نشرت صُحُف تركية عدة في الأيام الماضية أخبارًا بشأن وجود مخططات للدخول العسكري إلى شمال سوريا، وهو ما أكده وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بالأمس، إذ صرّح بأن القرار النهائي بشأن أي عمل عسكري سيتم الإعلان عنه اليوم بعد اجتماع مجلس الأمن القومي بين الحكومة وقيادات الجيش، هذا وتتراوح احتمالات التدخل العسكري من إطلاق الصواريخ بعيدة المدى ضد داعش، وحتى الدخول برًا لتأمين الحدود التركية.
كانت صحيفة يني شفق المحسوبة على الحكومة قد نشرت بأن هناك مخطط متفق عليه بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو لإرسال حوالي 18 ألف جندي إلى شمال سوريا، وتشكيل حزام آمن بعُمق 35 كيلومتر وطول 110 كيلومتر، وهو المخطط الذي أفادت صحف عدة بأن رئيس الأركان لا يزال يجد في تطبيقه الكثير من المخاطر في هذه اللحظة.
طبقًا لمصادر لم تفصح عن نفسها، يرى رئيس الأركان نجدت أوزال أن قيود القانون الدولي والوضع الحالي للمجتمع الدولي لا يسمحان بالدخول بسهولة وتنفيذ المخطط الموضوع، وأن ردود الفعل التي قد يقوم بها نظام الأسد في سوريا لا تزال غير معروفة، وكذلك ردود حلفائه في موسكو وطهران، أضف لذلك أن موقف الولايات المتحدة ليس واضحًا من عملية كهذه لا سيما وأن الخلافات قد ازدادت مؤخرًا بينها وبين تركيا.
علاوة على ذلك، ترى القوات المسلحة أن تقديم الدعم المفتوح للجيش السوري الحر والمشاركة في عمليات القصف ضد داعش مجازفة، وأنها قد تقدم دعمًا لوجستيًا للجيش السوري الحر فقط بعد أن يبدأ البرلمان أعماله، ويكون موقفه واضحًا من الملف السوري ومن ماهية دور تركيا العسكري على الأرض، أما في هذه المرحلة، والتي لم تتشكل فيها حكومة بعد ولم يتم انتخاب رئيس للبرلمان، فإن الجيش لا يرى وجاهة للشروع في أي عمل عسكري، وستقتصر جهوده على تعزيز التدابير الأمنية على الحدود.
رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بين قيادات الجيش التركي
من جانبها، وبينما بدأت أنقرة في إرسال الإشارات غير المباشرة على احتمالية دخولها لسوريا وجاهزيتها لذلك، مثل تصريحات رئيس الوزراء بأن تركيا على استعداد لاتخاذ كافة الإجراءات إزاء الوضع في شمال سوريا، صرّح سفير إيران في أنقرة، علي رضا بيكدَلي، بأن أي خطوة عسكرية تخل بسيادة سوريا كدولة عضو بالأمم المتحدة ستقوّض تمامًا من قدرة تركيا على المساهمة في الوصول لتسوية للملف السوري، وتحقيق الأمن والاستقرار.
أيضًا، قال وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيغل في حوار له مع الصحيفة التركية حريّت، تعليقًا على الأحداث الأخيرة، أن هناك العديد من الخلافات بين أنقرة وواشنطن، ولكن هذا لا يمنع استمرارهما في تحالف واحد، كما أكد على مركزية القضاء على داعش كفصيل غير مسبوق في وحشيته على الأرض، في إشارة غير مباشرة إلى أولويات تركيا، والتي قيل أنها انصبت مؤخرًا على احتواء حزب الاتحاد الكردي أكثر من سواه، وتغاضت عن وجود داعش.
فيما يخص مواقف الأحزاب داخل تركيا من الملف السوري، تُعَد مواقف حزب الحركة القومية هي الأقرب للحكومة في هذا الصدد، لا سيما وأنها تحمل نفس الشكوك تجاه نوايا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يسيطر على مناطق عدة في شمال سوريا حاليًا، في حين يميل حزب الشعوب الديمقراطي بالطبع إلى نظيره السوري، وقد صرّح بأنه لا يصح للحكومة التركية أن تدعم جماعات مثل النصرة ضد داعش، وتترك حزب الاتحاد الكردي دون دعم، أما حزب الشعب الجمهوري، ومواقفه الأقرب لليسار التركي والمتعاطفة نوعًا ما مع نظام الأسد، فقد صرّح بأن كافة الأطراف في سوريا جزء من لعبة قذرة، وأنه يجب على أنقرة أن تنأى بنفسها عن الصراع السوري.
***
كانت تركيا على مدار الأسابيع الماضية، لا سيما بعد سقوط كوباني في أيدي الاتحاد الديمقراطي الكردي وتوسّع نفوذه وصولًا لتل أبيض، قد أعربت عن قلقها من سياسات حزب الاتحاد الكردي، بينما صرّح الرئيس التركي صراحة في أول هجوم مباشر له على الحزب بأنه يغيّر من الطبيعة الإثنية والديمغرافية بعد أن انتشرت أخبار بأنه يقوم بتهجير العرب السنة وتوطين الأكراد مكانهم في محاولة لإنشاء “حزام كردي” على الحدود التركية السورية، وهو ما صب الزيت على النار في الساحة السياسية التركية المشتعلة إثر صعود حزب الشعوب الكردي في الانتخابات الأخيرة.
من جانبه، كان حزب الاتحاد الكردي قد اتهم تركيا بالسماح لمقاتلي داعش بالعمل من أراضيها بعد أن هاجمت كوباني في الأيام الماضية، وقيل أنها دخلت من تركيا، وهي الاتهامات التي أنكرتها تركيا على لسان رئيسها ورئيس وزرائها ثم تراجع عنها حزب الاتحاد لاحقًا، حيث قال أنه لا يمكن التثبت من مواقع مقاتلي داعش، بيد أن الضغوط تتزايد على أنقرة نتيجة غض الطرف الذي تقوم به تجاه داعش، والذي يناسب مصالحها بطبيعة الحال نظرًا لارتكاز مخاوفها على تنامي النفوذ الكردي، وغياب أي بديل عربي سني على الأرض لداعش في هذه اللحظة، وتخلف المجموعات الثورية والجهادية التي تدعمها تركيا بالتنسيق مع السعودية عن نظام الأسد وداعش على الأرض بشكل لا يجعل الرهان عليها مضمونًا في هذه المرحلة.
تباعًا، قد يكون الفعل العسكري هو الحل الوحيد لتركيا لتعديل الموازين العسكرية على الأرض كما ارتأت القيادة السياسية التركية، بيد أن المجازفة بالدخول قد تكلف الجيش التركي الكثير في لحظة تشهد توترًا داخليًا وتراجعًا لأول مرة منذ أكثر من عقد لقوة العدالة والتنمية وهيمنته البرلمانية والسياسية، أضف لذلك أن الخلافات بين واشنطن وأنقرة تعني أن الجيش التركي لن يحظى بالدعم الأمريكي المطلوب كما جرت العادة في عمليات كتلك، مما يعني أن التحرك التركي سيكون معزولًا على المستوى الدولي بين معارضة الروس والإيرانيين والخلافات مع الأمريكيين، وهو ما دفع بالجيش لرفض المخطط المطروح، وربط أي دعم لوجستي للجيش السوري الحر بتشكيل حكومة ووجود توافق برلماني على سياسة واضحة تجاه سوريا.