بينما يتأهب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لفتح جبهة قتال في “عين العرب كوباني” مرة أخرى أمام الأكراد، تقف تركيا ترقب تقدم المليشيات الكردية على الأرض أمام تراجع لمقاتلي تنظيم الدولة.
فبالأمس استطاع بعض مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية دخول مدينة “عين العرب” السورية التي تقع على الحدود السورية التركية، وذلك بعد تفجير سيارة مفخخة بالمدينة واستهداف لوحدات حماية الشعب الكردية، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بحسب مصادر كردية، هذه المحاولات من جانب تنظيم الدولة ربما لتعويض خسائره في تل أبيض بمحافظة الرقة التي تعد أحد معاقل دولة التنظيم، وذلك بعدما تراجع أمام المليشيات الكردية التي سيطرت على المدينة والمعبر واستطاعت أن تخرج التنظيم منهما، وكذلك الحال في بلدة عين عيسى وكذلك قاعدة عسكرية بالقرب منها شمالي مدينة الرقة شمال شرقي سوريا.
رد تنظيم الدولة على هذا التقهقر كان هجومًا من ثلاث جهات على بلدة عين العرب السورية قرب البوابة الحدودية مع تركيا، حيث بدأت الاشتباكات بتفجير سيارة مفخخة عند منطقة المعبر الواصل بين مدينة عين العرب والجانب التركي، وقد كانت اشتباكات قد اندلعت من قبل بين مقاتلي التنظيم ومجموعات من وحدات حماية الشعب في شارع الـ48 وعند معبر مرشد بينار ومناطق أخرى داخل مدينة عين العرب.
كل هذا أمام أعين تركيا ترقبه لحظة بلحظة على حدودها مع سوريا، فالخريطة تتغير سريعًا على الحدود التركية السورية، فبعد أن جاور الأتراك تنظيم الدولة لحين العام الماضي استطاعت مليشيات الأكراد بدعم دولي جوي أن تستعيد السيطرة على مدينة عين العرب مرة أخرى بعدما أثار ذلك خلاف بين تركيا والولايات المتحدة في طبيعة الدعم المقدم للأكراد، حيث أصبح بعد ذلك الأكراد جيران الأتراك على الحدود السورية، ولا يخفى على أحد أن تركيا تصنف المجموعات المقاتلة الكردية بأنها مجموعات “إرهابية”.
فقد تمكنت هذه الوحدات الكردية مجددًا من تحقيق تقدم على تنظيم الدولة بدعم جوي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، وأدى إلى السيطرة على بلدة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة والواقعة شمالي سوريا على الحدود مع تركيا، وهذا يعني ضمنًا أن الأكراد باتوا يسيطرون على ثلثي الحدود السورية مع تركيا البالغ طولها 900 كيلومتر.
نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أكدوغان، يرى أن التقدم الكردي في سوريا ربما يشكل تهديد للأمن القومي التركي، وقد يساعد هذا الأمر في وقف التقارب مع الأكراد في الداخل التركي خاصة مع الأزمة التي تشكلت عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد يرى البعض داخل تركيا أن تعزيز موقف الأكراد الإقليمي ربما أخطر عليهم من تنظيم الدولة.
فهذا التقدم الكردي حاليًا غير مرحب به في الأوساط الحكومية والشعبية التركية رغم أن حكومة العدالة والتنمية هي من قادت تسويات مع أكراد تركيا لحل أزمتهم التاريخية، لكن مع تدخل العامل السوري قد يُضر هذا بمستقبل التسوية المنتظرة، والتي قد يقضي عليها تحالف سياسي برلماني مع القوميين الأتراك الذين يرفضون ملف التسوية مع الأكراد بالكلية.
فأكراد سوريا اليوم حصلوا على منطقة حكم ذاتي بقوة السلاح وفرضوا واقعًا جديدًا بدعم دولي غير ممانع وقبلهم أكراد العراق الذي فرضوا واقعًا انفصاليًا كذلك، وهو ما يخشاه الأتراك الآن، فقد تعزز هذه الأوضاع الجديدة والتقدم الكردي رغبة الأكراد في تركيا الذين يلعبون على وتر الانفصال أو الحصول على حكم ذاتي مشابه يقاتلون في سبيله منذ أكثر 30 عامًا، وهو بالطبع خط أحمر في السياسة التركية.
تركيا لن تستطيع أن تتجاهل انتصارات أكراد سوريا بأي حال من الأحوال، فهم أصبحوا لاعبًا أساسيًا في سوريا سيكون له دور مستقبلي في أي حل سياسي متوقع، كذلك التحالف الدولي يعتبرهم الآن أنجح المجموعات المقاتلة التي تصدت لتنظيم الدولة وهزمتهم في أكثر من موقعة على فترات مختلفة، لذا من المتوقع أن يزيد الدعم الدولي المقدم لهم خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما ترفضه تركيا وتتحفظ عليه باعتبارهم مناوئين للدولة التركية، لكن هذا الدعم الحالي سوف يكون غطاءً مستقبليًا لمطالب سياسية سوف يفرضها الواقع على الأرض في سوريا بالتزامن مع تقدمهم على الأرض.
أمام كل هذا يحاول تنظيم الدولة الحد من هذا الزحف الكردي، فقد طلب التنظيم من الأكراد في مدينة الرقة مغادرتها نحو مدينة تدمر بريف حمص وأمهلهم يومًا واحدًا، بعدما اتهمهم بمساندة قوات التحالف الدولي والقوات الكردية التي تقاتل التنظيم.
وبالفعل بدأت المجموعات الكردية المتواجدة في الرقة النزوح عنها بعد تراجع تنظيم الدولة شمال الرقة أمام قوات حماية الشعب الكردية مخافة ردة الفعل التي ربما يقوم بها التنظيم تجاه أكراد الرقة بعد تقدم الأكراد في الشمال، وقد اتجهت العوائل الكردية إلى مدينة عين العرب كوباني وغيرها من المناطق التي سيطرت عليها قوات الحماية الكردية.
الجدير بالذكر أن قوات تنظيم الدولة في مدينة الرقة قد بدأت في تحصينها بحفر الخنادق والاستزادة من المقاتلين والأسلحة في المدينة، وذلك تحسبًا لفقدان السيطرة على المدينة التي هي أول بقعة تضع داعش عليها يدها بالكامل، بالتزامن مع ورود الأنباء عن هجوم مرتقب لقوات حماية الشعب الكردية بعد ارتفاع معنويات مقاتليهم مع انتصاراتهم في معارك ريف الرقة أمام التنظيم.
تعيش المجموعات الكردية في مناطق ممتدة على حدود تركيا، مرورًا بالعراق وسوريا وإيران وأرمينيا، فيما يعتقد أن أعدادهم تتراوح بين عشرين وثلاثين مليون بحيث يعدوا رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط لكن دون أن تجمعهم دولة مستقلة، لذا كانت تحركاتهم في العراق وسوريا محط نظر الأتراك بعد أن خاضوا جولات مع أكراد تركيا لوأد النزعة الانفصالية بداخلهم، وهي ما تُحييها الأحداث الأخيرة في سوريا والتي ترقبها تركيا بعين الحذر.