تخبرنا مصادر التاريخ الإسلامي بأن رمضان قد شكل محطة مهمة لتحقيق أعظم الانتصارات التي عرفها الإسلام منذ فجره، ويعزى هذا النصر إلى الروح المعنوية العالية لدى المسلمين، وسنقتصر فيما يلي على ثلاث معارك حاسمة خاضتها جيوش المسلمين وألحقت الهزيمة بالأعداء.
غزوة بدر الكبرى
في 12 رمضان من السنة الثانية للهجرة خرج الرسول والمسلمون إلى بدر من أجل اعتراض القافلة التي بها ألف بعير وثروة تقدّر بـ 50 ألف دينار ذهبي، وليس معها سوى 40 حارسًا، ومن ثم كانت صيدًا ثمينًا للمسلمين لتعويض بعض ما أخذه المشركون منهم في مكة، غير أن العير التي تحمل هذه الثروة الضخمة غيرت طريقها بعدما ترامت الأنباء إلى أبي سفيان بما يدبره المسلمون، ورأت قريش أن في الأمر تعد صارخ، فكان رأي أبي جهل أن تؤدب هذه الفئة القليلة حتى لا يحتقر العرب أمر قريش.
تجهزت قريش للقتال وخرجت في جيش من 1300 مقاتل، ومعهم 600 درع، و100 فرس، وأعداد ضخمة من الإبل، في حين كان عدد المسلمين حوالي 314 مقاتلاً، منهم 83 من المهاجرين، وبينما كان الرسول يناجي ربه ويدعوه بأن ينزل النصر على المسلمين أتاه الجواب في قوله تعالى {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. القمر: 45
بدأ القتال بمبارزة كان النصر فيها حليف المسلمين، فحمي القتال، وقُتل 70 من المشركين، وأُسر مثلهم، وكان من بين القتلى أئمة الكفر: أبو جهل، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، أمية بن خلف، والعاص بن هشام بن المغيرة، أما المسلمون فاستشهد منهم 14 رجلاً، 6 من المهاجرين، و8 من الأنصار، وكانت هذه الموقعة العظيمة في الـ 17 من شهر رمضان.
ومنذ ذلك الحين أيقنت قريش أن المسلمين لن يكونوا مثل ذي قبل من الضعف، بل أصبحوا قوة لا يستهان بها، وحرصت قريش على استجماع قواها، في محاولة سريعة منها لرد اعتبارها، وهو ما حدث في أُحد فيما بعد.
معركة شَذُونَة
في الـ 29 من شهر رمضان عام 92هـ، وقعت معركة شَذُونَة على نهر لَكّة في الأندلس، بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد – رحمه الله – وبين لُذْريق قائد القوط، وامتدت الحرب بين الجانبين ثمانية أيام، استشهد فيها ثلاثة آلاف من المسلمين، ولكن الهزيمة دارت على لذريق وجيشه أدى لسقوط دولة القوط الغربيين، وبالتالي سقوط معظم أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية تحت سيطرة الأمويين.
وقد اعتبرت هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، حيث مهدت للفتح الإسلامي للأندلس؛ ولذلك قال ابن الأثير عقب هذه المعركة: “وسار طارق إلى مدينة إستجة، فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلق كثير، فقاتلوه قتالاً شديدًا، ثم انهزم أهل الأندلس ولم يلقَ المسلمون بعدها حربًا مثلها”.
معركة عين جالوت
في رمضان 658هـ خرج سلطان مصر سيف الدين قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية، ومن انضم إليه من الجنود الشاميين وغيرهم، وأمر الأمير بيبرس البندقداري أن يتقدم بطليعة من الجنود ليكشف أخبار المغول، فسار حتى لقي طلائع لهم في غزة، فاشتبك معهم، وألحق بهم هزيمة كان لها أثر في نفوس جنوده، وأزالت الهيبة من نفوسهم، ثم تقدم السلطان قطز بجيوشه إلى غزة، فأقام بها يومًا واحدًا، ثم رحل عن طريق الساحل إلى عكا، وكانت لا تزال تحت سيطرة الصليبيين، فعرضوا عليه مساعدتهم، لكنه رفض واكتفى منهم بالوقوف على الحياد، وإلاَّ قاتلهم قبل أن يقابل المغول، ثم وافى قطز الأمير بيبرس عند عين جالوت بين بيسان ونابلس.
واقتضت خطة السلطان قطز أن يخفي قواته الرئيسية في التلال والأحراش القريبة من عين جالوت، وألا يظهر للعدو المتربص سوى المقدمة التي كان يقودها الأمير بيبرس.
وقاد الجيش المغولي “كاتبوغا” ابن هولاكو بعد أن غادر هذا الأخير الشام إلى بلاده للاشتراك في اختيار خاقان جديد للمغول، وجمع القائد الجديد قواته التي كانت قد تفرقت ببلاد الشام في جيش موحّد، وعسكر بهم في عين جالوت، وقبل ذلك كانت جيوش التتار قد قضت على ملايين البشر من المسلمين وغيرهم، وقضوا على الخليفة ودولة الخلافة وعاصمتها بغداد في عام 656هـ. وكان ذلك بمعاونة الصليبيين وبعض الخونة ممن ينتسبون للإسلام اسمًا.
في صباح يوم الجمعة 15 رمضان اشتبك الفريقان، وأظهرت جيوش التتار، في بداية المعركة، نصرًا على المسلمين، غير أن السلطان قطز ثبت كالجبال، وصرخ بأعلى صوته: “واإسلاماه”، فعمت صرخته أرجاء المكان، وتوافدت حوله قواته، وانقضوا على الجيش المغولي الذي فوجئ بهذا الثبات والصبر في القتال وهو الذي اعتاد على النصر الخاطف، فانهارت عزائمه وارتدوا مذعورين خصوصًا بعدما رأوا قائدهم كتبوغا يسقط قتيلاً في أرض المعركة.