استطاع الفيزيائيون أن يصلوا بالجزيئات إلى ما فوق الصفر المطلق بجزء ضئيل لأول مرة في التاريخ، بدرجة برودة تخطت البرودة التي تلت الانفجار الكبير عند بداية نشوء الكون.
وقد قال العلماء إن هذه الجزيئات التي تُعد ذرتين أو أكثر متصلة مع بعضها كيميائيًا قد وصلت إلى برودة غير مسبوقة، وأن هذا الإنجاز سوف يكشف لنا الفيزياء الغريبة التي كان العلماء يعتقدون بحدوثها في درجات البرودة المطلقة.
ففي درجات الحرارة العادية اليومية، يكون للذرات والجزيئات أزيز دائم حولنا بسرعات فائقة، تصل لدرجة اصطدامها ببعضها البعض، لكن الفيزياء تصبح غريبة ومختلفة عندما تصل المادة إلى برودة متطرفة، فقد فكر الفيزيائيون أن هذه الجزيئات سوف تتوقف عن التصرف بشكل فردي، وتتصرف ككتلة واحدة، وحينئذ سيقود هذا لظهور أشكال وقوانين للمادة لم يرها أحد من قبل.
ولاستكشاف السيناريو الذي سيحدث في هذا الوضع، فقد قام فريق في جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا بقيادة الفيزيائي مارتين زويرلين بتبريد غاز صوديوم البوتاسيوم باستخدام الليزر، كي يبددوا طاقة جزيئات الغاز المفردة، وقد كانت كثافة الغاز في تجربتهم صغيرة جدًا لدرجة أنها قاربت الفراغ، ثم قاموا بتبريدها أكثر لدرجة حرارة وصلت إلى 500 نانوكيلفين، والتي تساوي 500 بليون من الدرجة فوق الصفر المطلق، أو ما يساوي سالب 459.67 درجة فهرنهايت، أو سالب 273.15 سليزيوس، وهي الحرارة التي تُعد أبرد من درجة حرارة فضاء ما بين النجوم بمليون مرة!
وقد وجدوا أن الجزيئات كانت مستقرة إلى حد ما، كما أنها لم تبدِ تفاعلًا أو صدامًا مع الجزيئات المحيطة بها، ووجدوا أن الجزيئات أظهرت أيضًا لحظات ثنائية القطب قوية، وهي التي يحدث فيها توزيع للشحنة الكهربية في الجزئ الذي يتحكم بتقارب أو تنافر الجزيئات.
في العادة لا يجتمع الصوديوم والبوتاسيوم لتكوين مركبات، لأن الاثنين لهما شحنة موجبة، ما يحكم عليهما بالتنافر والتجاذب مع جزيئات سالبة مثل الكلور لتصنع مركبًا مستقرًا، لكن الفريق تحايل على هذه القاعدة عندما استخدم التبخير ثم الليزر لتبريد الذرات المفردة، ثم استخدام مجال مغناطيسي لإلصاقهما معًا كي يكونا الجزئ الذي لم يكن ليوجد في الظروف الطبيعية، وهو صوديوم البوتاسيوم.
بعد ذلك قاموا باستخدام نظام ليزر آخر لتبريد جزئ صوديوم البوتاسيوم، فجعلوا الليزر الأول مضبوطًا على تردد يتماشى مع حالة الاهتزاز الأولية للجزئ، أما الليزر الثاني فتم ضبطه على أقل حالة اهتزاز يمكن أن يصل إليها الجزئ، فقام الجزئ بامتصاص الطاقة الأقل من الليزر وبث الطاقة لليزر الأعلى ترددًا، فكانت النتيجة الوصول إلى حالة من أدنى الطاقة الممكنة وأبرد الحرارة الممكنة.
مع ذلك، فإن الجزئ لم يصل إلى حالة الاستقرار التي نجدها في المواد الكيميائية حولنا، فقد استمر عمره لـ2.5 ثانية فقط قبل أن ينكسر، لكنه بالنسبة للعلم وقت طويل جدًا بسبب وضعها المتطرف.
ويأمل العلماء أن تكون هذه خطوة لتبريد الجزيئات أسرع، ورؤية التغييرات التي ستحدثها على ميكانيكا الكم، والتي رآها العلماء في المواد المكونة من ذرة واحدة مثل الهيليوم، بينما عجزوا عن ذلك في الجزيئات المعقدة لأنها تدور وتهتز، فعلى سبيل المثال، فإن الهيليوم فائق البرودة يصبح سائلًا معدوم اللزوجة، أي سائل فائق السيولة، لكن ما الذي سيحدث للجزئ؟ ربما سيكون مادة غريبة تمامًا.