جاء في تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ما يفيد بأن اللجنة تصدق الادعاءات بأن كلًا من إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية قد ارتكبوا جرائم حرب خلال القتال الذي استمر 51 يومًا، وهذا يعني أن التهمة تلاحق قادة حركة حماس والجهاد الإسلامي بالقدر نفسه الذي تلاحق القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
المفارقة الغريبة في هذا الأمر الخطير هو ترحيب السلطة الفلسطينية وحركة حماس معًا بالتقرير، في الوقت الذي رفضته إسرائيل، واعترضت عليه، وهاجمته بعنف، ولها الحق في ذلك، فالتقرير لا يتهم القيادة العسكرية الإسرائيلية فقط، وإنما لا يبرئ التقرير القيادة السياسية في إسرائيل من المسئولية عن تهمة اقتراف جرائم حرب.
السلطة الفلسطينية رحبت بالتقرير من منطلق براءتها التامة من ممارسة العنف، ولها الحق في ذلك، ولكن لماذا رحبت حركة حماس بالتقرير الذي استنكر إقدام الجماعات المسلحة الفلسطينية بإعدام عدد من سكان القطاع بحجة تعاونهم مع إسرائيل، وقال: “إن هذه الإعدامات هي بمثابة جرائم حرب”، ومن المؤكد أن حركة حماس التي رحبت بالتقرير هي الجزء المهم من الجماعات المسلحة المذكورة، فلماذا الترحيب بالتقرير؟
في تقديري، إن ترحيب حماس بالتقرير يرجع إلى عدة اعتبارات، لاسيما وأن رئيس السلطة الفلسطينية قد تلكأ فترة طويلة من الزمن قبل التقدم بطلب الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وكانت حجته في ذلك هو الخوف على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بل طلب رئيس السلطة من حركتي حماس والجهاد التوقيع خطيًا على كتاب الموافقة على الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وقد تم له ذلك من الحركتين.
إن ترحيب حركة حماس السريع بالتقرير قد جاء ليقطع الطريق على أي تراجع فلسطيني عن مواصلة التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، لاسيما أن الذاكرة الفلسطينية تختزن بمرارة تجربة التراجع عن تقرير جولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب سنة 2009.
وجاء الترحيب من منطلق الاستعداد للمرافعة أمام المجتمع الدولي، ومواجهة كل الاتهامات، مقابل فتح ملفات الإجرام التي تحرص إسرائيل على طيها، لأن نتائج التحقيق في الحرب على غزة، والذي قد يستمر لعدة سنوات، لن تضيف إلى حركتي حماس والجهاد والإسلامي تهمًا جديدة، فحركات المقاومة الفلسطينية متهمة بالإرهاب مسبقًا، في الوقت الذي تحرص فيه إسرائيل على الظهور وكأنها عاشقة للسلام، وضحية للإجرام.
تقرير لجنة التحقيق الدولية يسمح بتقديم قادة الكيان الصهيوني السياسيين والعسكريين لمحكمة الجنايات الدولية، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة للقضية الفلسطينية، ويجب أن يكون خارج المساومات التفاوضية، ولا يخضع للضغوط الاقتصادية، وأي تلكؤ فلسطيني في تقديم الملفات، ومتابعة الإجراءات حتى النهاية لا يعد جريمة حرب بحق الشعب الفلسطيني، وإنما هو تحقير لتضحيات الشعوب العربية التي نزفت دماءها على أعتاب القضية الفلسطينية.