ترجمة وتحرير نون بوست
في الساعات الأولى من صباح 25 يونيو، نفذت الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة باسم (داعش)، هجمات انتحارية متعددة في كوباني والحسكة في سورية، مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات، وناهيك عن أن هذا الهجوم يستعرض همجية داعش مرة أخرى، فإنه يؤكد على الضرورة المُلحة للتخلص من تهديد داعش ونظام بشار الأسد بغية إنهاء هذه الحرب الدامية التي طال أمدها؛ فطالما استمرت الحرب السورية، وبقي نظام الأسد في دفة الحكم، فإن الجماعات الإرهابية، كداعش ومثيلاتها، ستستمر بإحداث الفوضى.
هجوم داعش على كوباني يأتي بعد أسبوعين من القتال في تل أبيض، حيث استطاعت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” وجماعات المعارضة السورية، طرد عناصر داعش من المدينة، بمساعدة جوية من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وبالنظر إلى أن الهجوم هو عبارة عن تفجيرات انتحارية جبانة، وليست محاولة شاملة لاستعادة السيطرة على المدينة، يمكن للمرء أن يتكهن بأن السبب الرئيسي لها هو استباق إمكانية جماعات المعارضة المناهضة لداعش بنقل ساحة القتال إلى الرقة، وهي معقل داعش في سورية، وعاصمتها المزعومة، علمًا أن داعش استخدم مثل هذا النوع من الإرهاب والتكتيكات المفاجئة من قبل.
إن معرفة النواحي التي يتم من خلالها استخدام شيء معين، هو أفضل طريقة لمعرفة ماهية هذا الشيء، ومن هنا نستطيع القول، إن الاستخدام الأساسي لداعش في الحرب السورية يهدف إلى إضعاف وشل المعارضة المناهضة للأسد، وتبرير استعراضات القوة في بلاد الشام؛ فمن حلب إلى عفرين، ومن تل أبيض إلى كوباني، جميع هجمات تنظيم الدولة استهدفت حتى الآن جماعات المعارضة الكردية والعربية والتركمانية، وتؤكد تقارير الاستخبارات وجود تعاملات قذرة ما بين نظام الأسد وداعش، يقوم من خلالها النظام السوري بتوفير الغطاء الجوي لعناصر التنظيم، كما يشتري النفط منه، ويستخدمه لأغراض دعائية وعسكرية، ومن هذا المنطلق، أصبح تنظيم داعش الأداة الأكثر ملاءمةً في الحرب السورية، وكل طرف يستخدمه لتبرير سياسته في سورية وبلاد الشام؛ فروسيا تستشهد بداعش لتبرير دعمها لنظام الأسد، وإيران وحزب الله يرسلان المقاتلين مستخدمين ذات الذريعة، ونظام الأسد يقتل دون تمييز تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، وآخرون يستخدمون داعش كغطاء لدعم لاعبيهم ووكلائهم على الأرض، ونظرًا لهذا الاستخدام المتلائم مع حاجاته، فإن نظام الأسد لا يرغب بإضعاف قوة تنظيم داعش أو بتدميره.
قد يبدو الهجوم على كوباني من قِبل تنظيم الدولة هجومًا تكتيكيًا، ولكنه بذات الوقت، قد يشير إلى بداية صراع طويل الأمد بين داعش من جهة، وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD والجيش السوري الحر من جهة أخرى، وهذا –إن حدث- سيكون تطورًا خطيرًا، وسيتسبب بالمزيد من الدمار والفوضى على طول الحدود التركية السورية.
من جهتها، أدانت تركيا بشدة هجمات داعش الأخيرة، كما قامت بنقل الجرحى جرّاء هذه الهجمات لتلقي العلاج في تركيا، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو موقف تركيا من تنظيم داعش، المدرج أساسًا على القائمة التركية للمنظمات الإرهابية، وأوضحا أن تركيا لن تسمح بحصول أنشطة إرهابية على أراضيها أو عبر حدودها.
عندما اندلع القتال في كوباني العام الماضي، أدخلت تركيا حوالي 200.000 شخص من سكان كوباني، معظمهم من الأكراد، إلى الداخل التركي، كما ساعدت البشمركة العراقية، وقوات الجيش السوري الحر، للمرور عبر تركيا للدفاع عن المدينة ضد هجمات داعش، وهذه المساعدة اللوجستية لعبت دورًا رئيسيًا في طرد إرهابيي داعش من كوباني، وأيضًا عندما اندلع القتال في تل أبيض، فتحت تركيا أبوابها مرة أخرى أمام حوالي 23.000 لاجئ سوريين، معظمهم مازالوا في ضيافة تركيا حتى الآن.
ولكن بدلًا من توجيه الشكر لتركيا على هذه الجهود المبذولة، أطلقت بعض الجماعات، بما في ذلك الفروع السياسية ووسائل الدعاية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني PKK، بكل صفاقة حملة تشويه، تتهم تركيا بمساعدة عناصر داعش ضد الأكراد، وهذه الادعاءات هي مجرد كذب صريح ودعاية قذرة، وعبارة عن تكرار للقصة الممجوجة ذاتها بدون أي دليل، وبغية التأكيد، نذكّر مرة أخرى بأن تركيا ألقت القبض على أكثر من 1300 أجنبي مشتبه بصلتهم بالإرهاب ورحّلتهم من البلاد، وأكثر من 10.000 شخص يشتبه بارتباطهم بأنشطة إرهابية تم منعهم من دخول البلاد، كما عززت تركيا من إجراءاتها الأمنية على طول حدودها الطويلة مع سورية، في الوقت الذي تتحمل به هذه البلاد عبئًا ثقيلًا ناجمًا عن اضطرارها للتعامل مع مئات اللاجئين السوريين الذين يدخلون البلاد يوميًا.
وهنا لنا أن نتساءل، هل قامت البلدان الأخرى، بما في ذلك الدول الأوروبية التي يتدفق المقاتلون الأجانب من أراضيها للانضمام لداعش، بواجبها لوقف تدفق الإرهابيين المحتملين من أراضيها؟ وأولئك الذين يهاجمون تركيا بلا خجل، هل لديهم أي شيء ليقولوه لتلك الدول التي انضم مواطنوها بالمئات إلى صفوف التنظيم، وفقًا لبيانات هذه الدول ذاتها؟ أو هل لدى هؤلاء أي شيء ليقولوه حول اللامبالاة الواضحة التي تبديها الدول الغنية حول موضوع مساعدة اللاجئين السوريين في تركيا والأردن والعراق وأماكن أخرى، وهنا يحق لنا التساؤل: أين ذهبت روح العدالة!
على صعيد آخر، يحاول حزب العمال الكردستاني عبر وكلائه ووسائله الإعلامية، إثارة حرب هوية وولاء بين الأتراك والأكراد، من خلال تلفيق الأكاذيب ونشرها حول كوباني، وداعش، والحرب في سورية، علمًا أنه في آخر مرة دعا فيها الحزب أنصاره للخروج إلى الشوارع، تسبب بوفاة 50 شخصًا بريئًا في تركيا.
إن استخدام كوباني وداعش بهدف تقوية المشاعر القومية الكردية ضد تركيا، هي لعبة سياسية خطيرة، ويجب على جميع الجهات المعنية التصرف بمسؤولية لمنع إحداث المزيد من الفوضى والألم.
المصدر: ديلي صباح