ترجمة وتحرير نون يوست
عقد السعوديون والإسرائيليون سلسلة من الاجتماعات السرية غير الرسمية خلال العام الماضي، بغية وضع الخطط وإيجاد الإستراتيجيات لمواجهة النفوذ الإيراني، وأحد هذه الاجتماعات جرى في لكناو – الهند، وتم تنظيمه من قِبل مؤسسة فكرية بارزة في دلهي، في البداية، لم يكن المدعوون إلى هذه المناقشة، التي استغرقت نصف يوم، على علم بتكوين الوفود الضيفة، وكل ما كنا نعرفه، هو أن الزوار كانوا مهتمين بمعرفة المزيد عن الثقافة التوفيقية في المنطقة، ومن بين المدعوين من لكناو للمؤتمر أستاذة جامعيين، ممثلين عن رجال الدين البارزين، بعض رجال الأعمال، ووالدي وشقيقي وأنا، وبمجرد دخولنا إلى الاجتماع، اتضح لي بسرعة أن الوفد الضيف كان يضم لفيفًا من كبار المسؤولين العسكريين السابقين، حيث كان الوفد الإسرائيلي مكونًا من أعضاء مركز القدس للشؤون العامة (JCPA)، والوفد السعودي مكونًا من أعضاء مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية (MECSTS).
ترأس الوفد الإسرائيلي الدكتور دوري غولد، رئيس مركز القدس للشؤون العامة والسفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، والذي عُيّن مؤخرًا كمدير عام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وكان يرافقه عميد متقاعد من الجيش الإسرائيلي، وعقيد متقاعد من وكالة الاستخبارات، أما الوفد السعودي فقد ترأسه اللواء المتقاعد الدكتور أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية والمستشار السابق للأمير بندر بن سلطان، وكان يرافقه مستشار من المدينة المنورة، وطبيبان، أحدهما كان يتكلم اللغة الأردية والبنجابية بطلاقة، كونه أمضى وقتًا طويلًا في كل من الهند وباكستان.
الوفدان السعودي والإسرائيلي كانا يجلسان معًا على جانب واحد من الطاولة بمواجهة المشاركين الهنود، وحقيقة أن دوري غولد، مؤلف كتاب “مملكة الكراهية: كيف دعمت المملكة العربية السعودية الإرهاب العالمي الجديد”، كان يجلس بجوار اللواء السلفي السعودي، كانت واقعة تؤكد أن الجغرافيا السياسية والإستراتيجية غالبًا ما تكون أشد أهمية من الأيديولوجية، في تكوين خيارت الدول.
بعد الإجراءات الشكلية الأولية التي تجري في أي مؤتمر، اتضح بسرعة بأن الزوار لم يأتوا بغية معرفة المزيد عن التعددية التي تشتهر بها شبه القارة الهندية؛ ففي منتصف التعليق الذي كان يلقيه أخي، أمير خان، حول الكيفية التي قام بها العمال بالسخرة الهندوسيين والمسلمين في القرن 19 بنقل طقوس شهر محرم من الهند إلى ترينيداد، قاطعه أحد الأشخاص من الوفد السعودي قائلًا إن كل ما يذكره هو تاريخ، وليس له صلة بالموضوع، ولكن ما لم ينتظر الوفد السعودي ليسمعه، هو أنه حتى هذا اليوم يتم الاحتفال بعاشوراء من شهر محرم في ترينيداد بذكرى مقتل الحسين.
بدأ الدكتور غولد حديثه بالقول “لدينا مشكلة مع طهران”، ثم عمد إلى طرح ثلاثة أسئلة، جميعها تتعلق بإيران والزحف الإيراني بين الشيعة الهنود، ومع احتمال الوصول إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة في يونيو 2015، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الوفد كان في زيارة للهند، التماسًا لمعرفة المزيد عن الرأي العام حول إيران في الأوساط الشيعية الهندية، وربما لقياس ردود فعل الشيعة الهنود في حال حدثت مواجهة وجهًا لوجه مع إيران.
كان لوالدي مبادرة للإجابة على هذه التساؤلات، حيث تحدث مسلطًا الضوء على أن العلاقات بين إيران والهند ترجع إلى آلاف السنين، والعلاقات بين شيعة إيران وشيعة الهند تعود إلى قرون خلت، كون عائلة أوده الحاكمة تعود بجذورها إلى مدينة نيشابور الإيرانية، كما قدمت هذه العائلة دعمًا ماليًا لعدد من علماء الدين في كل من إيران وما يطلق عليها اسم العراق الآن، وأوضح أيضًا من خلال حديثه أن تفكك الإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى دعم البريطانيين ومن بعدهم الأمريكان للسعوديين، هما العاملان اللذان ساهما بشكل كبير في صعود الحركات المتطرفة في شبه الجزيرة العربية، والأهم من ذلك، نوقش ضمن الحديث الخلافات الداخلية بين الشيعة، وتم تسليط الضوء على حقيقة أن الشيعة الهنود هم فئة مستقلة سياسيًا على الرغم من علاقاتها الدينية والثقافية العميقة مع إيران والعراق.
كان جواب الوفد السعودي نابعًا من قلقه وعدم ثقته بإيران، وهو قلق مستمر منذ فترة طويلة، كما ثبت من خلال وثائق ويكيليكس المسربة حديثًا، حيث أجاب أحد أعضاء الوفد السعودي بأن جميع المشاكل الشيعية – السنية جاءت في أعقاب الثورة الإيرانية لعام 1979؛ فالواقع يشير إلى حقيقة أن الثورة الإيرانية رغم هيمنة الشيعة عليها، بيد أنها لاقت تأييدًا واسع النطاق بين السنة في جميع أنحاء العالم، وخاصة بين الأطراف السنية الذين يتبنون مبادئ الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولربما هذا هو سبب حضور الرئيس المصري الإخواني المخلوع محمد مرسي، بعد وقت قصير من انتخابه كرئيس للجمهورية، لاجتماع حركة عدم الانحياز في طهران في عام 2012، بناء على دعوة من حميد بغائي، نائب الرئيس الإيراني، وذلك على الرغم من حقيقة أن العلاقات المصرية – الإيرانية كانت غائبة منذ عشرات السنين.
ولكن الأكثر إثارة للاهتمام هو أن السعوديين والإسرائيليين ينظمون حملات دبلوماسية مشتركة، رغم أن الموقف الرسمي للسعودية لا يزال لا يقبل بحق وجود دولة إسرائيل، كما أن الأخيرة لا تأبه للعرض السعودي المتضمن توسطها في اتفاق سلام، يودي لخلق الدولة الفلسطينية.
في شبه القارة الهندية الصراع الشيعي – السني، فضلًا عن التعاون ما بين هاتين الطائفتين، سبقا الثورة الإيرانية لعام 1979 بوقت طويل؛ فالصراعات كانت بلا شك قائمة في القضايا المحلية، وكانت تتمحور حول السيطرة على الفضاء العام في البلاد، ولكن ماهو مثير للاهتمام حقًا، هو التعاون الذي حصل ما بين الطائفتين لمواجهة الأحداث التي جرت خارج الهند؛ فعلى سبيل المثال اندلعت احتجاجات سنية – شيعية مشتركة للتنديد بالقصف الروسي لمدينة مشهد الإيرانية في عام 1912، وبالمثل اندلعت احتجاجات مشابهة إبان تدمير أضرحة بقيع الغرقد في المدينة المنورة في عام 1925 من قِبل الملك ابن سعود، وأوضحتُ من خلال مداخلتي في المؤتمر، أن أحد المشاكل الرئيسية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم هي مشكلة التكفير، وهي العقيدة المركزية لبعض الفرقاء السنية مثل السلفيين والوهابيين، وبالمثل فإن التبرء، أي شتم بعض الصحابة وزوجات النبي من قِبل بعض الفرقاء الشيعية، يمثل مشكلة أيضًا.
ظاهريًا، القلق الذي تتقاسمه السعودية وإسرائيل إزاء إيران النووية، يتم تبريره بأن الأخيرة تمتلك طموحات توسعية إمبريالية، ولكن في الواقع، إيران، مثل أي دولة أخرى، تمتلك مجموعة من العاملين بالوكالة عنها في أراضي الدول الأخرى، وهذا على الأغلب ليس السبب الجوهري الذي يجعل إيران النووية تشكل تهديدًا وجوديًا يقلق السعوديين والإسرائيليين، كون الحقيقة الأكثر إرهابًا لهما هي فكرة أن إيران المتحررة من العقوبات، قد تصبح أسرع الاقتصادات نموًا في أسيا، مع مخزونها من الغاز الطبيعي والنفط والثروات المعدنية، المقترنين مع شبابها المتعلمين تعليمًا عاليًا، والاستقرار النسبي الذي ستحصل عليه إيران نتيجة لحيازتها للأسلحة النووية تبعًا لمبدأ الردع النووي، أما بالنسبة للهجة اللاذعة والهجومية التي يستعملها بعض الإيرانيين ضد إسرائيل، فهي ليست السبب الحقيقي للتخوف من إيران، خاصة وأن بعض رجال الدين السعوديين يدلون بتصريحات مماثلة من منابرهم، وفي الواقع، إن أكبر عدد تبقى من اليهود في الشرق الأوسط – باستثناء إسرائيل – يوجد في إيران.
في النهاية، شدد كلًا من الدكتور غولد والجنرال عشقي على الحاجة الملحة لإحباط طموحات إيران الإقليمية، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لأي دولة أن تقلق وتحاول الحفاظ أولًا وقبل كل شيء على مصالحها الإقليمية، ولكن مع ذلك، في منطقة تكتنفها وتعصف بها الأزمات، فإن الإستراتيجية الأفضل هي اللقاء والحوار ومناقشة الخلافات، بدلًا من التصرف كما لو أن الصراع هو أمر لا مفر منه، وكما ذكر اللواء عشقي والعميد شابيرا بحق في اجتماع لكناو، من الأكثر أهمية للمجتمعات في الوقت الراهن العمل سويًا ضمن محادثات تهدف إلى تحقيق السلام.
ومن هذا المنطلق، الهند تستطيع أن تلعب دور الوسيط في أغلب هذه المحادثات، لأنها تتمتع بعلاقات تجارية وثيقة مع إسرائيل، كما تجمعها علاقات مع إيران والمملكة العربية السعودية، رغم أن الأخيرة لها علاقات إستراتيجية أكثر عمقًا مع باكستان، وتاريخيًا، يُشهد للهند بأنها كانت قادرة على تجاوز الانقسامات المستعصية، كما أن الحقيقة المتمثلة بأن هناك الكثير من الهنود الذين يحوزون معرفة وثيقة ومصداقية كبيرة في أجزاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط، سيساعد الهند على لعب دورها الوسيط على أكمل وجه ضمن هذه المحادثات، إن جرت.
المصدر: هافينغتون بوست