مركز جديد للدراسات الإستراتيجية مهتم بشكل رئيس بالشؤون الإسرائيلية، يقع بمكتب في وسط العاصمة الأردنية عمان، المكتب ذو واجهة زجاجية لا تحمل أي لافتة تشير إلى طبيعة عمل المركز وتخصصه في الشؤون الإسرائيلية؛ ذلك تقديرًا للموقف المتعارف عليه في الأردن إذا تعلق الأمر بأي شيء له صلة بـ”إسرائيل”.
شرائح واسعة من المجتمع الأردني تعود جذورها لأصول فلسطينية يعارضون أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل، حتى بعد مرور 21 عامًا من اتفاقية السلام بين البلدين، ومع ذلك فإن العلاقة بين الحكومتين قد نمت بقوة منذ ظهور “المسلحين الإسلاميين المتشددين”، والتي تزامنت مع انتفاضة الربيع العربي في 2011.
وقّعت إسرائيل والأردن مؤخرًا اتفاقيات تخص الغاز، والمياه وتحليتها، وصرح مسؤولون إسرائيليون أن التعاون الأمني بين البلدين في أحسن حالاته عن أي وقت مضى.
إسرائيل بحاجة للأردن كمنطقة أمنية عازلة لحدود إسرائيل الشرقية، وتضع إسرائيل أولوية لمساعدة المملكة، المساندة للغرب، في الحفاظ على استقرارها في مواجهة المسلحين المتشددين الذين يسيطرون على مساحات واسعة من سوريا والعراق.
يعاني الأردن من نقص حاد في المياه والطاقة، وتحتاج إسرائيل كمورد للطاقة ولمنع أي صدمات إضافية للاقتصاد الأردني الهش، وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل تدرس توظيف عمال أردنيين من قطاع السياحة المضطرب في الأردن لكي يعملوا في ميناء إيلات في البحر الأحمر.
وصرح إيمانويل نحشون، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية قائلًا، “إن العلاقة بين البلدين أصبحت أكثر قربًا، نحن نرى الأردن كشريك إستراتيجي لديه كل النية للتعاون والمساعدة”، ولكن تصريحات المسؤولين الأردنين أكثر حرصًا من ذلك، فقد صرح محمد المومني الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، “إن العلاقات الأردنية مع إسرائيل تخضع للمصالح الوطنية الأردنية، والحكومة لا تجبر أي أردني على التعامل مع إسرائيل، ولكن الذين يتعاملون مع إسرائيل لا يقومون بأي فعل ضد القانون”.
الكثير من الأردنيين يعارضون أي علاقات او روابط مع إسرائيل طالما تحتل الأراضي الفلسطينية، وقامت مجموعات معارضة في الأردن بعمل ائتلاف ضد صفقة الغاز الأخيرة تحت شعار “الغاز من العدو هو الاحتلال”.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر، بدأ المركز الإستراتيجي المختص في الشؤون الإسرائيلية عمله في هدوء، وقام بإطلاق موقع إلكتروني هذا العام، الموقع ناطق بالعربية ويقوم بنشر مقالات مترجمة للعربية عن إسرائيل، ورأي الإسرائيليين في العرب، ويقوم مركز عمّان أيضًا بإنتاج دراسات خاصة حول إسرائيل.
وصرح مدير المركز، عبدالله الصوالحة، أنهم يحاولون تقديم معلومات أكثر دقة عن إسرائيل لأن الأردنيين يعرفون القليل عن إسرائيل، أو تم نقل معلومات خاطئة لهم.
وقال الصوالحة “إن إسرائيل موجودة بالفعل في المنطقة، هذا أمر واقع، والكثير جدًا من الأردنيين مهتمون بالأمر ولكن لا يصرحون بذلك”، وقال صوالحة، وهو موظف سابق في مكتب المتحدث باسم الحكومة الأردنية، إن المركز الإستراتيجي الخاص به مستقل، لكنه امتنع عن الكشف عن مصادر التمويل.
وقال الصوالحة إنه يحاول أن يُظهر إسرائيل بطريقة واقعية على حد وصفه، ولا يخفي الصوالحة موقفه السياسي في تأييده لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 1967، ولكنه ينبذ “العنف” ضدها، وقال أيضًا، في تصريحات له مع بعض وسائل الإعلام الأردنية، إنه من غير المفيد الآن وضع لافتة على المركز أو الإشارة إلى موقعه بالتحديد نظرًا للمزاج العام في الأردن الآن، ولكنه أشار إلى أن المركز قد يحتل مكانه أعلى في الفترة القادمة، وطلب عدم الكشف عن أسماء 10 مترجمين للعبرية يعملون معه من دولة عربية أخرى لأنه ربما يواجهون بعض المشاكل.
شخصية مهمة أخرى بالمركز هو المترجم يحيى مطالقه، والذي يشرف على الترجمات من عمّان، وقد تعلم يحيى العبرية عن طريق الصدفة عندما قدم في جامعة بغداد على تعلم الألمانية وقامت إدارة الجامعة بالخطأ بتسجيله في اللغة العبرية، ورفض تغيير القسم بعد ذلك وأكمل دراسته به.
الصوالحة ومطالقه كلاهما قد زارا إسرائيل وعلى دراية بالمشاكل والانقسامات الاجتماعية الداخلية الإسرائيلية؛ مثل احتجاجات اليهود الإثيوبيين الأخيرة، والفجوة العميقة بين اليهود المتدينين واليهود العلمانيين، أبدى الاثنان انبهارهما بما أسموها “الديمقراطية القوية” التي تُمارس في دولة إسرائيل، ولكنهم أشاروا إلى أن الحرية لا تصل للفلسطينين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وقال الصوالحة، الذي لا يتحدث العبرية، إنه قد سمع من عرب إسرائيل شكاوي كثيرة من التمييز، ولكنه يرى أنهم في العموم يعيشون في ظروف جيدة.
أبدى النشطاء في الحركات المناهضة للتطبيع مع إسرائيل قلقهم وريبتهم من المركز ونشاطاته، قالت ثريا الريس، باحثة وناشطة في الحملة الوطنية الأردنية لمنع صفقة الغاز مع إسرائيل، إنها تعتقد أن الهدف من وجود المركز هو نشر صورة إيجابية عن إسرائيل في الأردن، كما تساءلت عن سبب عدم كشف المركز عن مصادر التمويل التي تموله، وأضافت ثريا أن حركة رفض صفقة الغاز تضم قطاعات كبيرة من النشطاء الأردنيين من اليساريين إلى الإسلاميين، ويقول النشطاء إن هذه الصفقة ستجعل الأردن يعتمد على إسرائيل، والأرباح والضرائب ستصب في الخزينة الإسرائيلية، التي تمول المستوطنات اليهودية والعمليات العسكرية ضد الفلسطينين.
وفي انعكاس للمزاج العام الأردني، فقد قام برلمان النواب برفض صفقة الغاز بأغلبية ساحقة في ديسمبر الماضي ولكنه تصويت غير ملزم، ويعد هذا الاتفاق، الذي سيأمن جزءًا كبيرًا من احتياجات الطاقة بالأردن، متوقفًا على القضايا التنظيمية بإسرائيل.
وكانت العلاقة بين الأردن وإسرائيل قد توترت في أواخر العام الماضي؛ إثر مشاحنات بين يهود ومسلمين على أحقية الصلاة في مزار في القدس تقوم الأردن بالوصاية عليه، وفي مؤشر على الأهمية التي توليها الحكومة الإسرائيلية لأهمية العلاقات مع الأردن فقد قامت إسرائيل بإعادة الهدوء سريعًا للموقف بعد أن استدعت الأردن سفيرها مؤقتًا.
وقال عوديد عيران، السفير الإسرائيلي السابق في الأردن، إنه يعتقد أن الكثير من الأردنيين الآن يقومون بإعادة تقييم علاقة بلادهم مع إسرائيل، ولكن السلام الحقيقي سيحدث إذا تم إحراز تقدم في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وفي غضون ذلك فإن مركز الدراسات يحقق دورًا هامًا في هذا الأمر، وصرح عيران قائلًا”“أنا معجب حقًا بشجاعة القائمين على المركز، لأنه ليس من السهل أن يقوم أشخاص في بلد عربي بالحديث بموضوعية عن إسرائيل”، على حد وصفه.
المصدر: هآرتس/ ترجمة: أردن الإخبارية