أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا “برناردينو ليون” مساء أول أمس استئناف محادثاته مع طرفي النزاع الليبي في مدينة “الصخيرات” في المغرب، التقى ليون بالفعل بممثلين من المؤتمر الوطني العام في ليبيا، وكذلك من المنتظر أن يلتقي بجهة النزاع الأخرى وهي برلمان طبرق المنحل.
من المفترض أن يستمع ليون إلى وجهتي نظر الطرفين في الصراع الليبي وينقلها إلى بعضهم البعض لمحاولة التوصل إلى اتفاق ينهي الأمور العالقة لإنجاز اتفاق مصالحة شامل، بعثة الأمم المتحدة تأمل في انجاز اتفاق شامل في جولة ختامية من المفاوضات وقد تكون الحاسمة في إطار التوصل إلى اتفاق بين الطرفين من عدمه.
وكان ليون قد قدم قبل ذلك للطرفين مسودة تضم اتفاق سياسي جديد بين طرفي الأزمة في ليبيا لتتم مناقشتها وإبداء الملاحظات عليها، ترتكز هذه المسودة على ثلاث نقاط رئيسية: هي تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، والعمل مع البرلمان المنحل على أنه ممثل الهيئة التشريعية، وتأسيس ما يُعرف مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن وهيئة لإعادة الإعمار.
ممثلو المؤتمر الوطني العام يريدون أن يكون مجلس الدولة بمثابة صمام أمان يحكم في أي قرار يصدر من مجلس النواب الذي ستعاد شرعيته إلى الحياة بعد أن حلته المحكمة الدستورية العليا في ليبي، حيث أرسل ممثلو المؤتمر الوطني اقتراحًا ينص على تأليف مجلس الدولة من 45 شخصية محسوبة على الإسلاميين و45 عضوًا آخر مما يعرف بالتيار المدني الليبي و30 عضوًا من الشخصيات العامة.
الخلاف بين الأطراف صيغ في شكل تعديلات على مسودة الاتفاق السياسي هذه التي طرحها ليون لكن يبدو من الأمر أن هناك اختلافات عميقة في هذه المسودة الرابعة، حيث يريد المؤتمر الوطني جعل هذه المحادثات هي الأخيرة ويرفض تمامًا اجتماع فريق الحوار الخاص به مجددًا في مثل هذه المحادثات إذا ما نشب خلاف مستقبلي، كما يريد أن يجعل البرلمان أحد الجهات التشريعية في البلاد وليس الجهة الوحيدة المنوط بها التشريع في ليبيا.
أما ممثلو برلمان طبرق فيرون أن المجلس الأعلى للدولة لن تكون له سلطات إلا سلطات استشارية، مع استبعاد عملية بناء جيش وطني وتقديم مقترح بدعم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر قائد ما يُعرف بعملية الكرامة التي تساند برلمان طبرق المنحل في وجهة قوات فجر ليبيا التي تقف خلف المؤتمر الوطني الليبي العام.
ورغم كل هذه الخلافات طالب المبعوث الأممي إلى ليبيا ليون أطراف النزاع الليبي المجتمعين في المغرب بتوجيه “رسالة أمل” إلى العالم خاصة بعد وقوع هجمات أول أمس الجمعة في الكويت وتونس والصومال وفرنسا، وهو ما يجعل المجتمع الدولي يرى أن استمرار هذا الصراع في ليبيا بمثابة إحياء ومد أجل هذا النوع من العمليات في الشرق الأوسط وأوروبا.
وضع ميداني مختلف
قبل انطلاق هذه الجولة من المفاوضات استنكر رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي “نوري أبو سهمين” زيارة المبعوث الأممي لليبيا “برناردينو ليون” لمدينة مصراتة دون علمه، حيث اجتمع ليون بقيادات عسكرية تابعة لرئاسة أركان المؤتمر، وهي خطوة مجهولة السبب إلا أن بعض المتابعين للشأن الليبي وصفوها بمحاولة تجاوز تعنت قيادات المؤتمر الوطني السياسية وتمسكه بوجهة نظره في المفاوضات، بينما يرى البعض الآخر أن هذه الاجتماعات تناولت تنفيذ آليات سحب التشكيلات المسلحة من العاصمة طرابلس وإخلائها من مظاهر السلاح.
تزامن ذلك مع اندلاع اشتباكات بين قوات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر وقوات ثوار مجلس شورى بنغازي الموالية للمؤتمر الوطني، وقد نقلت مصادر ليبية أن ما لا يقل عن 17 من القوات الموالية لحفتر قد لاقت مصرعها في شمال غرب بنغازي بمنطقتي الصابري وجروثة، انسحبت القوات الموالية لحفتر على إثر هذه الخسائر بعد أن شن مقاتلو مجلس شورى بني غازي هجمات مفاجئة عليهم في المناطق التي يسيطرون عليها.
وعلى صعيد الاشتباكات بين الطرفين الآن في منطقة أخرى أثناء استئناف المفاوضات في المغرب، أفادت تقارير إعلامية أن هناك اشتباكات مع مجلس شورى مجاهدي درنة شرقي ليبيا من قبل قوات موالية لحفتر تحاول اقتحام المدينة، وقد أسفر القتال الدائر عن سقوط أكثر من عشرين قتيلا من قوات حفتر، وخمسة قتلى وعدد من الجرحى من مقاتلي مجلس شورى مجاهدي درنة.
تأتي هذه الاشتباكات بعد انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا من منطقة عين مارة قرب درنة قبل أسبوعين بعد هزيمتهم على يد مجلس شورى مجاهدي درنة، مما دفع قوات حفتر إلى السيطرة على المنطقة ومحاولة التقدم اليوم إلى درنة.
في الوقت نفسه يشن طيران المؤتمر الوطني الليبي التابع لقوات فجر ليبيا هجمات على مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية بمنطقة النوفلية شرقي مدينة سرت، ما أدى إلى مصرع العشرات منهم جراء القصف الجوي كما أعلنت الغرفة الأمنية المشتركة بمدينة سرت، يأتي هذا القصف في محاولات لإيقاف زحف مسلحي تنظيم الدولة على مناطق بليبيا بعد سيطرتهم على مبانٍ حكومية ومقار شركات خاصة يستخدمونها كمقرات لهم.
ولكن المصادر القبلية في ليبيا تؤكد أن سيطرة التنظيم في بعض الأحياء فقط وليس على المدن بأكملها بسبب الطبيعة القبلية التي تتمتع بها هذه المناطق ولا يمكن للتنظيم أن يدخل في معارك معهم، فيما تؤكد الغرفة الأمنية المشتركة أن سلاح الجو سيكثف من ضرباته خلال الأيام المقبلة لتدمير أكبر عدد من مواقع التنظيم، بعد اشتباكات متقطعة منذ أشهر بين قوات تابعة للمؤتمر الوطني العام ومسلحي تنظيم الدولة، أعلن التنظيم بعدها سيطرته على على أجزاء كبيرة من مدينة سرت الليبية إحدى المدن النفطية الليبية شرق العاصمة طرابلس.
فيبدو أن المجتمع الدولي يدفع في اتجاه إتمام مصالحة سياسية بين الأطراف المتنازعة في ليبيا محاولين إنقاذ ما يمكن انقاذه خاصة في الجانب العسكري والسيطرة على الأرض لمنع تمدد وانتشار تنظيم الدولة أكثر من ذلك، لكن الواقع يقول أن هناك صعوبة بالغة في تحقيق ذلك، فبينما يحاول المبعوث الأممي الوصول إلى الجولة النهائية من المحادثات لتوصل إلى اتفاق مصالحة سياسية تقوم القوات العسكرية الموالية للطرفين بالاشتباك في أكثر من نقطة، مما سيطرح تساؤلات هل ستسجيب القيادات العسكرية في الطرفين لأي اتفاقات مصالحة مزمع عقدها، لأنه لن تنتقل أي اتفاقيات للتطبيق على الأرض إلا من خلال القيادات العسكرية في الطرفين، وربما هذا يفسر حرص “برناردينو ليون” لقاء عسكريين تابعين لقيادة أركان المؤتمر الوطني العام دون تنسيق مع المؤتمر، في حين تنتظر ليبيا أولى إرهاصات إتمام المصالحة أو فشلها في الفترة القادمة.