ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تمر أوروبا بمرحلة صعبة من تاريخها بعد أحلك أزمة اقتصادية عاشتها منذ الحرب العالمية الثانية. ويمكنها أن تطمح إلى فترة من الهدوء، والعودة إلى مرحلة من الازدهار من أجل تخصيص بعض الطاقة للتفكير في مكانها ودورها في العالم، إلا أنها لا تملك الوقت لكل ذلك، فالتهديدات الخطيرة في الجنوب والشمال والشرق أجبرتها على المرور فورا إلى المرحلة العملية وذلك من خلال قمة الاتحاد الأوروبي المبرمجة لليلة الخميس، والتي ستعطي عناصر الإجابة بصفة عقلانية ومشتركة، وإلا فإننا سنشهد المزيد من فقدان الثقة في الاتحاد الأوروبي.
اليونان، الأزمة الأكثر حدة
الأزمة الأكثر حدة هي التي تجتاح اليونان حاليا. فهل يمكن لمنطقة اليورو أن تتحمل فقدان أحد أعضائها، وهو العضو الأكثر مديونية والأقل تقبلا للإصلاح؟ في نهاية المطاف، فإن الوحدة النقدية ربما تكون في حال أفضل. إلا أنه بالنسبة للوضع الحالي فإن الفوضى الفورية التي ستعرفها اليونان ستعيد إلى أذهان شركائها السابقين صورة عن مسؤوليتهم وافتقارهم للتضامن. فبعد كل شيء، يعتبر فشل اليونان، إذا كان بالأساس هو نتيجة لسوء التصرف اليوناني، إلا أنه يبقى مسألة تهم كل الأوروبيين. ولا يمكن أن تكون إدارة الأزمة منحصرة فقط على الجانب المالي، فإفلاس وخروج بلد عضو في اليورو سيكون من الصعب تبريره ويمكنه أن يعرض للخطر المشروع الأوروبي نفسه، باعتبار أن الشعبويين من جميع المشارب سيجعلون من العملة الأوروبية المسؤولة الوحيدة عن جميع العلل.
“خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي”
الاستفتاء القادم في المملكة المتحدة حول خروج أو بقاء الجزيرة في الاتحاد الأوروبي يتسبب هو الآخر في ضغط قوي على المشروع الأوروبي. ويتميز رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن غيره من القادة الأوروبيين بأنه يعرف ما يريد، فهو يريد أوروبا انتقائية، دون مساهمات في الميزانية أو تحويلات مالية، مع سوق واحدة واسعة ومن دون عوائق. ويبقى القادة الأوروبيون منقسمين حول مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فهل ينبغي الاستسلام لأحد هذه المطالب، البريطانية ودفع ثمن باهظ للإبقاء على المملكة المتحدة كعضو في الاتحاد الأوروبي؟ أم ينبغي رفض تقديم أي تنازلات من أجل بناء إتحاد أفضل “اتحادا أوثق من أي وقت مضى بين شعوب أوروبا” كما جاء في معاهدة روما؟
أزمة الهجرة
هناك مسألة قطعية ومطروحة بإلحاح أمام الاتحاد الأوروبي وهي أزمة الهجرة. فما الذي يجب القيام به مع عشرات الآلاف من طالبي اللجوء الذين يصلون بشكل جماعي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط؟ هل يترك البلد المضيف يدير لوحده مخاطر التدفق المتزايد إلى درجة فقدان السيطرة كما هو الحال الآن في اليونان وإيطاليا؟ أم هل يجب بناء سياسة لجوء مشتركة وحقيقية. وتتخبط أوروبا من دون التوصل إلى جواب مقنع، حيث يؤكد رفض الحكومات قبول مبدأ “حصص” اللاجئين مدى نوعية العلاقة التي أصبحت بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي لم تعد مبنية على التعاطف والتضامن، ولكن أصبح يميزها الشك وعدم الثقة المتبادلة. فنجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في معظم دول أوروبا يعيق التوصل إلى أي حل عقلاني.
ويواجه الاتحاد الأوربي، في نهاية المطاف، مصدر للمتاعب مأتاه من الشرق وسببه مخاطر ضم أوكرانيا لروسيا، واستمرار حالة عدم الاستقرار التي فرضها الرئيس الروسي بوتين، وكل هذا يسلط الضوء على ضعف الثقل السياسي والعسكري للاتحاد الأوروبي في مواجهة جاره القوي صاحب النوايا الخبيثة.
المصدر: ليزيكو الفرنسية