بعض الشخصيات التي اعتلت عرش الإطار القيادي وأصبح لها تأثير ووزن، والتي جاءت بالمعايير التي لا تخضع للوائح الداخلية للمؤسسات أو القانون الأساسي في أي جهاز حكومي، هي شخصيات منتفخة بالكبر والرياء ومثقلة بالغرور والجهل، هي جثث جاثمة على صدور الشعب، تتلون وتأكل على جميع الموائد، يشتمون حماس في المقاطعة، ويعلنون عدم شرعية ومشروعية الرئيس في حضرة إسماعيل هنية، هؤلاء يبيعون ضمائرهم من أجل الوصول للسلطة ولم يتعرضوا لأي نفحة من تراثنا الفكري والثقافي حيث يقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي “إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرًا على اثنين، فافعل”، ولا أدري لماذا لم يستقيل أي وزير معلنًا فشله وذلك خلال عام العُسرة تحت حكم حكومة الوفاق؟ فعلى من يقرؤون مزاميرهم هؤلاء الوزراء والقادة؟
ما زال البعض يتكلم بلغة الضغائن والأحقاد والثارات، فالبعض في فتح يتمترس حول ألفاظ لا تتماشى مع روح مصالحة حقيقية مثل (مليشيات حماس والانقلاب الدموي والقتلة، إلخ..)، وبعض من أفراد حماس ما زالوا يستخدمون مصطلحات مثل (الخونة والعملاء، إلخ..)، غابت مفاهيم الدين الحنيف عند الأطراف ومظاهر التسامح وسياسة الصفح الجميل، بعض القيادات بدل أن تطفئ نيران الفتنة التي تغلي مراجلها وتوشك على الانفجار، يسكب عليها زيت أحقاده وثاراته فتزيد اشتعالاً، ويوقف عجلة التقدم الحضاري والإنساني ويوقف مسيرة دولة.
إننا في فلسطين وتحديدًا في قطاع غزة في ورطة كبيرة، فالحياة في جوانب كثيرة معطلة، والأزمات تحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم، وما زالت القيادات في كل شطر من الوطن تتعامل مع الأخرى كدولة معادية.
لا يمكن أن ننتظر حرب شرسة شعواء لا تبق ولا تذر لكي نقتنع بأهمية المصالحة وإعادة لم شمل الأسرة الفلسطينية، لقد فقدنا الكثير بهذا الانقسام، وهذا الانقسام أخطر من مراحل تاريخية سابقة اتصفت بأسوأ الأوصاف، إننا نقتل أنفسنا بأيدينا، فعلى من نطلق الرصاص؟ إن مسببات الانقسام قد تمت الإحاطة بها، إنها باختصار بسبب الإقصاء، نعم إنه الإقصاء، وكيفية معالجته تكمن في ضرورة المشاركة والاحتواء، والتسليم السلس للسلطة بعد أي عملية انتخابية، وقبول الآخر، أي مشاركة الأحزاب التي لها ثقل في الحكم وإلا كانت سببًا في تعطيل النظام السياسي كله والعودة لمربع الصفر، بغض النظر عن الأيديولوجية أو الخلفية الفكرية والسياسية لكل حزب، فالكل مدعو للمشاركة.
ليس شرطًا أن يصل الأطراف في الحب لدرجة العشق والارتباط التام كالزواج لكي يصلوا للمصالحة الحقيقية وإنقاذ الشعب من هذا التعطل والانسداد في جميع الآفاق، يكفي فقط قليلاً من الكذب ومزيدًا من الصدق، وإدخال أطراف أخرى كالجهاد الإسلامي واليسار وبعض النخب الثقافية والشخصيات الاعتبارية لكي يراقبوا جلسات الحوار ويكونوا شهداء عدول، حتى لا يتنصل أي طرف من أي اتفاق، ولتتوقف وسائل الإعلام عن ضخ كميات الشتائم ونفث سموم التفرقة والعنصرية والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، مضافًا إليه الالتزام والاقتناع بضرورة التنازل من كلا الجانبين لكي تنتهي المعاناة والمركبة ستسير بإذن الله، وكل طرف يتنازل من أجل الشعب بقدر إدراكه لحقيقة عِظم دوره وقيمة مكانته ورياديته وتاريخه العريق، قبل أن تستأصل شأفة هذا الوطن الغالي الذي سالت فيه دماء كثيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي، سئمنا من سياسة العض على الجراح ولعق أحزاننا وابتلاع ألسنتنا، وانتظار المستحيل والمراهنة على المتغيرات الإقليمية، “عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه؟؟”.