ترجمة وتحرير نون بوست
شهر رمضان، شهر الصيام، هو ليس أحد الأشهر الحرم الأربعة التي يتم خلالها حظر الحرب وفقًا للدين الإسلامي، بل في الواقع، العكس هو الصحيح، حيث إن بعض الحروب الأكثر أهمية في التاريخ الإسلامي جرت خلال شهر رمضان، وهذه الحقيقة كانت معروفة للمتحدث باسم الدولة الإسلامية، أبو محمد العدناني، عندما حث مناصري التنظيم لتصعيد الإرهاب ضد “أعداء الله”، من المسيحيين، اليهود، الشيعة، والمسلمين السنة الذين يتعاونون مع التحالف الغربي الذي يحارب التنظيم، “خلال شهر رمضان أنتم أقرب إلى الله” قال العدناني في كلمة من 30 دقيقة، تم نشرها على شبكة الإنترنت.
ليس من المؤكد، بطبيعة الحال، أن دعوة العدناني للسلاح، هي التي ألهمت هجمات يوم الجمعة الإرهابية في تونس والكويت وفرنسا، ولكن يكفي إعلان داعش لمسؤوليتها عن هذه الهجمات لتوضيح أن التنظيم، الذي احتفى هذا الشهر بالذكرى السنوية الأولى لسيطرته على أجزاء كبيرة من العراق، قد نجح في إقصاء تنظيم القاعدة إلى هامش خريطة الإرهاب في الشرق الأوسط.
من الواضح أن الهجمتين اللتين استهدفتا مسجدًا للشيعة في الكويت، ومرفقًا سياحيًا في تونس، تلخصان الهدفين الرئيسيين اللذين حددهما العدناني لمناصري داعش، ولكن هذا الهجوم تم تنفيذه على جبهتين مختلفتين عن بعضهما البعض تمامًا.
الكويت، التي يشكل الشيعة نحو 20% من سكانها، تتمتع بفترة طويلة من السلام من الإرهاب، والمواطنون الشيعة يحتلون مقاعدًا في البرلمان، وفي حكومة البلاد والجيش، والعلاقات بينهم وبين الأغلبية السنية هي أكثر استقرارًا وطمأنينة من تلك الموجودة ما بين هاتين الفئتين في المملكة العربية السعودية أو في البحرين.
لكن الكويت أصبحت مصدرًا مهمًا لتمويل الميليشيات السنية المحاربة في سورية، ومن ضمنها جبهة النصرة، التي أعلنت ولائها لتنظيم القاعدة، والتي تعارض بشدة تنظيم الدولة، وتخوض حروبًا ضروسًا بمواجهته، وتشير التقديرات إلى أن مئات الملايين من الدولارات التي تم تحويلها من الكويت إلى الميليشيات السنية خلال أربع سنوات من الحرب الأهلية في سورية، ضمنت للكويت مكانًا رحبًا ضمن قائمة أهداف داعش.
تونس، من ناحية أخرى، تعرضت لعدة هجمات إرهابية منذ ثورة 2011، وهي مقر للعديد من الجماعات المتطرفة، بما في ذلك جماعات أعلنت ولاءها لداعش، حيث انضم المئات من المتطوعين التونسيين، بما في ذلك العديد من النساء، إلى صفوف تنظيم الدولة، والبعض منهم عادوا إلى تونس وأسسوا لخلايا إرهابية، مستعدة للعمل بشكل مستقل أو بالتنسيق مع قيادة التنظيم في سورية.
تعاني تونس أيضًا من تسلل المسلحين من ليبيا، والتي تعيث فيها الحرب الأهلية فسادًا منذ سقوط نظام القذافي، كما وتعتبر أحد القواعد المتينة لتنظيم الدولة، ولا مندوحة من القول بأن الحدود الليبية المليئة بالثغرات، والتي يسهل اختراقها، سمحت بحرية تنقل المسلحين من أي مجموعة إلى تونس ومصر وسيناء، فضلًا عن توفير قنوات دعم لوجستية للمجموعات العاملة في بقية شمال أفريقيا.
على كلا الجبهتين، كان الهدف من الهجوم زعزعة استقرار الحكومتين؛ ففي الكويت، كانت غاية الهجمة على المسجد الشيعي خلق شقاق ما بين الأقلية الشيعية والأغلبية السنية، عن طريق إثبات أن الحكومة الكويتية غير قادرة على منع الهجمات على الأقلية الشيعية، وبذات الوقت محاولة خلق شعور من التضامن مع الجناة المهاجمين، ولكن مع ذلك، إذا حكمنا على تحقق النتيجة من خلال ردود الفعل ضمن وسائل الإعلام الاجتماعية، فيبدو أن هجوم داعش عزز التضامن ما بين الشيعة والسنة في الكويت، على عكس مبتغى التنظيم.
أما في تونس، فقد كان الهدف هو فندق إمبريال مرحبا، وهو أكبر شاطئ ومنتجع سياحي في سوسة، وكانت الغاية من خلف هذا الهجوم ذات الغاية التي سعى إليها التنظيم في هجومه على متحف باردو في تونس في مارس الماضي، المتمثلة بضرب القطاع السياحي في تونس، والذي يساهم بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وهو بذلك يعتبر مصدرًا هامًا من مصادر إيرادات خزينة الدولة، والتراجع السياحي الذي سينجم عن الهجمتين الإرهابيتين الأخيرتين، اللتين استهدفتا القطاع السياحي التونسي، من شأنه العودة بالبلاد إلى الدرك الاقتصادي الأسفل، الذي كانت تقبع فيه خلال سنتين من اندلاع الثورة.
إن اختيار هذين الهدفين يشير إلى وجود درجة من التخطيط والتفكير الإستراتيجي من جانب المنفذين والمخططين، تختلف عن الهجمات في سيناء والعراق، حيث تجري هناك حروب استنزاف طويلة ما بين المتمردين والحكومات؛ ففي تونس والكويت، كما هو الحال في فرنسا، تم تنفيذ الهجمات من قِبل أفراد، بينما في سيناء والعراق، تشمل العمليات التي يتم تنفيذها العديد من المشاركين المدعومين من شبكات لوجستية هائلة.
هذه الهجمات الإرهابية الأخيرة، تثير تساؤلًا حول مدى جدوى الأسلوب الغربي المتبع في محاربة داعش، والقائم أساسًا على تنفيذ هجمات جوية في سورية والعراق، وتضع قدرة هذه السياسة على المحك من حيث نجاحها في وقف أنشطة التنظيم الإرهابية، ومن الجدير بالذكر، أن الغرب انتهج ذات هذه السياسة ضد تنظيم القاعدة، ولم يكتب لها النجاح حتى عندما تم نشر القوات البرية لمحاربة القاعدة، ومن المفارقات، أن الخصومات الداخلية ضمن تنظيم القاعدة، هي التي كانت السبب المباشر في بزوغ تنظيم داعش على حساب تنظيم القاعدة.
إذن، هناك حاجة إلى انتهاج إستراتيجية جديدة ومختلفة لمحاربة تنظيم داعش، إستراتيجية تتضمن في المقام الأول دعم الأنظمة في نضالها ضد الفروع المحلية للتنظيم؛ فتونس اعترفت، على لسان رئيس جمهوريتها يوم الجمعة، بأنها غير قادرة على محاربة الإرهاب وحدها، وسورية لا تمتلك نظامًا يمكن أو يجب الاعتماد عليه، وفي العراق، يتنافس إرهاب داعش مع إرهاب الميليشيات الشيعية، في حين أن الكويت ليس لديها الخبرة الكافية للتعامل مع التهديدات الإرهابية.
المصدر: هآرتس