قبل عامين قام وزير الدفاع المصري السابق ورئيس الجمهورية الحالي الجنرال عبدالفتاح السيسي بالانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي بعد أن أمضى عام واحد من انتخابه كأول رئيس مدني منتخب في مصر، تم ذلك بعد فترة من الاحتقان السياسي تزامنًا مع خروج تظاهرات مناوئة للرئيس السابق انتهزها الجيش وانقض على السلطة مبررًا ذلك بالإرادة الشعبية.
لم يقف أنصار الرئيس السابق مرسي متفرجين على هذا المشهد دون أن يتخذوا موقفًا رافضًا للانقلاب العسكري الذي حدث، خاصة وأن غالبية مؤيديه كانوا من التيار الإسلامي في البلاد الذين احتشدوا في اعتصامين رفضًا لإجراءات عزل الرئيس السابق، اتخذت السلطات العسكرية الجديدة في البلاد قرارًا بوأد كافة هذه الاحتجاجات وفض اعتصامين أنصار مرسي بالقوة ما أدى إلى مقتل قرابة 2000 شخص من المعتصمين بالإضافة إلى إصابات بالآلآف، بالتزامن مع انطلاق حملات اعتقالات لكافة قيادات وعناصر التيار الإسلامي المناوئ للسلطة في البلاد وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين.
أعقب هذا الحدث وصول البلاد إلى نقطة من الفوضى في العديد من المحافظات نتيجة الاشتباكات التي حدثت بين الغاضبين من فض الاعتصامات بهذه الطريقة الوحشية وبين عناصر من الشرطة المصرية، أدت هذه الإشتباكات إلى اقتحام العديد من مراكز الشرطة ومديريات الأمن ومباني المحافظات المختلفة وقد أُعلن حظر التجوال عشية الفض، واستمرت البلاد في هذه الحالة الفوضوية إلى أن استطاع النظام إحكام قبضته الأمنية على الشارع.
انطلقت الحملات الأمنية المستعرة على رافضي الانقلاب في مصر بكافة مستوياتهم التنظيميين الإسلاميين منهم والمستقلين شبابًا وشيوخًا رجالًا ونساءً، حتى وصل عدد المعتقلين في مصر رقمًا يزيد عن 40 ألف معتقل هذا بخلاف من يفرج عنهم ويُعتقل غيرهم، صدرت الأحكام بالسجن بآلالاف السنين على مجموعات من المعتقلين، ناهيك عن صدور أحكام إعدام بالجملة على مئات من المعارضين في السجون، فيما لم يتورع النظام من فض تظاهرات الإسلاميين بالقوة إلى الحد الذي قٌتل فيه قرابة 3 آلاف شخص منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013 إلى مطلع يناير 2014.
تولدت حالة من الاحتقان لدى الشباب الذي كان له النصيب الأكبر من عدد القتلى سواء في الجامعات أو في الشارع، انضم القضاء المصري للسلطة بشكل فج وبات التعذيب في أقبية الشرطة هو المنهج المتخذ، أنباء عن اغتصابات للنساء المعتقلات، حالات قتل عدة تحت التعذيب تخرج من أقسام الشرطة إلى المقابر، تزايد حالة الاضطهاد والتحريض على المجموعات الرافضة للسلطة ووصمهم بالإرهاب من قبل أبواق السلطة.
رفعت جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت شعارات سلمية من بعد الفض مباشرة ولكن مع السعي إلى الوصول لحالة فوضى تحدث في البلاد جراء التظاهرات التي لم تتوقف يومًا منذ انقلاب الثالث من يوليو، مع محاولات لتصعيد موجات التظاهر في ذكريات الأحداث الكبرى كذكرى السادس من أكتوبر والخامس والعشرين من يناير، لكن عنف الأمن المصري في التعامل مع هذه الموجات كان فائقًا حيث خلف العشرات من القتلى دون اكتراث.
ظهرت في ذلك الوقت جدلية السلمية والعنف بين المتظاهرين على الأرض في مصر، وقبل ذلك بفترة بدأت تنفيذ عمليات اغتيالات محدودة في صفوف الأمن والمتعاونين معهم ممن يسمون بـ”البلطجية” تحت ذريعة القصاص بعد أن يدعي المنفذون تورط هؤلاء في عمليات قتل أو تعذيب أو اغتصاب.
الأمر تعدى لمحاولات المجهولين إحداث فوضى تعم المنشآت العامة عن طريق بعض التفجيرات الوهمية التي تتم أمام المؤسسات الحكومية المؤهلة بالمواطنين، أو قطع طرق هامة وتعطيل حركة المرور والمواصلات الاستراتيجية كالقطارات لإحداث شلل للنظام وتطور الأمر إلى استخدام عبوات ناسفة مصنعة يدويًا لاستهداف تجمعات شرطية.
ولكن هذا الأمر كان يتم بشكل عشوائي ولم يعرف بالتحديد من يقف خلف هذه الأحداث، بالتزامن مع سردية الشرطة التي تُلصق هذه الأعمال بجماعة الإخوان المسلمين، لكن ليس هناك ثمة تحقيق نزيه أثبت هذا الأمر، ومثل هذه القضايا تعتمد على الأمن الوطني الذي يكتفي بتعذيب بعض المواطنين ليخرجوا أمام شاشات التلفاز معترفين بهذه الأعمال، ومن ثم ينكرونها أمام النيابة معلنين أن هذه الاعترافات انتزعت تحت ضغط التعذيب.
مع ازدياد الضغطة الأمنية من النظام وانعدام أي حل في الأفق السياسي للأزمة المصرية، بدأت تشكيلات منظمة تظهر على السطح لتتبنى هذه العمليات تحت مسميات مختلفة أبرزها كانت مجموعة “أجناد مصر” والتي تنتمي إلى السلفية الجهادية والتي استطاعت تنفيذ مجموعة من الاستهدافات بعبوات ناسفة لتجمعات شرطية، ولكن نشاط هذه المجموعة بدء في الاختفاء مع إعلان الأمن المصري عن قتل زعيم المجموعة.
برزت مؤخرًا مجموعة تُلطق على نفسها اسم “العقاب الثوري” ولم تتوافر معلومات كثيرة عنها حتى الآن إلا أنها تنشر نتائج عملياتها ضد النظام بشكل دوري في مختلف المحافظات عبر منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نشرت أرشيف لعملياتها قالت أنه نفذ في الفترات الماضية، ولكن من الملاحظ على هذه المجموعة أن أقرب إلى منطلق الكفاح المسلح ولم تتبنى خطابًا أيديولوجيًا جهاديًا.
كانت آخر التطورات في العمليات النوعية لهذه المجموعة هي بثها فيديو مصور لإعدام شخص ادعت أنه يتعاون مع الأمن في مدينة حلوان جنوبي القاهرة ضد رافضي الانقلاب، وقد تمت تصفية هذا الشخص متوعدين المتعاونين مع الأمن بنفس المصير وهو ما ربطه البعض بإصدارات تنظيم الدولة التي تستخدم نفس الأسلوب الإخراجي.
تصاعدت الهجمة الأمنية في مقابل هذا التصعيد الميداني ليتطور الأمر لتصفية المعارضين داخل منازلهم في أكثر من حادثة بدعوى انضمامهم لتلك المجموعات، كما حدث مؤخرًا مع طالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس يدعى “إسلام عطيتو” اختطفته قوات الأمن وقامت بتصفيته في صحراء شرقي القاهرة وادعت أنه متورط في اغتيال أحد ضباط الشرطة.
هذا التعامل من الشرطة أكسب هذه المجموعات تعاطفًا كبيرًا خاصة من جانب الشباب المنتمين للتيار الإسلامي الذين يرون بجدية ضرورة وجود رادع قوي أمام قوات الأمن لمنع استباحتهم وهو ما أوجد خلافًا بين قيادات الحراك المعارض في مصر وبين هؤلاء الشباب، إذ ترى بعض القيادات التاريخية في جماعة الإخوان المسلمين أن هذا الأمر استفزاز من النظام لجر المناهضين للانقلاب إلى دوامة العنف التي لن يصمدوا بها كثيرًا لضعف قدراتهم على المواجهة، في حين تصر مجموعات شبابية على أن هذا الاستسلام يؤدي إلى مزيد من القتل في صفوف المعارضين.
بعض الأنباء تتحدث عن وجود لجان تسمى بالعمليات النوعية داخل المحافظات المختلفة أسسها مجموعات من الشباب الغاضبين بعضهم على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، تتبنى هذه اللجان عمليات تخريبية ضد النظام، لكن حتى هذه اللحظة تنفي جماعة الإخوان صلتها بأي من هذه المجموعات، مشيرة إلى أن تصاعد أجواء العنف في مصر مسؤولية النظام الذي يمعن في القتل والقمع للمعارضين.
آخر هذه التجليات ظهور حركة باسم “حرس الثورة” أعلنت عن عزمها تنفيذ سلسلة فعاليات أطلقت عليها “عمليات بداية الفوضى”، بدءًا من 28 يونيو الجاري في مدينة الإسكندرية، بثت الحركة مقطعًا مصورًا على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو فيه الحركات الشبابية الأخرى إلى المشاركة في فعالياتها ردًا على حملة الأمنية التي يشنها النظام والاعتقالات التي يتعرض لها المعارضين.
الأنباء المتواردة أن ثمة العديد من الحركت الشبابية المعارضة تنتوي إحياء ذكرى الانقلاب العسكري بإحداث تحركات فوضوية أمام النظام، الأمر الذي حدث في الخامس والعشرين من يناير الماضي، كل هذه المحاولات ربما تعد ردًا على النظام الذي يسير في اتجاه التصفية لمجموعات الإسلاميين في البلاد، مما يبشر بأنه من المتوقع أن تشهد التحركات العنيفة في البلاد تطورًا في الفترات القادمة، وهو ما حدث بالفعل.
فبعد أن بدأ الأمر بمجموعة من الأعمال الفردية العنيفة ضد الدولة والنظام، أخذت مجموعات تتكون بتنظيمات مجهولة المصدر يعزيها البعض إلى الشباب الغاضب وتصر الدولة على أن تُلصقها بخصمها السياسي “جماعة الإخوان المسلمين”، لكن من المرجح إذا استمرت الدولة في حملتها التصعيدية هذه أن تتطور أساليب العنف لدى هذه المجموعات في مواجهة عنف الدولة، وربما تمثل الأحداث القادمة اختبارًا إلى أي مدى وصلت قدرات هذه المجموعات حتى الآن، والتي ن المنتظر أن تدخل طور المواجهة المباشرة مع النظام إذا لم يلح في الأفق حل سياسي يرضي كافة الأطراف.