في كافة متاجرة المنتشرة في المنطقة العربية.
ليس وحده أرماني هو من التفت إلى أهمية رمضان، حيث قامت مونيك لولييه بطرح مجموعة القفطان المصممة خصيصًا على موقعها موضة أوبيراندي، والذي خصصت فيه صفحة خاصة لمنتجات رمضان، كما قامت محال تومي هيلفيجر بطرح ما يشبه العباءات السوداء والفساتين البنية الطويلة والمناسبة للمحجبات لزبائنه العرب.
كل هؤلاء هم غيض من فيض من المصممين والتجار الذين بدأوا الانتباه لأهمية شهر رمضان التجارية، والتي لا تضاهيها ربما سوى أهمية موسم عيد الميلاد أو الكريسماس، كما يقول البعض.
موسم الاستهلاك الرمضاني
منذ العام 2012، أشارت شركة يورومونيتور البريطانية لأبحاث السوق بأن الكريسماس كمناسبة دينية تجمع الأسرة والأصدقاء تخلق مناسبة عامة في السوق، وهو ما تبعه المحلل إلس ثوميل بأن نموذج مستهلكي رمضان قد يؤدي في النهاية لنفس الظاهرة، بحيث يصبح المتسوق الرمضاني مماثل بشكل أو آخر للمتسوق الغربي في موسم الكريسماس، ويؤسس بذلك ظاهرة تسوق عالمية في هذا الوقت من العام.
“إنها أول مرة نتنبه فيها إلى رمضان وأهمية مخاطبته بشكل مباشر،” هكذا تقول هولي راسل، مسؤولة في موقع “نِت أ بورتر” Net-a-Porter، واحد من أشهر مواقع التسوق الفاخر، والذي دشن هذا العام رؤية خاصة للموقع بمناسبة رمضان تحت عنوان Ramadan Edit، ولاقى مردودًا طيبًا على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، “لا زلنا بانتظار الأثر الذي سيُحدثه ذلك على الأرض،” هكذا تقول هولي.
لندن و”رمضان راش”
في لندن، المدينة التي تشهد تدفقًا هائلًا من العرب أثناء رمضان، أصبح هناك موسم بالفعل معروف بين التجار وأصحاب المحال باسم Ramadan Rush، “إنه موسم الذروة الذي ندركه منذ زمن طويل ولكننا لا نفصح عنه بوضوح، ما فعله موقع نِت أ بورتر سابقة لم أرها من قبل، أن يصبح رمضان ومستهلكيه في الواجهة بهذا الشكل،” هكذا يقول إد بورتسِل، المدير الإداري لمتجر ليبرتي المعروف في لندن.
بوجاتي فيرون جراند سبورت قادمة من السعودية في شوارع لندن، وهي السيارة البالغة قيمتها 1.7 مليون دولار ولم يُنتج منها سوى 150 فقط
في الواقع، ينفق المسلمون في هذه الفترة من العام أضعاف ما ينفقه السياح الأوروبيون، حتى ولو تصادف رمضان مع ذروة فصل الصيف، كما حدث العام الماضي، حيث أنفق الزوار القادمون من المنطقة العربية (الخليج بشكل رئيسي بالطبع) حوالي 152 جنيهًا إسترليني في المتوسط خلال عملية الشراء الواحدة، مقابل 65 فقط للزائر الأمريكي، و49 للزائر الأوروبي، وقد تربع القطريون المعروفون بنفوذهم المالي في بريطانيا على القمة بـ288 إستراليني في المتوسط للعملية الواحدة، يليهم السعودون بـ200 إسترليني، وحوالي 190 للقادمين من البحرين والإمارات.
في لندن، يُعرَف أثرياء الخليج بسياراتهم الفارهة، والتي تجذب الشباب البريطاني، حيث يتدفق العشرات من المهووسين بالسيارات السريعة والرياضية لتصوير ما أتى به الخليجيون، وهم يجدون تلك السيارات كالعادة بالقرب من المتاجر الفاخرة مثل هارودز ومايفير وفنادق الخمس نجوم المعروفة في العاصمة الإنجليزية، وهي سيارات يتم شحنها خصيصًا من بلادها الأم أثناء الصيف ليقودها مالكوها في شوارع المدينة، وينفقوا الآلاف من الدولارات 70٪ منها للملابس الفاخرة والهدايا.
في هذا الموسم الرمضاني، تبدي تلك المتاجر والمحال مرونة كبيرة لكسب الزبائن المسلمين، وتهتم بتعيين مجموعة من الباعة والمساعدين من متحدثي العربية، كما تسمح للمشترين بالدفع باستخدام عملاتهم الخاصة وعدم التقيد بالإسترليني كنوع من تشجيعهم على الإنفاق، والذي يزيد في الحقيقة كل رمضان عن سابقه كما تشير إحصاءات الاستهلاك للزوار القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي.
سيارات الخليج الفارهة التي شوهدت في شوارع لندن
ظاهرة إيجابية أم سلبية؟
يقول البعض أن تلك الظاهرة تثبت قوة الحضور المسلم اقتصاديًا وماليًا وتأثيره على الشركات الكبرى، والتي تجد نفسها الآن في حاجة إلى الالتفات لأبسط معالم الثقافة الإسلامية، كما تفعل مع الثقافات الغربية والصينية والهندية، لتكسب سوقًا لا يقل عن مليار مسلم، وهو ما سيخلق مع الوقت قبولًا أكثر للثقافة الإسلامية التي تجد أعداءً كثر لها في الغرب هذه الأيام نتيجة أزمة المهاجرين.
في عالم الملابس على سبيل المثال، يقول هؤلاء أنه من الجيد أن تقوم بيوت الأزياء العالمية بالاهتمام بالأزياء الإسلامية والمناسبة للمحجبات أو الراغبات في ارتداء ملابس تليق برمضان، وأن تصبح ملابس كتلك على قدم المساواة مع أحدث ما يُطرح في عالم الموضة العالمية.
عباءة رمضانية من مونيك لولييه بقيمة 8195 دولارًا
من ناحية أخرى، يقول المنتقدون أن تحول رمضان لموسم استهلاكي عالمي يطغى على المعاني الأصلية للشهر الكريم، ويزيد من النزعة الاستهلاكية لدى المسلمين في شهر من المفترض أن تقل فيه تلك النزعة، وأنه مجرد اندماج للمسلمين في نظام السوق الرأسمالي المحيط بهم ليس إلا، مقابل التفات رمزي من السوق لمعالم ثقافتهم بشكل لا يعني الكثير، وهو في الحقيقة التفات يحصلون في مقابله على الملايين من الدولارات والجنيهات الإسترلينية.
علاوة على ذلك، سيدشن أمر كهذا مع الوقت سمعة للمسلمين باعتبارهم أكثر المستهلكين شراهة في السوق الغربي، كما تقول الإحصائيات، وهو ما ينشر أولًا سمعة غير طيبة على المستوى الاجتماعي، ويختزل ثانيًا من صورة المسلمين في الشرائح العليا والوسطى التي يأتي الكثير منها من الخليج، في مقابل تهميش مئات الملايين من الفقراء الذين تعج بهم بلدان آسيوية وأفريقية عديدة، بل ويُحدِث فجوة كبيرة بينهما، وثالثًا يعطي انطباعًا غير صحيح بأن الغرب قد تقبل الإسلام كثقافة كما يقول البعض، في حين الأمر لا يعدو انتهازية مالية لأموال الخليج، ولا يمت بصلة للسواد الأعظم من المسلمين.
وبينما يقول المتحمسون لظاهرة “رمضان راش” أن أموال الخليج قد تكون مفيدة وإن اقتصرت على شريحة معيّنة في خلق تلك المساحة للثقافة الإسلامية في السوق، فإن الرد عادة ما يكون أن استخدام تلك الأموال في المشاريع المستدامة والحقيقية داخل العالم الإسلامي سيكون مردوده على المدى البعيد أقوى بالطبع، داخل العالم الإسلامي من حيث توسيع الشريحة التي تستفيد من تلك الأموال، وخارجه برسم صورة جيدة وحقيقية عن القوة السياسية والاقتصادية لذلك المال، ولا يفوتنا هنا أن نقول أن الإنفاق والتفات الشركات الكبرى للثقافة الإسلامية من أجل المال لا يروق رجل الشارع العادي في الغرب كما قد يظن البعض.