“إنها أول درخما في التاريخ”، هكذا أشار أحد الموجودين بمتحف العملات النقدية في أثينا وهو يقف بالقُرب من صندوق زجاجي يحتوي على عُملة نقدية قديمة طُبعَت عليها صورة الإلهة أثينا، وهي إلهة الحكمة والعدل والشجاعة والحضارة والفنون وغيرها في الميثولوجيا اليونانية القديمة، “للأسف اضطررنا لإغلاق هذا الجناح نظرًا لعدم توفّر موظفين”، كذا تحدث الرجل عن المتحف الذي يواجه صعوبات مثله مثل الآلاف من المؤسسات القابعة تحت معاناة الأزمة المالية الأوروبية منذ سنوات، والتي قد تُخرِج اليونان من اليورو، وتضطر الحكومة لإخراج الدرخما من صناديقها الزجاجية في المتاحف للعودة لعملة اليونان الخاصة القديمة.
“ليس لنا حديث آخر غير الأزمة المالية، الأمر أشبه بكابوس لا يمكننا الإفاقة منه، والكثير هنا لا يصدق كل ما يجري”، هكذا يقول إيفي العامل خلف الكاشير بأحد مقاهي العاصمة اليونانية، والتي يلحظ أي زائر مدى توتر الأجواء فيها جراء الأحداث الأخيرة، بدءًا من طوابير الخبز في الصباح الباكر، وحتى حركات الشباب الذي قد يغلق شارعًا بزجاجات المولوتوف وصنادق القمامة المشتعلة ليعلن عن وجوده وصوته ليس إلا، وبالطبع لا يمكننا أن ننسى الطوابير الطويلة على البنوك.
يوم الأحد الماضي، أعلنت الحكومة اليونانية إغلاق البنوك حتى السادس من يوليو، وهو الوقت الذي من المفترض أن تكون قد ظهرت فيه نتيجة الاستفتاء على برنامج التقشف الجديد الذي توصلت له قيادات أوروبا مع الحكومة برئاسة أليكسيس تسيبراس، إما بالموافقة والخضوع لأوروبا، أو الرفض وبدء صولة جديدة من المفاوضات أو ربما الخروج من اليورو، وحين تعود البنوك لعملها الطبيعي يوم الإثنين، فإن الحد الأقصى للمبالغ التي يتم سحبها يوميًا للفرد ستكون ستين يورو فقط، وذلك لمنع النزيف الذي شهدته أثينا منذ أسابيع بهروب حوالي مليار يورو من البنوك خوفًا من انهيار الاقتصاد وعدم التوصل لاتفاق آنذاك مع الثلاثي المكروه: صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية.
بالطبع، إذ ما خرج التصويت بالموافقة، فإن اليونان لن تقبل فقط حزمة التقشف الجديدة، ولكن ستكون نتائج الانتخابات الأخيرة فيها منذ ستة أشهر قد تم شطبها بشكل أو آخر، وهي التي خرج فيها حزب سيريزا المعادي للتقشف منتصرًا ومتعهدًا بألا يقبل ضغوطات برلين وبروكسل مجددًا، مما يعني سقوط سيريزا وحركة معاداة التقشف في اليونان، وتلقى الحراك اليساري المناهض للسياسات الألمانية في دول الجنوب الأوروبي لضربة قاصمة، أما إذا خرج منتصرًا برفض اليونانيين للاتفاق، فستكون تلك دفعة كبيرة للحركة ولسيريزا، حتى ولو أدت إلى خروج اليونان من اليورو.
النظام الأوروبي والديمقراطية اليونانية
في تعليقه على الأزمة اليونانية، كتب أستاذ الاقتصاد الأمريكي المعروف الحائز على جائزة نوبل جوزيف شتيغليتز أن الصراع في حقيقته يتعلق بالسلطة والديمقراطية، وليس الأموال أو الاقتصاد، وأن برنامج التقشف الذي تم تطبيقه في السابق أدى بالفعل إلى هبوط الناتج القومي اليوناني بـ25% وتفشي البطالة، وأن الثلاثي المسؤول عن هندسة التقشف يستخدم سلطانه ونفوذه في المنظومة الأوروبية والعالمية لإجبار الحكومة اليونانية على السير في طريق غير الذي انتُخِبَت من أجله، في تقويض واضح لإرادة الشعب اليوناني ومبادئ الديمقراطية.
“إنه لأمر عجيب أن يظل الثلاثي يضغط على أثينا لتحقق فائضًا في الميزانية يبلغ 3.5% من ناتجها القومي بحلول عام 2018 رُغم أن معظم الاقتصاديين حول العالم قد قالوا بأن هذا الهدف شديد القسوة، بل وسيؤدي إلى المزيد من الركود الاقتصادي واستمرار الأزمة الراهنة”، هكذا كتب شتيغليتز في صحيفة الجارديان بعد إعلان الحكومة اليونانية عن طرح الاتفاق الذي وصلت له الأسبوع الماضي لاستفتاء شعبي.
“لقد اختار اليونانيون حكومة تقف بوجه التقشف، ولو أن تلك الحكومة تفي بتعهداتها للناخبين لكانت قد رفضت الاتفاق المطروح في ليلة وضحاها، ولكنها الآن تفتح باب الديمقراطية مرة أخرى في هذا القرار تحديدًا ليختاروا هم بأنفسهم، وفي المقابل فإن الرغبة في ترسيخ الشرعية الديمقراطية تلك لا تجد لها صدى بين سياسيي السوق الأوروبية، وهو المشروع الذي لم يكن يومًا ديمقراطيًا منذ نشأته، ورفضه الشعب الوحيد، وهو الشعب السويدي، الذي استُفتي قبل دخوله ليحتفظ بعملته الخاصة”.
يواصل شتيغليتز قوله إن اليورو يمثل اليوم مجموعة من الشبكات المعقدة المتجسدة في مؤسسات راسخة أصبحت متناقضة مع الديمقراطية ومع البرلمانات الوطنية المنتخبة في كل بلد على حدة، لا سيما في بلدان الجنوب الأوروبي التي تعاني من الأزمة المالية ويميل ناخبوها الآن نحو اليسار، وهو حراك تمقته كل من برلين وبروكسل، وتبذل قصارى جهدها لتدحره بسلطانها السياسي والاقتصادي “اليوروقراطي” كما يسمى، والمتجسد في المؤسسات الأوروبية غير المنتخبة والمستترة تحت شعارات الوحدة الأوروبية الزائفة، ضاربة بعرض الحائط آمال الناخبين في تلك البلدان، وهو ما يفسر على الأرجح صعود المتطرفين يمينًا ويسارًا في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا بوجه هيلمان “الاتحاد السوفيتي” الجديد كما يسمى أحيانًا.
ليس شتيغليتز وحده بالطبع، فقد انضم له پول كروجمان الحائز على نوبل أيضًا والكاتب بصحيفة نيويورك تايمز، وقال إن الثلاثي ببساطة قدم لتسيبراس اتفاقًا يعرف جيدًا أنه لا يمكنه قبوله، وإن هذه الحركة كان الغرض منها عن عمد إزاحة الحكومة اليونانية بتضييق الخناق عليها في المفاوضات، وإما إجبارها على الموافقة وبالتالي خسارة قواعدها اليسارية، أو الرفض والظهور بمظهر الجانب المتطرف الذي يهدد بلاده بالخروج من اليورو، وهو أمر يجده كروجمان مزعجًا جدًا من جانب القيادة الأوروبية، وتقويضًا من جانبها للمثل الأوروبية التي تتضمن، كما يُفتَرَض، الديمقراطية.
سيريزا واليسار اليوناني
قد يبدو للبعض أنه ما من طريق لأثينا سوى الالتزام بسياسات اليورو، أو الاتجاه إلى مجال النفوذ الروسي كما بدا من زيارة تسيبراس الأخيرة لروسيا والتي أعلنت فيها الأخيرة عن قدرتها على دفع ديونها دفعة واحدة، ولكن الحقيقة على الأرض هي أن الروس لا يملكون القدرة على تسيير الاقتصاد اليوناني وعلاقاته المتشابكة بأوروبا ومؤسساتها، فكُل ما لدى بوتين هو المال الكاش إن جاز القول، في حين تملك بروكسل أدوات إدارة المؤسسات المالية، بيد أن اتفاقات التقشف المتعاقبة من بروكسل زادت الأوضاع سوءًا ليس إلا، وذهبت في أغلبها لضبط الأرقام المالية الخاصة بميزانية الحكومة اليونانية وديونها، لا لرفع الأزمة الاقتصادية على الأرض عن كاهل المواطن اليوناني.
بعيدًا عن بروكسل وموسكو، وبالسير على الأقدام في أثينا، يبدو لنا أن ثمة نموذج يوناني على الأرض قد تمخضت عنه الأزمة، ويستطيع أن يدفع باليونان قدمًا لحل أزمتها بطريقتها الخاصة، كما يقول الجغرافي أنطونيس فراديس من جامعة دورهام، والذي درس تأثير أزمة 2008 المالية وموجات الانتفاضة الشعبية في اليونان منذ ذلك الوقت، وكيف تشكلت تلك الشبكات الشبابية وأنشطتها منذئذ: “الشباب هنا يقوم منذ وقت طويل بتشكيل شبكات موازية، وهي شبكات لا يمكن أن تعلن إفلاسها، ولا تخضع رسميًا لسلطان صندوق النقد أو البنك المركزي في فرانكفورت، مثل العيادات التي ينظمونها بأنفسهم، والمراكز الاجتماعية التي تساعد كل من تضرر من الأزمة، وغيرها الكثير”.
هنا في قلب أثينا، يمكن أن نسير من ميدان إكسارخيا، الذي اعتلى فيه القناصة الشيوعيون أشهر مبانيه في انتفاضتهم الشهيرة ضد البريطانيين، وحتى ميدان سينتاغما الذي شهد انتفاضة الطلاب عام 1974 والصورة الشهيرة التي قاموا فيها بالوقوف بوجه دبابة، والحراك الشبابي منذ عام 2011، والخيم التي تم تدشينها لتقديم المساعدات لكبار السن والمهاجرين وأصحاب المعاشات بعد أن ازدادات أوضاعهم سوءًا، والتي رأي الكثير فيها ملامح فكرة جديدة، والتي يروى أن تسيبراس نظر لها آنذاك من مكتبه وقال إنها كفيلة بأن تجعله رئيسًا للوزراء، وهو ما حدث بالفعل.
على العكس من اليساريين التقليديين، والذين اعتبروا الدولة أفضل من السوق لتسيير الاقتصاد، تعود جذور سيريزا والأفكار التي يقوم عليها إلى المفكر اليوناني نيقوس بولانتزاس، والذي رأي أن الدولة الحديثة بنيويًا كيان رأسمالي، وهو ما دفعه لتطوير إستراتيجية خاصة لليسار اليوناني منذ السبعينيات؛ أولًا، عبر محاصرة الدولة بشبكات من الحركات الاجتماعية التي لا يتحكم فيها أي حزب، ولكن تصبح مع الوقت ذات شرعية ديمقراطية نتيجة تعبيرها عن الشارع بشكل مباشر، وثانيًا، عبر دخول مجموعة ممثلة عن تلك الحركات إلى الدولة لإصلاحها من الداخل لتتجاوب مع تلك الحركات.
على مدار الأشهر الماضية بدا بالفعل وأن الأزمة قد خلقت حتمية لجوء المجتمع لنفسه، وليس فقط بين الطبقات الشعبية والتي تُعَد دومًا أكثر ذاتية واستقلالًا عن الدولة، بل وحتى في أحياء الطبقات الوسطى مثل خالاندري، والتي يدير فيها المجلس المحلي العيادة الرئيسية عبر موظفيه في أولى الساعات الصباح، ثم يواصل عمله العادي عبر مجموعة من المتطوعين العاطلين من الأطباء والصيادلة والأخصائيين النفسيين، والذين يقومون بتصنيف وتوزيع الأدوية التي يتبرع بها بعض اليونانيين ليحصل عليها ذوي الحاجة.
الآلاف والآلاف من المبادرات الشبيهة قد انطلقت بطول اليونان وعرضها بدءًا من جمع أموال لذوي المعاشات وحتى توفير وجبات يومية للفقراء، تثبت أن الحديث عن الأفقية في مقابل الهرمية، والشبكات في مقابل المؤسسات، ليس مجرد أضغاث أحلام أو كلمات يكتبها اليساريون أو غيرهم على ورق، ولكنها أفكار قابلة للتطبيق وتخرج للنور بالفعل في وقت الأزمات، لكنها في نفس الوقت تثبت أن هذه الأفكار تعاني من فجوات كثيرة، لا سيما فيما يتعلق بالجوانب العديدة لتعقيد وتشابك المؤسسات المالية الحديثة، والتي لم يحسب لها ربما بولانتزاس حساب، وتُعَد اليوم العقبة الرئيسية أمام تسيبراس.
لعبة الشطرنج بين تسيبراس ومركل
منذ أعلن رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس عن إجراء استفتاء على برنامج التقشف الجديد المقترح، وهي الخطوة التي حاول بها وضع دول الاتحاد الأوروبي في صورة القوة المعارضة للديمقراطية، أعلنت دول أوروبا بدورها أن الاستفتاء سيكون بمثابة تصويت على البقاء في اليورو من عدمه، وهو ما يعني ببساطة الضغط على الناخبين اليونانيين ليصوتوا بنعم بدلًا من تحمل تبعات الخروج من السوق الأوروبية وحدهم والتي لا يريدها أغلبهم بالطبع رغم رفضهم للتقشف، وهو ما دفع الحكومة بالتبعية إلى العودة لطاولة التفاوض، وهي التي قالت على لسان تسيبراس إنها ستستقيل إذا صوت اليونانيون بنعم.
بعد هذا الأداء المهزوز في مسألة الاستفتاء، دخلت المستشارة الألمانية أنغلا مركل على الخط واستغلت ورقة الاستفتاء التي أخرجها تسيبراس مبكرًا، وقالت إنه لا تفاوض مع الحكومة اليونانية حتى ينتهي التصويت، مما يعني أنها تضع أثينا بين قبول برنامج التقشف الموضوع كما هو إذا خرج التصويت بنعم، مع استقالة تسيبراس كما وعد، أو الخروج من اليورو بالكلية، لتكون قد استخدمت بذكاء الخطوة التي اعتقد تسيبراس أنه قد حاصر أوروبا بها، ليجد نفسه هو محاصرًا، وهو ما دفع المحكمة الإدارية في اليونان مؤخرًا للإعلان عن احتمالية عدم اتفاق إجراء الاستفتاء مع الدستور، في محاولة من المنظومة اليونانية إحراق تلك الورقة بعد أن تعجل تسيبراس في إخراجها بقلة خبرته أمام دهاء المستشارة الألمانية.
الواجهة بالطبع هي اللعبة السياسية بين برلين وأثينا، ولكن الصراع الكامن هو صراع بين الرغبة في خلق وزن لإرادة شعوب الجنوب بوجه الرغبة الواضحة بجلاء لدى سياسيي ألمانيا والاتحاد الأوروبي بالقضاء على الحركات المعادية للتقشف باستخدام سلطان الاتحاد الأوروبي، مهما كانت التكلفة، ولتذهب الديمقراطية والشرعيات الانتخابية إلى الجحيم، والموقف الأخير الذي أبدته المستشارة الألمانية أنغلا مركل يوضح تمامًا رغبتها في إسقاط تسيبراس، حتى ولو سلمنا بأنه أخطأ بالفعل في تحركه الأخير.
“أثينا” و”اليوروقراط”
يقول إياسون، مواطن يوناني، إن دعوة تسيبراس لاستفتاء وإنهاء المفاوضات كان قرارًا متسرعًا، فهو لم يضع نفسه في موقف صعب فقط، بل وأحدث انقسامات واسعة بين معسكر اليونانيين الراغبين في البقاء في اليورو، والكثير منهم من الطبقات الوسطى التي تحبذ الانتماء الأوروبي وتخشى من عودة اليونان لعصور الديكتاتورية السابقة إذا ما خرجت من الاتحاد، لا سيما وأن الدولة حتى الآن تعج بالفساد وشبكات تحالفات المسؤولين ورجال الأعمال، ومعسكر رافضي التقشف مهما كان الثمن، والدخول في طريق شاق وطويل لإعادة بناء الاقتصاد اليوناني دون شروط من أحد.
على جانب المصوتين بنعم تضع الأغلبية ثقتها في اليوروقراط، والذين يعدونهم أقل سوءًا من احتمالية العودة للخلف على المستوى السياسي، والانزلاق لمدار النفوذ الروسي الذي قد يعزل اليونان اقتصاديًا، وهو ما يعتقدون أنه سيحدث إذا ما خرجت اليونان من اليورو، في حين تقبع على الناحية الأخرى معظم قواعد سيريزا، والتي ترى أن النموذج الجديد على الأرض، وحتمية استمرار الروابط بين اليونان وأوروبا، لن يعود باليونان للخلف، ولكن التحرر من قيود التقشف في نفس الوقت سيحرر “أثينا” ويفتح لها الباب لتضع نموذجها الخاص، وهم بذلك يضعون ثقتهم في أثينا وتاريخها الطويل.
“أنا قلقة طبعًا من أجل أسرتي، ولكنني لا أبالي، إننا غاضبون بشكل تجاوز كل الحدود، ويائسون لدرجة أننا لا نكترث بكل ما يدور في بروكسل، والأفضل هو أن تكون لنا كرامة، حتى ولو بدون أموال الاتحاد الأوروبي، فلنعاني إذن لبضعة أعوام، فالمعاناة جزء من أزمتنا، ولكن كرامتنا هي الشيء الذي لا يمكن أن نفرّط فيه أكثر من ذلك”، هكذا تقول إليانا، والتي تعمل كأمينة مكتبة، “ليس لدي الكثير من الأموال في البنوك لأتضرر من عدم القدرة على سحبها، ويمكنني أن أذهب في النهاية إلى أمي وحديقتها في سالونيك المليئة بالخضروات، وهناك يمكن لحياتنا أن تستمر”.
ببساطة إذن يعد بعض اليونانيين العدة للعودة للاقتصاد البدائي والتقليدي كبديل على الأقل في أساسيات الحياة اليومية، بدلًا من الاعتماد على السيولة النقدية الأوروبية، والتي تبقى البنوك على قيد الحياة، ولكنها تبقى اليونان أيضًا تحت رحمة دائنيها في العواصم الأوروبية الكبرى، وإن كانت الثورة على التقشف بمثابة قطع شريان الحياة الوحيد للدولة اليونانية، فهي في نفس الوقت قد تكون إيذانًا بالبحث عن دماء جديدة لإحياء الاقتصاد اليوناني دون قيود أو شروط من أحد.
المعركة مستمرة إذن بين أثينا واليوروقراط، وهي معركة تعني الكثير لمصير أوروبا، فهزيمة أثينا المسماة باسم إلهة العدل والحكمة والشجاعة والإلهام، يعني الكثير على كافة المستويات، وليس على المستوى الرمزي فقط، لا سيما أن اليونان هي أيضًا مهد الفكرة الديمقراطية، وهو ما يجعل الكثيرين هنا على يقين تام بقدرة “أثينا” على الوقوف بوجه اليوروقراط، والإيمان بأنها لن تسقط حتى لو خرجت من اليورو، وأنها تستطيع أن تخلق نموذجها الخاص.
من ناحيته، لا يقتصر الإيمان في “أثينا” على البسطاء واليساريين، ولكنه وصل إلى أنصارها في الخارج مثل شتيغليتز الذي يضع ثقته الكاملة في اليونان وقدرتها على إيجاد ذاتها خارج اليورو، ولا يخشى كما يخشى الكثيرون من إحياء الدرخما، “إن التصويت بلا سيفتح الباب أمام اليونان بتقاليدها الديمقراطية العريقة لتمسك بزمام أمورها بنفسها، وليتمكن اليونانيون من رسم مستقبل ربما يكون أقل ثراءً من الماضي، ولكنه سيكون أكثر أملًا وتفاؤلًا من الحاضر الذي يخضعون فيه للضغط المفرط والجائر”.
هل يخيّب أهل أثينا ظنه بالرضوخ للتقشف في استفتاء الأحد؟ أم يرجحون كفة المضي قدمًا في طريق حر، ولكن طويل وشاق، وربما بعملتهم الخاصة؟