عقب اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات عبر تفجير استهدف موكبه بالأمس حدثت حالة من البلبلة في المشهد المصري، فبين المعسكر الرافض للانقلاب في مصر الذي اتهم البعض منه أجهزة سيادية في الدولة بتدبير حادثة الاغتيال لإلصاق التهمة بالمعارضين للسلطة لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، وآخرين لم يخفوا فرحتهم باغتيال الرجل الذي أصدر قرارًا لتقنين فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة الذي نتج عنه مقتل قرابة 2000 من المعتصمين، معتبرينه المسؤول الأول عن شرعنة احتجاز و تعذيب أكثر من 40 ألف معتقل من المعارضين.
على الجانب الآخر في معسكر الدولة الذي سرعان ما كشف عن المنفذين للحادث ومن يقف خلفهم دون مرور 24 ساعة على الحادث ودون إجراء أي تحقيقات قضائية، النظام سرعان ما اتخذ موقفًا رسميًا عن طرق الهيئة العامة للاستعلامات التي قامت بتوزيع منشورات على السفارات المصرية بالخارج والسفارات الأجنبية في مصر ووكالات الأنباء على مستوى العالم تتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف هذا الحادث.
بل إن رئيس الدولة الجنرال عبدالفاح السيسي مقتنع بأن الرئيس السابق محمد مرسي أعطى إشارة من داخل محبسه لتصفية النائب العام بالرغم من كونه ممنوعًا من الزيارة ويقبع داخل حبسه الانفرادي، وهو الأمر الذي أشار إليه أثناء حديثه في تشييع الجنازة العسكرية التي أقيمت اليوم لبركات، الأمر لا يخلُ من الاستغلال السياسي الفج للحدث دون ظهور أي نتائج أولية للتحقيقات حتى ازداد المعسكر الرافض للانقلاب من الإسلاميين يقينًا أن الأمر لا يبتعد كثيرًا عن أجواء المؤامرة لتنفيذ مزيد من أحكام الإعدامات ضدهم ولتبرير مزيدًا من حملات القمع والتنكيل.
إذا كان هذا الموقف الرسمي الصادر عن رئيس الجمهورية فموقف الإعلام المصري الذي هو انعكاس لما تراه السلطة ليس إلا، فقد أشعل إعلاميو النظام طاحونة التحريض ضد المعارضين للسلطة بشكل عام وخاصةً الإسلاميين منهم، داعين إلى تصفيتهم داخل السجون دون محاكمات، بالإضافة للمزيد من ترديد كلمة “الإرهاب” وبالتأكيد لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
الأمر لن يمر دون ذكر ثورة يناير ووصفها بـ”النكسة” كما يروق للإعلام المصري أن يردد في هذه العهد الجديد، ولا مانع من الزج باسم شباب الثورة وبعض الحركات الشبابية التي ساندت ثورة يناير وتحمليها مآلات الأمور الحالية في البلاد، في مواقف مناقض تمامًا لما كان عليه هذا الإعلام وموقفه من هؤلاء الذي كان يحفد إليهم لاستضافتهم في عهد سابق، ما يعكس حالة التلون التي أصابت المنظومة الإعلامية المصرية برمتها.
الأمر الذي وجده عبدالمجيد محمود النائب العام الأسبق المعين من قبل المخلوع مبارك فرصة مواتية للخروج على الإعلام مطالبًا الرئيس عبدالفتاح السيسي، بفرض حالة الطوارئ أو أي إجراءات استثنائية للقضاء على ما يسميه “التطرف”، كما يرى عبدالمجيد محمود أن هذا التطرف ينمو في المجتمع المصري بسبب ما أسماه “ستار الحفاظ على حقوق الإنسان”، ودعا عبد المجيد محمود إلى سرعة تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة في حق قيادات “الإخوان” وعناصر المعارضة بعد حادث اغتيال النائب العام لردع هذه الاغتيالات من وجهة نظره.
عبدالمجيد محمود الذي يعد رجل قانون فيما يبدو محسوب على المنظومة القضائية المصرية لا يجد حرجًا في المطالبة بإعدام مجموعة من المواطنين دون استنفاد درجات التقاضي، حيث يرى أن الحل لمواجهة الإرهاب في مصر هو مزيد من القتل لخصومه.
لم يكن عبدالمجيد محمود وحده من داخل منظومة القضاء المصرية الذي يخرج ويعلق على الأمر مطالبًا بمزيد من الدموية ضد جماعة الإخوان المسلمين وأفرادها في السجون، بل إن الطامة الكبرى خروج القاضي ناجي شحاتة الذي يُحاكم العديد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في عدة قضايا وأصدر بحقهم أحكام إعدامات بالجملة، متهمًا الجماعة بالوقوف وراء مقتل بركات، وواصفًا العملية بـ”الإرهابية”، فكيف يحمل القاضي اتهمًا كهذا لمعتقلين دون أن تخرج أي تحقيقات رسمية حتى الآن؟، وكيف سيستمر في النظر بقضاياه وهو يحمل صفتي الخصم والحكم في نفس الوقت؟
طالب القاضي ناجي شحاتة والنائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود بتغيير القوانين وتسريع عملية تطبيق أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وجعل تلك الأحكام تحت بند أحكام طوارئ جنايات أمن الدولة لتسريع تنفيذ الأحكام، وهذا الأمر إشارة وتأكيدًا لرغبة نظام السيسي في ذلك وانعكاسًا له، حيث أكد السيسي هو الآخر على نفس الأمر بقوله: “إن يد العدالة مغلولة بالقوانين، وإن هناك حاجة الآن -أكثر من أي وقت مضى- إلى محاكم وقوانين تحارب الإرهاب”.
كما أكد السيسي على ضرورة تعديل القوانين هذه التي ستجعل تنفيذ الأحكام أسرع من الوقت الحالي، مضيفًا أنه “خلال أيام سيتم تعديل القوانين والإجراءات القضائية التي تواكب هذه الظروف”، فالسيسي والسلطة القضائية في النظام باتوا في جانب واحد ضد المعارضين، وأصبح لديهم يقين أن إجراءات التقاضي العادية لن تؤدي إلى الانتقام المطلوب.
فوزير العدل الحالي القاضي أحمد الزند المعروف بعدائه الشديد للإسلاميين طوال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي يرى أن الكرة في ملعبهم الآن للأخذ بثأر هشام بركات، فالقانون في مصر تحول إلى أداة قتل للأخذ بالثأر لا لتحقيق العدالة في وجهة نظر وزير “العدل” المصري، فالأنباء تؤكد أن الرجل سيحيل مجموعة من التعديلات إلى مجلس الوزراء تخدم هدف الثأر الذي يتحدث عنه.
أبرز تلك التعديلات المتوقعة في القوانين المتعلقة بالمحاكمات الجارية الآن هي أن المصادقة على أحكام قضايا أمن الدولة ستتم من رئيس الجمهورية دون نقض وسيشمل ذلك أحكام الإعدام، بحيث سيكون النقض على الأحكام الجنائية درجة واحدة فقط لا غير، كما سيتم التعديل بحيث يكون سماع شهود النفي بالنسبة للقاضي الذي ينظر في القضية هو أمر اختياري، أي أن فرصة نفي المتهم للتهمة باتت شبه منعدمة، كل ذلك سيكون تصديقًا لتصريح السيسي الذي أطلقه اليوم أن أحكام الأعدام والمؤبد ستنفذ بـ”القانون”.
تأتي تلك التصريحات والتعديلات المتوقعة في ظل صدور أحكام بالإعدام بحق العشرات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، من محاكم أول درجة، وينتظر أن تتم إجراءات الطعن عليها أمام محكمة النقض، مما يطيل من أمد المحاكمات التي ستقوم بالفصل فيها إما بقبول الطعن وإعادتها لدائرة جنايات جديدة لنظرها، أو بتأييد الأحكام الصادرة، ومما يُلاحظ أن النظام قد أخذ قرارًا بتصفية هؤلاء القيادات المحكوم عليهم بالإعدام بعد الحديث عن مثل هذه التعديلات.
فعبد الفتاح السيسي هو الشخص الوحيد القادر علي تعديل القوانين والتشريعات منفردًا في الدولة بدون الخضوع لأي نوع من أنواع الرقابة التشريعية بسبب عدم وجود برلمان منتخب الذي قالت عنه بعض القوى السياسية في الداخل والتي قرررت أن تشارك في الانتخايات أن ثمة تأخير متعمد لهذه الانتخابات لضمان بقاء السلطة التشريعية في يد النظام.
هذه الأجواء التي وصفها البعض بالجنونية حيث يُرفع الآن شعار “اقتل يا سيسي” ربما بالفعل هي تمهيد لتنفيذ أحكام الأعدام في مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين ربما يكون في مقدمتهم الرئيس السابق محمد مرسي لإنهاء مرحلة الشرعية والشرعية المقابلة لها بعد إخفاء مرسي من المشهد تمامًا، وقد يكون حادث اغتيال النائب العام هو الأمثل في استثماره للتعجيل بالخلاص من أحد أكبر معضلات السيسي وهي الرئيس السابق محمد مرسي.
هناك القليل من معسكر النظام يرى أن اتساع دائرة الدم لن تكون في صالح النظام بأي حال من الأحوال وأن عمليات العنف ستزداد وتيرتها إذا أصر النظام على الولوج في هذه المعادلة التي يدفعه إليها الجناح المتطرف بداخله وهي مرحلة تصفية الإسلاميين داخل السجون وخارجها، وهو الأمر الذي فطتنه منظمة العفو الدولية التي قالت في بيان لها أنها ” تحث السلطات بعدم الرد علي حادث مقتل النائب العام بمزيد من القمع يستهدف المتظاهرين السلميين و النشطاء, وقد عبرت عن قلقها عن الأعداد المحتجزة حاليًا ضمن موجة القمع على المعارضة”.
فالجميع يدرك أن هناك حالة من الاستثمار من جانب النظام المصري لإحداث مزيد من الخنق للمجال العام المصري تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، ناهيك عن استغلاله في دخول مرحلة جديدة من التصفية لخصومه من الإخوان المسلمين، بيد أن هذا القمع يراه البعض سيطال كافة الأنشطة السياسية المعارضة للنظام في البلاد وليس الإخوان المسلمين فحسب، عبر مزيد من التشريعات التي تخدم النظام في إحكام قبضته الأمنية دون أي رقابة أو محاسبة.