جهة واحدة هي من تقف خلف ثلاثة تفجيرات في ثلاث قارات مختلفة، إنه تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف إعلاميًا بداعش، يتبنى هجومًا عنيفًا على منتجع سياحي في مدينة سوسة التونسية، وتفجير مسجد يرتاده الشيعة بالكويت، وكذا الهجوم على مصنع أمريكي للغاز الصناعي جنوب فرنسا.
الحصيلة عشرات القتلى والجرحي في هذه العمليات التي تبناها التنظيم لاحقًا، فقد أعلن تنظيم الدولة أن المدعو “أبو يحيى القيرواني” قد تمكن من اختراق الحواجز الأمنية والوصول إلى هدفه، المنتجع السياحي بمدينة سوسة “إمبريال مرحبا”، ومن ثمّ فتح سلاحه الرشاش على السياح المتواجدين في المكان، ما أدى لمقتل 38 شخصًا، فيما قُتل المنّفذ بعد تبادل إطلاق النار مع وحدات من الشرطة التونسية.
وفي معركة أخرى للتنظيم، خاضها هذه المرة في الكويت، استهدف تفجير مسجد الإمام الصادق، وهو مسجد خاص بالشيعة في مدينة الكويت، وقد أسفر هذا التفجير عن مقتل 27 شخصًا وإصابة 227 آخرين، فيما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته أيضًا عن هذا الحادث الذي نفذه شخص يدعى “أبو سليمان الموحد” بحسب تبني التنظيم.
سبق هذين الهجومين هجومًا آخر لكن هذه المرة في القارة الأوروبية جنوب فرنسا، حيث اُقتحم مصنع للغاز عبر سيارة تابعة لشركة نقل عمال المصنع، مما تسبب في تفجير عبوات صغيرة داخل المصنع وقد خلف هذا الهجوم قتيلًا وجريحين، كما تم العثور على جثة القتيل مقطوعة الرأس قرب موقع الحادث معلقة على سياج بجانب المصنع، فيما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أنها تعرفت على هوية منفذ الهجوم، وهو شخص يدعى “ياسين صالحي”، وقد أشار وزيرالدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أن الحادث يحمل بصمة الجهاديين.
العالم يدين ويشجب والولايات المتحدة تعلن عبر وزارة خارجيتها أن ليس هناك ثمة دليل واضح على أن الهجمات التي وقعت بكل من الكويت وتونس وفرنسا وأسفرت عن مقتل العشرات، كانت هجمات منسقة، وقد يكون هذا الأمر صحيحًا، أن توقيت تنفيذ العمليات وطريقتها ربما لا يكون منسقًا، ولكن الشئ الأكيد أن هدف هذه العمليات واضح ومحدد لدى التنظيم الذي تبنى التنفيذ.
إنها حالة من الانتشار ينفذها تنظيم الدولة بدقة خارج محيطه المأزوم، وهو نوع من محاولات فك الضغط عليه في بؤر المواجهة المباشرة بسوريا والعراق، وكذلك محاولات لإظهار القوة والقدرة على التمدد عبر فكر عابر للقارات، ما سيعطي للتنظيم صورة ذهنية قوية أمام أنصاره والمتعاطفين معه حول العالم، وهي رسالة بعث بها التنظيم لأنصاره حول العالم دون تورية، وهي دعوتهم لتكثيف الهجمات أثناء شهر رمضان ضد المسيحيين والشيعة والمسلمين الذين يقاتلون مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم. بشكل عام هذا الأمر حول الأهداف الرئيسية من تنفيذ عمليات متفرقة بهذا الشكل.
ولكن إذا تحدثنا عن العناوين الفرعية لأهداف الهجوم في كل بلد على حدة فسنجد أن الأمر به تفصيل بعض الشيء؛ فأهداف عمليات التنظيم في الخليج تختلف عن أهداف عملياته في تونس تختلف عن أهداف عملياته في أوروبا.
تنظيم الدولة الإسلامية يُعلم جيدًا أن المكون الشيعي في الخليج لا يمكن تغافله، واستغلالًا لنبرة الطائفية التي تثيرها السعودية بعد عملياتها العسكرية في اليمن، فإن الفرصة مواتية جدًا لإثارة القلاقل بين السنة والشيعة في منطقة الخليج، وهي السردية التي يدعمها التنظيم منذ نشأته، فقد بدأه بمحاولات في السعودية ثم تطور الأمر إلى تفجير القطيف، وها هو تفجير الكويت يسير في نفس الخط.
محاولة خلق الفوضى عن طريق تغذية الطائفية في الخليج بتفجيرات تستهدف التجمعات الشيعية، يريد التنظيم بشكل أو بآخر أن يصل لحالته المفضلة التي يتمدد فيها ويجد فيها راحته، فالفوضى في اليمن أظهرت تواجدًا لداعش لم يُلحظ من قبل، وهذا الظهور كان من خلال تفجيرات استهدفت تجمعات للحوثيين بسردية مقاتلة الشيعة، كذلك الأمر في ليبيا التي تعاني من فراغ بسبب الاقتتال الداخلي وهي حالة مثالية لتواجد داعش، وقد كان تأسيس التنظيم في السابق في العراق وسوريا على هذا المنطلق، وفقًا لما بث من وثائق تتعلق بنشأة التنظيم نشرتها جريدة “دير شبيغل” الألمانية.
ففي مقال نشرته “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية يرصد تمدد تنظيم الدولة؛ الذي يستغل الفراغ وغياب الحكومات المستقرة لبناء مراكز وجود له بمناطق مهمة، وربما هي الحالة التي يريدها للخليج خاصة في أماكن تواجد الكتل الشيعية غير المرضي عنها من الحكومات، كمثال في المنطقة الشرقية بالسعودية إذا ما قرر الشيعة بالخليج عدم مقدرة الحكومات على حمايتهم وأن عليهم حماية أنفسهم وقد تعزز إيران هذا الطرح في الخفاء، وإذا ما تم التصادم بين الحكومات الخليجية والشيعة في مناطقهم فإن خطة التنظيم ستنجح في هذه الحالة فقط.
وعلى صعيد آخر إذا نظرنا للهجمات في تونس أو فرنسا فإنه بجانب الفرضيات السابقة يريد التنظيم نقل معاركه للخارج لسبب آخر في غاية الأهمية بالنسبة له كتنظيم جهادي يتبنى العالمية، وهو أمر تأكيد حضوره العالمي في المناطق خارج حدوده التقليدية، وهو يعد تنافسًا جهاديًا عالميًا بينه وبين نظرائه من الجماعات الأخرى وعلى رأسها القاعدة، حيث يريد تنظيم الدولة بناء شبكة جهاد عالمي كتلك التي أسستها القاعدة، ليعلن خروجه التام عن هذه العباءة القديمة وتسلم راية الجهاد العالمي بدلًا من القاعدة، وهو منطق التنظيم في استهداف الدول الغربية ومواطنيها في البلدان العربية.
وهذا الأمر يحاول التنظيم تنفيذه في تونس – أحد البلدان الرئيسية الموردة للمقاتلين في داعش – عبر سلسلة من الاستهدافات للسياحة تنفذها مجموعات بتنسيق مع التنظيم، كان آخرها قبل هذا الحادث بحوالي ثلاثة أشهر بإطلاق النار داخل المتحف الوطني في منطقة باردو بالعاصمة التونسية، مما أدى إلى مقتل 21 سائحًا ورجل أمن ومنفذي الهجوم، وقد تبين لاحقًا أنهما شابان في منتصف العشرينيات تدربا في ليبيا، وكانت مدينة سوسة أيضًا قد شهدت قبل ذلك في العام 2013 محاولة لاستهداف تجمعات سياحية، وكذلك أحبطت محاولات لتنفيذ هجمات في مدينة المنستير التونسية.
ردود أفعال الحكومة التونسية هي بالطبع داعمة لنمو مثل هذه الأحداث وتنظيم الدولة يعلم ذلك جيدًا، فلك أن تتخيل سماع شاب متعاطف مع التنظيم لقرار الحكومة التونسية إغلاق ثمانين مسجدًا “خارج سيطرة الدولة”، بدعوى التحريض على العنف عقب الهجوم المسلح على فندق بمدينة سوسة، إذن تنظيم داعش قد ضمن مصدرًا مفتوحًا للمقاتلين التونسيين الجدد الساخطين على الحكومة التونسية، التي تستثمر هذه الأحداث سياسيًا للتضييق على الإسلاميين في تونس بدعاوى مثل مكافحة الإرهاب.
أما في الغرب فيعتمد تنظيم الدولة على ما يُعرف بـ “الذئاب المنفردة”، التي تعمل بمفردها دون شبكات أو مجموعات يسهل تعقبها واصطيادها من الأجهزة الأمنية الغربية، وهذه الإستراتيجية تحقق أهدافها بنسبة كبيرة، من خلال تلك العمليات الفردية التي بدأت في هز أوروبا بالفعل؛ فعقب هجمات فرنسا أعلنت إسبانيا وإيطاليا التأهب خشية شن أفراد من داخل هذه البلدان هجمات عنيفة.
الخلاصة في الأمر أن نقل تنظيم الدولة معاركه إلى خارج الحدود ساعده كثيرًا على كسب الأراضي والمقاتلين، ناهيك عن تعاطف الأتباع بعد الإجراءات السلطوية التعسفية كما حدث في مصر، على سبيل المثال لا الحصر، وذلك بعد بيعة تنظيم أنصار بيت المقدس لتنظيم الدولة وتحوله لولاية سيناء، وقد ظهر بعد ذلك التنظيم في حلة جديدة بعد أن انضم إليه كل من عجز عن اللحاق بالتنظيم في أراضيه التقليدية، وهي انتصارات يحققها التنظيم بتكيكات الحروب بالوكالة عن بُعد في مناطق يصعب عليه اختراقها بالمفهوم التقليدي.