رمضان الفرحة التي تتمثل لدى عموم المسلمين بأجوائه المميزة، حرم منها هذا العام العديد من المسلمين في العالم، وبرز الحرمان من هذه الفرحة في الوطن العربي لدى السوريين الذين يقضون عامهم الخامس على التوالي في ظل أزمات الموت التي تلاحقهم، وكذا اليمنين المهجرين خارج وداخل أراضيهم بسبب الصراع الدائر بين الحوثيين وعاصفة الحزم بقيادة السعودية، والمصريين الذين يقضي أكثر من 50 ألف منهم رمضان في المعتقلات وغيرهم آلاف يقضون الشهر مطاردين أمنيًا أو خارج بلادهم، وأسرهم التي تقضي الشهر ينقصها عدد من أفرادها، وفلسطين التي يقضي أبناؤها الشهر في ظل حملات أمنية للاحتلال عليهم ربما يكونوا قد تعودوا على مرور رمضان أثناء نكبتهم المستمرة، ولم يختلف الأمر في العراق كثيرًا فالمعارك على الأرض بين المليشيات الشيعية المدعومة حكوميًا وبين تنظيم الدولة تسيطر أجوائها على العراق بدلاً من رمضان.
جل هذه المشاهد في تلك البلدان ربما أنقصت من روح هذا الشهر الكريم ولكن أهلها لعلهم قادرين على أداء فريضة الصيام، فمعاناة مسلمي الإيجور في الصين تختلف عن كل تلك المآسي، فحتى فريضة الصيام لم يتمكن هؤلاء المسلمون من أدائها بسبب تنكيل السلطات الصينية بكل من يُضبط متلبسًا بصيام حتى أصبح جريمة يُعاقب فاعلها.
فمع منع السلطات الصينية المسلمين في مقاطعة، شنجيانج، الواقعة أقصى غربي البلاد، من الصيام وممارسة شعائرهم الدينية ومعاقبة من يخالف ذلك بالسجن أو التغريم، وإصدار الحزب الشيوعي الصيني بالتعاون مع الإدارة المحلية تعميمًا بمنع موظفي الخدمة المدنية والطلاب والمعلمين من الصيام، في حين قالت الحكومة الصينية على موقعها على الإنترنت أن مسؤولي سلامة الغذاء يطالبون مطاعم الأطعمة الحلال والواقعة بالقرب من الحدود مع كازاخستان بالبقاء مفتوحة خلال ساعات النهار في رمضان، بالإضافة إلى توجيه تعليمات للمحال والمطاعم التي يمتلكها المسلمون ببيع السجائر والخمور خلال رمضان أو مواجهة الإغلاق النهائي، يُجبر مسلمو الصين على قضاء الشهر في تنكيل مستمر وحرمان من صومه وأداء مناسكه.
المسلمون بالمقاطعة المعروفون باسم الإيجور وصفوا على لسان زعيمهم، ديلكسات راكسيت، الأزمة بأنها محاولة من الصين للسيطرة على العقيدة الإسلامية، وحذّر من كون التضييق سيدفع أبناء طائفة الإيجور، إلى مقاومة نفوذ الحكومة الصينية، وأشار راكسيت أن القضية مسيسية، ولفت زعيم الإيجور القول إلى استخراج الحكومة الصينية ضمانات من الآباء والأمهات بأن أطفالهم لن يصوموا في رمضان.
سبق شهر رمضان عدد من الأحداث التي أشعلت واستفزت مشاعر المسلمين بمقاطعة شينجيانج، فقبيل بدء الشهر بأيام أقام نحو 60 مزاعًا وراعيًا مهرجانًا للبيرة في قرية بمقاطعة “نيا في” أقصى جنوب مقاطعة “شينجيانج” التي تقطنها أغلبية مسلمة، عرض في المهرجان مشاهد لنساء يرقصن أمام مسرح وصف من الرجال وهم يحتسون أكبر قدر ممكن من البيرة في دقيقة واحدة، وكانت الحكومة الصينية قد خرجت لتعلن عن إقامة المهرجان؛ مما استفز مشاعر غالبية المسلمين في المقاطعة.
القمع المستمر للأقلية المسلمة بالصين مدعم بقرارات رسمية من الدولة منها إصدارالمجلس التشريعي للمقاطعة قرارًا يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة بالعاصمة المحلية أورومتشي، مطلع العام الجاري، وموافقة مجلس نواب الشعب عليه وتأكيده على أن القرار سيدخل حيز التنفيذ، تتزامن القرارات مع تزايد وتيرة العنف الممارس بحق مسلمي الإيجور، فتقوم السلطات الصينية باعتقال أصحاب الأصول الإيجورية بشكل دوري، ينتهي الاعتقال أحيانًا بالقتل، فلاقت هذا المصير امرأتان تنتميان لأصول إيجورية قتلتا بالرصاص في مارس الماضي أثناء محاولة رجال الأمن القبض عليهما في قرية تابعة لمدينة غوانغ جو.
الصراع بين الإيجور والسلطة بالمقاطعة ممتد، فبين السلطات التي تلقي باللوم على الإيجور بالوقوف وراء تفجيرات في مبانٍ حكومية وتجمعات مدنية وتبرر قمعها تحت مسمى محاربة “التطرف الديني”، ينفي سكان منطقة الإيجور تلك الاتهامات ويعانون ويلاتها ويعاقبون عليه بالتنكيل والتضييق المستمر عليهم مؤكدين أن التوصيف الأدق للأحداث هو “القمع الديني”.
زيادة التضييق الممارس من قِبل السلطات بالأرجح يعود إلى منطلق السياسات العامة للحزب الحاكم الذى يرى وجوب أن يبقى الدين والتعليم منفصلان لكي لا يخضع الطلاب للتأثيرات الدينية، لكن يبدو جليًا أن هذا المنطلق يطبق فقط على الديانة الإسلامية، فالأمر هذا لا يطبق على أبناء قومية “الهان” إحدى قوميات الصين الـ 56 التي تمثل نسبة 92% من الشعب الصيني، حيث يغلب على القومية الديانات الصينية والبوذية والطاوية مع أقلية مسيحة ومسلمة.
ليست تلك المرة الأولى التي تمنع فيها الحكومة الصينية المسلمين في المقاطعة من أداء الشعائر الدينية في شهر رمضان، فالحكومة الصينية منعت المسلمين من أداء فريضة الصيام خاصةً خلال شهر رمضان عقب انتفاضة كبيرة خرج بها مسلمو الإيجور في أبريل عام 1990 منددين بتزايد أعمال العنف وتزايد عمليات الاعتقال والقتل الممارسة بحقهم من قِبل السلطات الصينية.
مقاطعة شينجيانج الواقعة على الحدود مع منغوليا وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند، كانت تسمى تركسان الشرقية قبل الاحتلال الصيني لها منذ 66 عامًا، حيث كانت دولة مسلمة منذ دخولها الإسلام في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (86 هـ -705 م)، ولازالت تحوي بعض الآثار الإسلامية مثل مسجد عيد كاه، وضريح ملك مملكة هامي من قومية هوي، وبرج سوقونغ، يبلغ عدد المسلمين فيها نحو 9 مليون نسمة بحسب إحصاءات الصين الرسمية، فيما أشارت مصادر غير رسمية إلى أن عدد المسلمين بها يبلغ 25 مليون نسمة، وهم جزء من مسلمي الصين البالغ عددهم 100 مليون نسمة بحسب إحصاءات غير رسمية، بينما تؤكد الصين أن العدد 60 مليون فقط، وعلى أية حال فهو عدد ليس بالقليل.
حاولت الصين مرات عديدة احتلال تركستان الشرقية ذات الغالبية المسلمة المرتبطة لغتهم باللغة التركية، حيث احتلت الصين بقيادة العائلة الحاكمة الصينية، الماتشو، تركستان الشرقية في العام 1759، وسرعان ما استردها الأتراك، قبل استعانة العائلة الصينية الحاكمة ببريطانيا لإعادة احتلال الإقليم في العام 1876، وفي منتصف القرن العشرين عقب الحرب اليابانية الصينية أًنشأت جمهورية تركستان الشرقية كجمهورية إسلامية في شمال الصين لكنها لم تستمر طويلًا حتى أعاد الزعيم الصيني، ماوتسي تونج، فرض سيطرته على المنطقة في العام 1949، وأطلق عليها اسم شينجيانج والتي تعني الحدود الجديدة لتظل من وقتها مقاطعة تابعة للصين.
المحتل الصيني اعتمد سياسة التنكيل بمسلمي الإيجور، حيث قام بترحيل 240 ألف من مسلمات الإيجور عنوةً إلى المصانع في شرق الصين للعمل بالسخرة وإجبارهن على الزواج من غير المسلمين، كما شرع في توطين مئات الآلاف من الصينين من عرق الهان الذين سيطروا على كافة الوظائف الرئيسة والنشاط السياسي للإقليم حتى أصبحوا يسيطرون على غالبية المصانع والشركات ولا يقبلون توظيف غير أبناء عرقهم فيها، ما اضطر أبناء البلد الأصلي من الإيجور لامتهان مهن متدنية، كما منع المحتل الصيني أبناء الإيجور من التمثيل ولو بنسبة ضئيلة في الهيئات الحكومية وحرموا أيضًا من استخدام لغتهم في المدارس، واستمر في محاربة هويتهم من خلال إغلاق المساجد بحجة عدم وجود تراخيص ومنع الشباب دون 18 من الصلاة بالمساجد، كل هذا بالإضافة إلى مهاجمة مسلمي الإيجور من آن لآخر وقتل عدد منهم.
كان من بين تلك المجازر التي أًقيمت بحق مسلمي الإيجور مهاجمة عمال في مصنع للألعاب في مقطاعة كونجدوج الواقعة جنوب الصين بواسطة صيني الهان في يونيو من العام 2009، الحادث الذي أسفر عن قتل وجرح ما لا يقل عن 1000 من مسلمي الإيجور، وتلاها عدد من الأحداث الدامية التي يقوم بها الصينيون من عرق الهان دون مساءلة رسمية من الدولة التي كانت تساعد في سن القوانين التي تزيد من اضطهاد مسلمي الإيجور، وكان سكان المنطقة طالبوا مرارًا بالاستقلال عن الصين منذ عام 2009، وخرجوا في تظاهرات قوبلت بالقمع والكبت والقتل وأصيب فيها الآلاف، فيما ترفض الصين طلب الاستقلال لأهمية المنطقة إستراتيجيًا بالنسبة إليها، فهي بلد غنية بالثروات المعدنية من الذهب والزنك واليورانيوم وبها مخزون ضخم من البترول.
يعاني مسلمو الإيجور الاضطهاد بشتى أشكاله منذ أكثر من 66 عامًا، والأمر ليس بمستحدث في ظل صمت دولي على الجرائم الممارسة بحقهم من قِبل الحكومة الصينية رغم مطالبات عدة بتدخل أممي للوقوف على حجم المعاناة التي يعانيها هؤلاء، وكذا لا تحظي القضية بشهرة في الأوساط العربية والإسلامية ربما لقلة المعلومات أو المتابعات الآتية من هناك، لكن تظل حقوق مسلمي الإيجور تعاني من الإهدار على يد آلة القمع السلطوية الصينية، فأمر المنع من ممارسة الشعائر الدينية كالصيام هو أحد أبرز تجليات هذه المعاناة اليومية للسكان المسلمين في مقاطعة شينجيانج.