هي النجوم البدائية كما تسمى، أو نجوم الجيل الأول، والتي تشكلت بعد الانفجار الكبير بمئات الملايين من السنين، أي مدة زمنية قصيرة مقارنة بعُمر الكون، وهي تبلغ في كتلتها مئات، وربما آلاف، أضعاف كتلة الشمس، كما أنها اعتمدت فقط على الهيدروجين والهيليوم والليثيوم، نظرًا لافتقاد الكون في ذلك الوقت لأية عناصر كيميائية أخرى، ثم قامت هي عبر العمليات النووية في قلبها بوضع بذور تلك العناصر، مثل الأكسجين والنيتروجين والكربون والحديد، والتي تأسست عليها الحياة على كوكبنا بعد مليارات السنين.
كل ذلك يعرفه العلماء من النظريات في الحقيقة، ولكن أحدًا لم ير بعينه أو يرصد إشارات تلك النجوم، أولًا لأن كونها قديمة جدًا يعني الحاجة إلى النظر بعيدًا جدًا، حيث تأتينا إشارات الضوء التي تسري في الكون منذ مليارات السنين من الفضاء البعيد، وثانيًا لأن أعمارها قصيرة للغاية، إذ انفجرت وماتت تلك النجوم في غضون بضعة ملايين من السنين فقط، على عكس النجوم التي نراها اليوم وتعيش لمليارات السنين، مما يعني أن إشاراتها لم تبقى لوقت طويل.
رُغم تلك الصعوبات، يبدو وأن فريقًا بحثيًا قد نجح في رصد مجموعة من نجوم الجيل الأول تلك بعد أن اكتشف أسطع مجرة في الفضاء البعيد (أو الكون المبكر) باستخدام التليسكوب الكبير جدًا VLT للمرصد الأوروبي الجنوبي ESO، والتي يبلغ سطوعها ثلاثة أضعاف أسطع مجرة نعرفها حتى الآن في الفضاء البعيد، وتكوّنت بعد 800 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير، أي أن الضوء القادم منها أتى إلينا بعد 12.9 مليار سنة.
المجرة، والتي سميت COSMOS Redshift 7، تُعرَف اختصارًا بـCR7، وذلك تيمنًا باللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو ورقم قميصه، حيث يتمركز الفريق البحثي في الأساس في معهد الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء التابع لكلية العلوم بجامعة لشبونة في البرتغال، ويقوده الباحث ديفيد سوبرال الذي نجح في استخدام إمكانيات التليسكوب في مسح جزء كبير من السماء للبحث عن المجرات البعيدة، ووجد دليلًا على رصد نجوم الجيل الأول.
#DYK the brightest distant galaxy recently discovered by @ESO has a nickname after @Cristiano Ronaldo? #CR7 https://t.co/QaT3zdzlji
— ESO (@ESO) June 18, 2015
حساب تويتر الخاص بالمرصد الأوروبي الجنوبي
كيف اكتشف الفريق تلك النجوم وعرف أنها نجوم الجيل الأول؟ لقد وجدوا في الإشارات دليلًا على وجود عنصر الهيليوم المتأين (الفاقد لإلكتروناته)، وهو ما استتبع أن تكون هناك إشارات لعناصر أخرى أثقل إن كان ذلك نجمًا عاديًا، بيد أنهم فوجئوا بغياب تام للعناصر الثقيلة، مما دفعهم للاستنتاج بأن تلك النجوم هي نجوم الجيل الأول التي طالما تحدث عنها الفلكيون في نظرياتهم ولم تجد سوى العناصر الخفيفة لتتكوّن منها.
“لقد كان الاكتشاف تحديًا لنا ولتوقعاتنا منذ البداية،” هكذا يقول سوبرال، “لم نتوقع أبدًا أن نجد مجرة ساطعة كهذه، ثم حين غُصنا فيها تبين لنا أنها ليست فقط ساطعة وبعيدة، ولكنها تحتوي على إشارات لتلك النجوم البدائية، والتي تُعَد الرَحم التي وُلِدَت منها فيما بعد العناصر الكيميائية لنجوم الجيل الثاني وكل ما نجده اليوم في الكواكب وعلى سطح كوكبنا وفي أجسامنا كبشر. لا أعتقد أن هناك أمرًا أكثر إثارة من المشاركة في دراسة كهذه.”
تكشف الدراسة التي قام بها سوبرال وزملاؤه لمجرة CR7 أن مجموعات النجوم المنتشرة فيها ترسل إشارات تميل للأزرق في أحيان وللأحمر في أحيان أخرى، وهو ما يعني طبقًا لعلماء الفلك أنها تكوّنت على فترات متتالية في الكون المبكر، وهو تأكيد أيضًا على ما تقوله النظريات الموجود حاليًا عن تلك النجوم.
يفتح كشف سوبرال وزملائه الباب أمام البحث عن تلك النجوم الآن بشكل جدي، حيث اعتقد الفلكيون سابقًا أن التليسكوبات المتاحة على الأرض لا يمكنها أن تلتقط إشارات نجوم الجيل الأول، وأننا بحاجة للانتظار حتى يتم إطلاق تليسكوب جيمس ويب JWST حول الأرض في 2018، ولكن دراسة سوبرال، والتي اعتمدت على التعاون بين المرصد الأوروبي الجنوبي وإمكانيات مرصد كِك وتليسكوب سوبارو الياباني في هاواي، وكذلك على تليسكوب هابل، تعني أن الأمر لم يعد مستحيلًا.
ديفيد سوبرال
من جانبه، يعي البعض أن هذه النتائج لا تزال في حاجة إلى تعزيزها بنتائج اكتشافات ودراسات أخرى، فنحن لا نوقن بأن هناك ثقوبًا سوداء فقط نتيجة دراسة واحدة، وكذلك الحال مع كل الظواهر الكونية التي ترسخت في علم الفلك، كما أن فريق البحث نفسه يدرك أن الإشارات التي التقطها قد نكتشف في أي لحظة أنها لم تكن بالفعل لنجوم من الجيل الأول، ولكن ما يجعل تلك الفرضية قوية هو أنها الوحيدة المنطقية والمقبولة، مقارنة بأي تفسير آخر لما رآه فريق سوبرال البحثي.
“البديل الوحيد أمامنا هو أن نقول أن تلك الإشارات قادمة من ثقب أسود تشكل سريعًا ومباشرة من سحابة تحمل المكونات النقية للكون المبكر، وهو افتراض أكثر غرابة من أن نقول ببساطة أن تلك الإشارات من نجوم الجيل الأول،” هكذا يقول سوبرال، والذي لن ينتظر على ما يبدو تليسكوب جيمس ويب الذي سيساعده كثيرًا في بحوثه، ولكن سيبدأ في إجراء بحوث جديدة باستخدام التليسكوبات الموجودة الآن في أوروبا وأمريكا لتعزيز فرضيته.
“لطالما أردت أن أعرف كيف بدا الكون الذي تعود جذورنا إليه، وكنت كطالب صغير أتطلع إلى معرفة المنبع الذي أتت منه العناصر الكيميائية التي نعرفها اليوم: الكالسيوم في عظامنا والكربون في عضلاتنا والحديد الجاري في دمائنا، وهي عناصر نعرف اليوم أنها أتت من الكون المبكر، وتشكلت في أعماق تلك النجوم البدائية الضخمة، وإنني ممنون أننا الآن نرى أول دليل لها بأم أعيننا،” هكذا يقول جوريت ماثي، عضو الفريق البحثي الذي قام بالاكتشاف.
منقول بتصرّف من مجلة أسترونومي