على إثر الحادث الإرهابي الذي شهدته المنطقة السياحية “القنطاوي” بمحافظة سوسة، أشرف رئيس الحكومة التونسية على اجتماع خلية التنسيق الأمني والمتابعة للنظر في تداعيات الهجوم الذي أسفر عن مقتل 39 شخصًا وجرح 39 آخرين أغلبهم من الأجانب، خلص إلى اتخاذ إجراءات “عاجلة” من بينها غلق 80 جامعًا.
إجراءات عاجلة
وأفاد رئيس الحكومة خلال الندوة الصحفية أن خلية التنسيق الأمني والمتابعة اتخذت عدة إجراءات فورية؛ وتتمثل هذه الإجراءات في فتح تحقيقًا وإجراء تقييمًا شاملًا للواقعة وتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة، وغلق كل الجوامع والمساجد الخارجة عن سيطرة وزارة الشؤون الدينية خلال أسبوع والبالغ عددهم 80 جامعًا، والشروع في البدء باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الأحزاب والجمعيات المخالفة لأحكام الدستور، بما في ذلك إجراءات الحل.
كما شملت هذه الإجراءات إعادة النظر في المرسوم المنظم للجمعيات خاصة فيما يتعلق بالتمويل، وإخضاعها للرقابة المالية للدولة، تفاديًا لأي شكل من أشكال تمويل الإرهاب، ودعوة جيش الاحتياط لتعزيز التواجد الأمني في المناطق الحساسة، وإعلان جبال سمامة، مغيلة، بيرينو، للعيشة، ورغة، وتوشة مناطق عسكرية مغلقة؛ بما يسهل عمليات التدخل وملاحقة الإرهابيين.
وأمر الصيد بتكثيف الحملات والمداهمة لتتبع الخلايا النائمة والعناصر المشبوهة بالتنسيق مع النيابة العمومية ووفق القانون، بالإضافة إلى وضع مخطط استثنائي للمزيد من تأمين المناطق السياحية والمواقع الأثرية، ونشر وحدات من الأمن السياحي مسلحة على كامل الخط المائي والشريط الساحلي وداخل الفنادق بداية من غرة يوليو المقبل، كما أعلن الصيد عن دعوة لتنظيم مؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب خلال شهر سبتمبر 2015 بمشاركة كافة مكونات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات.
وأعلن الصيد للمرة الأولى في تاريخ تونس على رصد مكافأة مالية لكل من يدلي بمعلومات تمكن من القبض على عناصر إرهابية، ودعى لانعقاد مجلس الأمن القومي يوم الأحد المقبل للنظر في إجراءات إضافية لاتخاذها، بالإضافة إلى اجتماع مجلس الوزراء اليوم السبت بصفة استثنائية والاجتماع مع ممثلي الأحزاب لإبلاغهم بما تم إقراره من إجراءات، واعتبار خلية التنسيق الأمني والمتابعة في حالة انعقاد مستمر.
تلميح باقتراب ساعة حل حزب التحرير
وأثناء تحوله لمكان الحادثة، لمّح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى إمكانية حل حزب التحرير، وقال السبسي، في تصريحات للصحفيين بمدينة سوسة التي وصلها صحبة رئيس الحكومة الحبيب الصيد، إنه لن يسمح بعد اليوم في تونس بـ”رفع علم غير علم الوطن”، وأضاف “من يريد الخروج عن الصف فليخرج، وسأدعو رئيس الحكومة الحبيب الصيد إلى مراجعة بعض الرخص الممنوحة لأحزاب ترفع رايات سوداء”، على حد تعبيره.
ولم يذكر الرئيس التونسي اسم الحزب بتلميحاته، فيما اعتبر مراقبون أنه يشير بذلك إلى حزب التحرير بتونس، الذي أثار جدلًا خلال مؤتمره الرابع الذي عقده في 13 من الشهر الجاري، تحت شعار “شمال أفريقيا مرتكز لدولة كبرى”، تم خلاله رفع الرايات السوداء وسط شعارات تخللتها دعوات بإقامة دولة الخلافة في تونس، وهو ما سبب هجمة إعلامية مركزة على هذا الحزب طيلة الأسبوع الفائت؛ يشار إلى أن حزب التحرير يعد ثالث حزب إسلامي في تونس، كان قد حصل على ترخيص بالعمل السياسي القانوني في شهر يوليو من عام 2012.
وفي السياق ذاته، وأثناء إجابته على أسئلة الصحفيين، قال الصيد إن قرار اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الأحزاب ليس موجهًا لحزب بعينه، رغم إقراره بأن الحكومة كونت “ملفًا قانونيًا” على خلفية الشعارات التي رفعها حزب التحرير في مؤتمره السنوي، وأنه سيتم تقديم هذا الملف للقضاء، وأضاف أن كل التدابير سيتم اتخاذها ضمن إطار القانون، وفق تعبيره.
إجراءات متعجّلة؟
وقد تباينت الآراء حول هذه الإجراءات خاصة فيما تعلق بإغلاق المساجد الخارجة على سيطرة الدولة، والتلويح بسحب تأشيرات بعض الأحزاب والجمعيات.
فرغم أن حزب التحرير لا يخفي عدم اعترافه بالدولة القطرية بل ويعتبرها أحد إفرزات الفترة الاستعمارية، ورغم أنه لا يرفع العلم التونسي في تظاهراته ويكتفي برفع “راية العقاب” التي بات يشترك في رفعها مع التيارات الجهادية، إلا أنه عُرف عنه عدم ممارسة العنف، وأن يأتي حله كنتيجة لعملية إرهابية ندد بها فهذا يبعث على التساؤل: هل نحن فعلًا أمام إجراءات حقيقية أم بحث عن شماعات يُعلّق عليها الخلل الأمني وعدم الاستفادة من دروس حادثة باردو؟
وفي السياق ذاته، أيهما أفضل للبلاد، أن يبقى منتسبو حزب التحرير ينشطون ضمن الإطار القانوني والضغط عليهم من أجل تعديل خطابهم حتى يتلاءم مع ثوابت الدولة الجديدة في تونس، أم أن ندفعهم نحو العمل السري؟
ومن جهة أخرى، ألا تُعتبر المسارعة إلى غلق عددًا كبيرًا من الجوامع دعمًا لما تسعى إليه هذه الجماعات المسلحة، من تصوير للدولة على أنها “تحارب الدين”؟، ألم يكن حريًا بالدولة أن تعتقل من تتهمهم بنشر الخطاب التكفيري داخلها – الجوامع – وتنصيب أئمة آخرين بدلهم؟
يبدو أن الحكومة سعت عبر هذه الإجراءات المرتجلة إلى امتصاص هول الكارثة، والظهور للرأي العام في صورة الحكومة الحازمة والقوية، إلا أن المقاومة الحقيقية للإرهاب تنطلق عبر مواجهة أسبابه؛ غياب التثقيف الديني وغياب التنمية.