تقرير أعده زاك بادورف لموقع Vice، ترجمه وأعاد تحريره موقع نون بوست
بطن منتفخة، عيون زجاجية، خدود جوفاء، ولثة دامية، وكل أعراض سوء التغذية كانت ظاهرة بوضوح على جسد رنا عبيد عندما نقلت إلى أحد المستشفيات الميدانية في منطقة المعضمية الواقعة تحت سيطرة الثوار شمال العاصمة السورية، ورغم محاولة الأطباء واجتهادهم في معالجتهم فإن حالتها تجاوزتهم وتوفيت بنت العام ونصف رنا عبيد بعد أيام من وصولها للمستشفى.
فيديو لرنا عند وصولها للمستشفى الميداني:
https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=NbfLFgt77cY
بعد مشاهدة الفيديو، الدكتور ماهر ،وهو طبيب سوري أمريكي ويسافر بصفة مستمرة إلى سوريا، أخبرنا بأن النزيف الظاهر على لثة رنا يدل على نقص حاد في الفيتامين سي، ثم قال: “أن تصل إلى هذه الدرجة من نقص الفيتامين سي، فذلك يعني أنها تعاني من سوء تغذية حاد وحاد جدا ومنذ فترة.. يجب أن لا تأكل شيئا بتاتا منذ فترة طويلة حتى تصل إلى هذه الدرجة”.
رنا، لم تكن أول طفلة سورية تموت بسبب الجوع في المعضمية، فتاة أخرى تبلغ من السن سبع سنوات ماتت يوم الجمعة الماضي بسبب سوء التغذية والجوع، وثلاثة أطفال آخرين تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة والسابعة، وسيدتان في الثلاثينات من أعمارهن ماتوا في الأيام الماضية ببطء، بسبب الجوع، وبسبب الحصار الذي يفرضه الرئيس السوري بشار الأسد والمليشيات التابعة له على المدينة.
في منتصف شهر أغسطس الماضي، استخدم نظام الأسد غاز السارين والأسلحة الكيمياوية لقصف المدينة، وذلك بعد سنة كاملة من القصف الذي أدى إلى انخفاض عدد سكان المدينة من 70 ألف نسمة إلى 12 ألف، حيث تمكن معظم سكانها من الهروب منها إما إلى مناطق أخرى داخل سوريا أو إلى بعض دول الجوار أو إلى معتقلات النظام.
الرقم الضخم للمهاجرين الذين فروا من المدينة قد يوحي بأن عملية الخروج منها سهلة، ولكن داني القباني المقيم داخل المدينة أخبرنا عبر سكايب: “كل من يحاول الخروج من المدينة يقتل بالرصاص أو يعتقل ويعذب حتى الموت، والقناصة متواجدون في كل مكان، وهم يصوبون رصاصهم نحو كل من يحاول الخروج”.
المدينة محاصرة منذ ما يقارب السنة، لا طعام ولا أدوية دخلت إليها منذ سنة لا عبر الدولة ولا عبر المؤسسات الإغاثية، وأهل المدينة لم يحصلوا على الخبز منذ أكثر من ستة أشهر، وكل ما يأكله المقيمون في المدينة الآن هو ما ينبت من أرضها كالزيتون والأعشاب وبعض الخضروات.
الدكتور ماهر قال لنا: “هذه أشياء لا تسكت الجوع وليست مغذية بتاتا.. هذه أشياء لملئ البطن ولمحاولة البقاء على قيد الحياة”، وكذلك أكد لنا الدكتور عمر حكيم الذي تواصلنا معه عبر سكايب من داخل المدينة: “الجوع منتشر على نطاق واسع، الجوع منتشر في كل أنحاء المدينة”.
داني الذي يبلغ من العمر 26 عاما قال لنا: “أطفالنا يموتون بين أيدينا، ليس فقط بسبب القنابل، بل بسبب الجوع أيضا”، مع العلم أنه ورغم الحصار والجوع، فإن القصف اليومي للمدينة لم يتوقف إلى الآن، فإلى جانب المواجهة اليومية التي يخوضها الثوار المسلحون مع قوات النظام، تقوم طائرات النظام بقصف المدينة بالبراميل المتفجرة بصفة يومية، وبينما كنا نتحدث مع بعض سكان المدينة كنا نسمع أصوات التفجيرات عبر سكايب.
داني اعتذر مرة عن تأخره عن اللقاء قائلا: “أنا آسف جدا، لقد تأخرت بسبب القصف الشديد”، ثم أضاف: “عام كامل تحت القصف.. عام كامل تحت الحصار.. عام كامل ودماؤنا تسفك بدون رحمة.. لم نعد نخاف الموت..”.
“الناس يقضون معظم أوقاتهم في ملاجئ وأقبية هربا من القنابل والصواريخ”، يقول الدكتور حكيم واصفا الوضع الإنساني داخل المدينة التي قطعت قوات النظام الكهرباء عنها منذ سنة وبقيت تعتمد على توليد الكهرباء من خلال محركات بسيطة، ثم يضيف :”ليس الجوع هو المشكل الوحيد الذي يدمر حياة أطفال المعضمية، فالأطفال لا يذهبون إلى المدارس منذ أكثر من سنة، بسبب تدمير معظمها وتحويلها إلى خرابات”.
داني، أرسل لنا هذا الفيديو الذي يصور طفلا يعاني من نقص في التغذية وأمه تتحدث عن حالته، حيث وصف داني الفيديو قائلا: “الموت بسبب الجوع بشع جدا.. إنه موت بطيء..”.
https://www.youtube.com/watch?v=VVRLdZXWNXM&feature=player_embedded
بالنسبة للدكتور حكيم، أحد الحلول العاجلة هي حليب الأمهات: “يمكن الاعتماد على حليب الأمهات، فالأم يمكن أن توفر الحليب حتى وإن لم تتغذى كما يجب، ولكن بعض الأمهات لا ينتجنا الحليب بتاتا.. وهذه مشكلة أخرى”، ويعلق الدكتور هاني: “في هذه الحالة لا يوجد بديل، فلا وجود لحليب الحيوانات ولا للحليب الاصطناعي.. إنها كارثة”.
حالة فتاة أخرى تعاني من نقص في التغذية:
https://www.youtube.com/watch?v=kGz3AHN9Fe4&feature=player_embedded
عبير ايتيفا المتحدثة باسم برنامج التغذية العالمي في الشرق الأوسط تقول: “الغذاء جاهز عندنا، نحن أيضا مستعدون ولكننا نحتاج إلى أن يسمح لنا بالوصول إلى هناك، نحتاج إلى فرصة للوصول إلى هناك، لا يهم إذا كانت هذه الفرصة صغيرة، المهم أن نصل إلى الناس هناك”، مشيرة إلى أن المنظمة العالمية التابعة للأمم المتحدة لا يمكنها أن تتدخل لإيصال مساعداتها الإنسانية العاجلة والمصيرية ولإنقاذ حياة آلاف الأطفال إلا بعد الحصول على إذن من بشار الأسد.. الذي تقوم قواته بمحاصرة المدينة وتتعمد تجويع أهلها.