“الدولة” هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة.
هكذا عرف موقع ويكيبيديا كلمة “الدولة” موضحًا أمورًا أساسية يجب توافرها لتكون هناك دولة يمكن أن يُطلق عليها هذا المصطلح دون تردد، لعلنا حين نتكلم عن العراق فإن الكلام يوغل في التعقيد، ويبدو أن الجميع يصرون أن مفاتيح المنطقة ليست معه لكن المعطيات الحالية والتاريخية تؤكد أن بداية نهاية الأزمة الإقليمية في العراق.
يسير العراق بخطوات ثابتة نحو اللادولة بينما يكتفي الجميع بالمشاهدة أو التعريض دون حتى المجازفة في دخول ما يسمى “المستنقع العراقي”؛ فالأمريكان بقيادة أوباما الذي مازال يمشي على استحياء في المشهد العراقي، ودول الخليج ما تزال تعتقد أن عقدة الرهان دمشق وليست في بغداد، بينما تركيا منشغلة في حكومة توافقية أو انتخابات مبكرة وخوفها من دولة شمال سوريا التي يخطط لها الأمريكيون كحليف إستراتيجي جديد في المنطقة؛ الأمر الذي طرد النوم من عيون أنقرة، كل هذه المتغيرات في المنطقة جعلت إيران تتصدر المشهد العراقي بكل ثقة وأريحية وتضع العراق باحة خلفية أو إقليم تابع للجمهورية الإسلامية وليس دولة حليفة ولا ترضى حتى بدولة تابعة!
عودة لذي بدء، مالذي جعلنا نعتقد أن الدولة العراقية يمكن أن تنهار في أي لحظة وما هي الإرهاصات الملموسة التي تجعلنا نخرج العراق من تعريف الدولة (المصطلح الذي ذكرناه في المقدمة).
إن قيام الدول أو انهيارها يعتمد على المكونات الرئيسية: (الإقليم، الشعب، السلطة).
في مطالعة سريعة على أرض الوقع نجد أن السلطة في العراق تقوض لصالح اللادولة؛ فتغول المليشيات جعل من الجيش العراقي يتراجع ويفقد الجندي العراقي هيبته مقارنة بميزات أفراد الحشد الشعبي الذي يدعم من الناحية المادية والعقدية وهو غير محاسب عن أي عمل، فهو مصان غير مسؤول، بينما يفتقد الجندي العراقي لهذا الطيف المتعدد من الدعم اللامحدود؛ مما جعل الجندي يلقي سلاحه العراقي ويمسك سلاح الطائفة والحشد الشعبي (المقدس) ليختفي أحد أبرز معالم السلطة وهو الجيش خلف ميلشيات الحشد الشعبي وقوات البشمركة ومقاتلين تنظيم الدولة (داعش)، فهم الآن من يمسكون الأرض في العراق بينما يكاد الجيش العراقي يختفي بشكل تدريجي.
أما على بقية الأصعدة فالتعليم اليوم يصارع تسريبات امتحانات البكالوريا ووصل الأمر لقطع خدمة الاتصالات في ساعات ما قبل الامتحان لتتمكن الدولة العراقية من منع تسريب أسئلة الامتحانات! بينما يتهاوى سعر الدينار العراقي إلى أدنى مستوياته منذ سنوات نتيجة للتلاعب الواضح من قِبل المستفيدين في سوق طرح العملة والدولة العراقية تشاهد! واحتياطي النقد العراقي يتناقص دون إستراتيجية حقيقية لوقف كل هذا التدهور.
هذا على صعيد الركن الأول وهو “السلطة” فماذا عن الركن الثاني من المثلث وهو ركن “الأرض”؟
لا أعتقد أن هناك من يختلف أننا نخشى أن نستيقظ على سقوط مدينة عراقية جديدة؛ فبعد نشوة تحرير تكريت التي لم يعد من أهلها النازحين غير بضع مئات منهم، صُعقنا بسقوط الرمادي على طريق الموصل (انسحاب وتسليم) لندرك أن ما خرج من سيطرة حكومة بغداد على يد التنظم “داعش” إضافة لمناطق الكورد (الإقليم + التوسع الجديد قي كركوك ونينوى وديالى) جعلت حكومة بغداد لا تحكم شيء في الحقيقة!
فالجنوب العراقي الذي يظهر للناظر من بعيد أنه محكوم من قِبل الدولة العراقية يدرك من يعيش فيه أنه مسيطر عليه من قِبل المرجعيات الدينية والمليشيات التابعة لها فلا صوت يعلو فوق صوت المرجعية؛ هذا الأمر يقودنا إلى الانهيار.
أما الركن الأخير لمثلث الدولة وهو “الشعب”، فإن أصعب من يواجههم العراق اليوم هم العراقيون أنفسهم فقد خرجوا من عراقيتهم إلى غيرها من المسميات القومية أو الطائفية أو العرقية لتجد الأعلام تُرفع بكل الألوان غير ألوان العلم العراقي ترتفع فيه كل الرايات بمختلف التسميات إلا علم العراق!
يبدو أن الخذلان الخارجي والاقتتال الداخلي جعل أهل العراق يخرجون عن عراقيتهم إلى مسميات أخرى لا لجحود منهم ولكن من كثرة ما شاهدوه من شلال الدم الذي لم يتوقف منذ 12 عامًا، فنحن نتكلم اليوم عن دراسات تتكلم عن مليون شهيد خلال مسيرته منذ 2003، و5 ملايين مهجر وملايين الأيتام والأرامل.
ما لم يدركه الجميع أو يحاولون تجاهل تلك الحقيقة أن ما يقوم به العبادي اليوم من محاولات لا تتعدى كونها إعلامية لنفخ روح الحياة في جسد ميت، ما هي إلا سياسة التسويف التي يبدو أنها عدوى ممن سبقه “المالكي”، كذلك بعض الأخبار من تدخل أمريكي لكسر شوكة الميلشيات أو لإحداث توازن في الساحة العراقية، فما يزال الوقت مبكر جدًا على هذا الكلام، فلا حقائق من هذا القبيل الآن على أرض الواقع.