بلغت الحصيلة النهائية للهجوم الإرهابي الذي شهدته منطقة القنطاوي السياحية بمحافظة سوسة في تونس 39 قتيلًا و39 جريحًا حسب آخر تحديث لوزارة الصحة.
وكما جرت العادة في تونس، انطلق الجميع في التفكيك والتحليل، بين من يتهم بسياسوية مقرفة أطرافًا أخرى ويحملها وزر ظاهرة عابرة للقارات، وآخر ينادي بالرجوع إلى كابوس الدولة الأمنية التي أنتجت الإرهاب ذاته، وغيرهم ممن يحمّل قوات الأمن تقصيرها.
ومما شد الانتباه، هو أن أغلب من أثثوا الحوارات في وسائل الإعلام أشاحوا عن عدم تمكن من معاجم “الإرهاب الحديث” وسياقاته، حيث اجتمعوا كلهم تقريبا على إدراج الحادثة ضمن عمليات الذئاب المنفردة.
ما الذي تعنيه “الذئاب المنفردة”؟
“الذئاب المنفردة” هو تكتيك إرهابي تم نسبة هندسته للقيادي في تنظيم القاعدة في اليمن، أنور العولقي، وخاصة عبر مقالات كتبها بين سنتي 2010 و2011 في المجلة الناطقة بالإنجليزية، باسم تنظيم القاعدة، “INSPIRE”، حيث تضمن عدد صيف 2010 للمجلة تركيزًا على هذا النوع من العمليات، حيث تقرر خلية لا يزيد عناصرها على بضعة أفراد المبادرة باختيار الهدف والتوقيت والمكان دون الرجوع إلى المركز (القيادة المركزية)، واستعمال أبسط الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف كالسكاكين وما يمكن أن يتحول إلى متفجرات منزلية الصنع، وقد تحدث العولقي في مقال آخر عن تحديد قائمة أهداف اغتيالات تخص من أساء للرسول، وخص بالذكر الرسامين، وكان رشيد الكواشي، أحد المتهمين بعملية “شارلي إيبدو” قد صرّح في حوار صحافي، نشر يوم ملاحقته وتصفيته بعد العملية، بأنه تلقى تعليمات وتمويلًا مباشرًا من العولقي للقيام بعملية بهذا الصدد، قبل اغتيال الأخير في سبتمبر 2011.
هو إرهاب “الحد الأدنى” كما يطلق عليه بعض المفكرين، والذي تم تعريفه باختصار في تغريدة منسوبة لحساب “تويتر” موال للقاعدة إثر أحداث شارلي إيبدو: “#الذئاب_المنفردة خطط اضرب واهرب واحرص أن تستكشف المنطقة، أولًا، وأن تغطي لوحات السيارة، وانتبه من وجود كاميرات مراقبة”.
وقد تمثل هذا التكتيك واقعًا تقريبًا وبرز في تونس يوم 4 يناير الجاري، بعد اغتيال عون أمن في ريف مدينة الفحص في محافظة زغوان، فبعد القبض على ثلاثة شبان، اعترفوا أنهم قرروا، بشكل منفرد، اختيار هدف واستعمال أبسط الوسائل (أسلحة بيضاء)، واختيار التوقيت والمكان للقيام بذلك.
في المحصلة، الذئاب المنفردة هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، وبات يطلق هذا الوصف أيضًا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين أو ثلاثة كحد أقصى، وهي إستراتيجية جديدة تعتمدها الجماعات الجهادية وخصوصًا تنظيم الدولة في المناطق التي لا يسيطر عليها.
حول منفذ العملية الإرهابية الأخيرة في القنطاوي
من جهة أخرى، وبحسب يومية الشروق التي بحثت في تاريخ منفذ عملية القنطاوي، فإن سيف الدين الرزقي، الإرهابي الذي نفّذ العملية الإرهابية في نزل “إمبريال مرحبا” بسوسة يوم الجمعة 26 يونيو 2015 متخرّج في اختصاص الإلكترونيك من المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بالقيروان سنة 2014 ،وهو أصيل منطقة قعفور، وكانت تربطه صلة بأشخاص من القيروان خلال فترة سنة 2014، وكان في صيف 2013 مقيمًا بطريق حفّوز بالقيروان، وتفيد مصادر أنه حضر لقاءات أشرف عليها سيف الدين الرايس الناطق الرسمي السابق لتنظيم أنصار الشريعة الذي تم تصنيفه على أنه تنظيم ارهابي بجامع عبد الرحمن بن عوف بمنطقة “الصحابي1″،
ويشير ذات المصدر إلى أنه تردد في فترة على عدد من المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة، في طريق حفوز، وتفيد المعطيات أنه أقام في حي القرقابية بالقيروان كما أقام في فترة ما بطريق حفوز، ثم ابتعد عن تلك المناخات، وفي أكتوبر 2014 التحق بالدراسة بالماجستير، ولم تكن له علاقات خارجية، وكان منزويًا يرفض الاتصال بالآخرين.
وتشير أغلب المعطيات إلى أن حياته عرفت العديد من الاضطرابات، ثم تعرّف لاحقًا على فتاة لها سوابق أخلاقية وانتقل بها إلى مدينة قعفور، وحسب المعطيات فلقد تم استقطابه منذ مدة قصيرة لا تتجاوز السنة على الأرجح من قِبل تنظيمات إرهابيةـ وتفيد بعض المعطيات أنه بدأ بالارتباط بتنظيم داعش الإرهابي خلال المدة الأخيرة، رغم أنه لم يكن معروفًا بالقيام بأي نشاط عام، وقد تم استقطابه عبر شبكات الإنترنت، حيث تم ربطه بمواقع وصفحات إلكترونية، تمكّن المشرفون عليها من تأطيره.
ولم يكن سيف الدين الرزقي معروفًا لدى القضاء ولدى الأجهزة الأمنية، وحتى المعطيات المتوفرة عنه تفيد بأنه مستهلك للمخدرات وعلى صلة بفتاة لها سوابق أخلاقية ومن المترددين على المناطق السياحية في سوسة وسبق أن عمل في ميدان التنشيط السياحي.
أي علاقة لمُسلح القنطاوي بقطيع الذئاب المنفردة؟
تزامنت عملية القنطاوي مع تفجير استهدف مسجدًا شيعيًا في الكويت وأحد مصانع الغاز في فرنسا واندرجت ضمن ما أطلق عليه #غزوة_رمضان من طرف حسابات تويتر يدعي أصحابها الانتماء لداعش، بل “بشرت” بعملية في تونس وسوسة سويعات قبل تنفيذها.
وبحسب شهادات من واكبوا الحادثة الإرهابية، لم يكن الرزقي هاويًا في قنص السياح واستعمال السلاح، ولا أدل من ذلك العدد الكبير والقياسي لضحايا الهجوم الإرهابي.
ومن جهة أخرى، أنبنت العملية الإرهابية على استعمال سلاح كلاشينكوف، ولم تبحث عن التنفيذ السريع ثم الهروب كما حدث سابقًا في حادثة شارلي إيبدو أو في حادثة الفحص، بقدر بحثها عن إيقاع أكبر عدد من الضحايا بشكل انتحاري.
توفر الأسلحة ليس أمرًا يسيرًا في تونس ويحتاج دعمًا لوجستيًا، كما أن حجم العملية وسياقها لا يجعلها عملاً فرديًا ارتجاليًا، إن المسارعة لوضع العملية الإرهابية في خانة الذئاب المنفردة قد يُراد به تغطية الفشل الاستخباراتي والخلل على مستوى المعالجة الأمنية أثناء اندلاعها.
نحن إزاء عملية إرهابية نموذجية ثقيلة الحصيلة، بيّنت حجم التقصير الأمني في تونس، ومسارعة داعش لتبني العملية وتنزيل صورة مرتكبها مستندًا لسلاحه دليل آخرعلى أنه وقع الإعداد لها وبشكل جيد، ومن المهم ألا يكون الركون للتصنيف الآلي “ذئاب منفردة” مدخلاً للتبرير باستعمال استحالة التعاطي مع عنصر المفاجأة وما لف لفه.