جزاء كارليتو
أسالت قضية إقالة الإيطالي كارلو أنشيلوتي من تدريب نادي ريـال مدريد الإسباني الكثير من الحبر في الصحافة العالمية، نظرًا لما كان يتمتع به الإيطالي من سمعةٍ عطرةٍ بناها عبر تاريخه التدريبي الحافل، الذي دوّن آخر سطوره مع النادي الملكي نفسه قبل موسمٍ واحدٍ فقط، حين قاده إلى استعادة أمجاده الأوروبية عبر الفوز بلقب دوري الأبطال بعد غياب دام 12 عامًا، إضافةً إلى لقب كأس ملك إسبانيا، ولكن يبدو أن إنجازات موسمه الأول لم تشفع له أمام الكبرياء الملكي، فتمت معاقبته على موسمٍ لم يكن بالسيء في معيار أي نادٍ كبير، ولكنه كان مخيبًا بالنسبة إلى سقف الطموحات العالي الذي اعتاد عليه أنصار نادي القرن والقائمون عليه، ذلك السقف الذي أخفق في تجاوزه 12 مدربًا تعاقبوا على تدريب الميرينغي منذ رحيل طيب الذكر فيسنتي ديل بوسكي نهاية موسم 2002-2003، فلم يتمكن أغلبهم من الصمود داخل الجدران الملكية لأكثر من موسمٍ واحد، رغم تحقيق بعضهم لإنجازات معقولة كلقب الدوري الإسباني الذي أحرزه كل من فابيو كابيلو وبيرند شوستر في موسمهما الوحيد، فيما نجح – السبيشل ون – جوزيه مورينو في تمديد فترة إقامته عامين إضافيين بعد تحقيقه لقبي الكأس والدوري الإسبانيين في موسميه الأولين، قبل أن يأتي دور كارليتو الذي فشل في موسمه الثاني في تكرار نجاحات موسمه الأول، فكانت الإقالة جزاءً له ومصيرًا.
أهلًا رافا
لم يكن اختيار خليفة أنشيلوتي صعبًا على رئيس النادي فلورنتينو بيريز، فالأسماء التدريبية الكبيرة المتاحة في السوق محدودةٌ نسبيًا، وأفضلها – بلا ريب – كان: رافا بينيتيز، فهو بالملاعب الإسبانية والأوروبية خبير عارف، وله في ميادينها صولات وجولات وإنجازات، كما أنه عن قلعة الميرينغي ليس بغريب، فهو ابن النادي والمدينة، فقد ولد في مدريد عام 1960، وداعب أول كرة في مسيرته كلاعبٍ مع شبان ريـال مدريد (كاستيا)، ثم انتقل للعب في بعض الأندية المغمورة، قبل أن ينهي مسيرته المتواضعة كلاعب وهو في سن الـ26 كي يتفرغ لدراسة التدريب.
وحط رحاله مرة أخرى في الكاستيا عام 1993 ولكن كمدرب هذه المرة، حيث قضى في الربوع الملكية عامين، تابع بعدهما رحلة تحصيل خبراته التدريبية، فدرب بعض الأندية الإسبانية المغمورة كريـال فايادوليد وأوساسونا وإكسترامادورا وريـال تنريفي، قبل أن ينتقل لتدريب نادي فالنسيا ابتداءً من موسم 2001-2002، فينجح في قيادتهم إلى إحراز لقب الدوري الإسباني مرتين خلال ثلاثة مواسم، فضلًا عن لقب كأس الاتحاد الأوروبي عام 2004، مما أثار إعجاب مسؤولي نادي ليفربول العريق، الذين رأوا في رافا الرجل المناسب لاستعادة أمجاد النادي الغابرة، فكان عند حسن ظنّهم ونجح في أول مواسمه في قيادة (الريدز) إلى تحقيق الإنجاز الأوروبي المنتظر، بالفوز بلقب دوري أبطال أوروبا على حساب ميلان الإيطالي بعد معجزة نهائي إسطنبول عام 2005، وقضى في قلعة الأنفيلد خمسة مواسم أخرى قادهم فيها إلى الفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي، فضلًا عن تأهله إلى نهائي دوري الأبطال مرة أخرى عام 2007.
وفي 2010 اتجه بينيتيز إلى ميلانو الإيطالية لتدريب ناديها الإنتر، ولكنه لم يصمد طويلًا هناك بسبب المشاكل الإدارية، رغم نجاحه بإحراز لقبي كأس السوبر الإيطالي وكأس العالم للأندية في موسمه المبتور معهم، وتكرر الأمر ذاته معه في تشلسي، إذ لم يستمر معهم أكثر من أشهرٍ معدودة، نجح خلالها في قيادتهم لإحراز لقب الدوري الأوروبي عام 2013.
محطة رافا التدريبية الأخيرة قبل القدوم إلى الميرينغي كانت إيطالية مع نادي نابولي، حيث قضى موسمين خرج فيهما بلقبي الكأس والسوبر الإيطاليين.
المهمّة الشاقّة
يعلم رافا أن المهمة التي اضطلع بها تختلف عن كل ما سبقها خلال مسيرته التدريبية، فتعامله هنا سيكون مع نجوم وإدارة وجماهير من الطراز الملكي، شعارها الأوحد: (نحن قومٌ لا توسّط بيننا … لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ)، و”قبر” الإقالة سيكون مصيره المحتوم عند أيّ فشل ولو كان جزئيًا، وعليه – إن أراد تحت الأضواء الملكية استمرارًا – أن يستفيد من تجربة من سبقوه، فلا يكون لينًا – كما كان أنشيلوتي – فيُعصر، ولا صلبًا – كما كان مورينو – فيُكسر، وهو بما عُرف عنه من دهاءٍ قادر على أن يبتغي بين ذلك سبيلًا، كما أن الصحافة لا ترحم، وستكون له بالمرصاد عند أية عثرة أو حتى هفوة، وعليه أن يتوخّى جانب الحذر حتى في أدق تفاصيل حواراته ومؤتمراته، وإلا وقع فريسةً سهلةً لأقلام صحفيي الماركا والآس اللاذعة.
كما تنتظر رافا تركةٌ ثقيلةٌ من المسائل والمعضلات التي تتعلق بلاعبي الميرينغي، الذين يعيشون حالةً من الانفلات والتمرّد بدأت في عهد كارليتو وتصاعدت بعد رحيله، فنجم الفريق الأول كريستيانو رونالدو يبدو في حالة امتعاضٍ شبه دائمةٍ نتيجة شعوره بعدم التقدير، وهو نفس الشعور الذي يعتري قلبي دفاع الفريق سيرخيو راموس وبيبي الذين وصل الأمر بهما إلى التهديد بترك النادي، أما حارس الفريق وقائده إيكر كاسياس فيعيش حالة من الحيرة والضياع بين مطرقة البقاء المخزي وسندان الرحيل المرّ، وبدوره لا يبدو أغلى لاعبي الفريق غاريث بيل في حالةٍ معنويةٍ مثلى مع إحساسه بالعزلة بين رفاقه، كما يشتكي عددٌ من اللاعبين الشّبان كإياراميندي وخيسي وناتشو من الشعور بالتهميش نتيجة قلة مشاركاتهم في الموسم الماضي، كل هذه المشاكل وغيرها تبدو ماثلةً أمام المدرب الملكي الجديد بانتظار عصاه السحرية لحلها.
العصا السحرية
يُعرف عن رافائيل بينيتيز من خلال مسيرته التدريبية عدة نقاط، أهمها ديبلوماسيته ولباقته في التعامل مع من حوله، وخاصةً مع النجوم، فلم يسبق له أن دخل في خلافٍ مع أيّ من نجوم الفرق التي دربها، وهذه الخصلة تعني قدرته على استيعاب الشحنات السلبية التي تعتري بعض نجوم الفريق، وتحويلها إلى طاقاتٍ إيجابيةٍ تنفجر في الملعب.
ويُعرف عن المدرب الإسباني أيضًا تطبيقه مبدأ المداورة بين اللاعبين، وهذه النقطة بالذات كفيلةٌ بحلّ عدّة مشاكل، فاللاعبون البدلاء سيتوقف تذمرهم مع اضطلاعهم بأدوارٍ أكثر أهميةً في الفريق مع رافا، كما سيوفر هذا المبدأ طاقات اللاعبين الأساسيين الذين كانت إصاباتهم الناتجة عن إرهاقهم سببًا رئيسيًا في إخفاقات الموسم الماضي.
أما ما تبقى من معضلاتٍ فسيتكفل سوق الانتقالات بحلّها، فرحيل كاسياس وقدوم دي خيا أصبح وشيكًا، والمفاوضات مع لاعبي قلوب دفاع من المستوى العالمي جاريةٌ على قدمٍ وساق، لتعويض راموس أو بيبي في حال تمسكهما بالرحيل، كما أن قدوم البرازيليين كاسيميرو ودانييلو من بورتو أعطى المدرب خيارات إضافية لتدعيم خطوط الفريق الخلفية.
وأخيرًا، يدور التساؤل حول خطة اللعب التي يفضل رافا انتهاجها مع فريقه الجديد، فيجيب هو بنفسه عن ذلك في أحدث مؤتمراته الصحفية، ملخّصًا -بكلماتٍ واضحةٍ – مرونته التكتيكية التي اشتهر بها على مدى مسيرته التدريبيّة، فيقول: “لاعبو الفريق هم من يحددون طريقة اللعب، ولدينا العديد من اللاعبين ذوي النزعة الهجومية، لذلك ستكون طريقتنا هجومية، كما أن الأمر لا يتوقف على خطّة معينة، فالبعض يعتقد أن طريقة اللعب تعتمد على كون الخطة: 4-4-2 أو 4-3-3، ولكن ذلك اعتقاد خاطئ، فنحن سنعمل على الاستحواذ على الكرة قدر الإمكان، ونقلها بأقصى سرعة إلى المناطق الهجوميّة، مع محاولة عدم فقدان التوازن بين الهجوم والدفاع، وسنحاول فرض طريقتنا على الخصوم، ولكننا يجب أيضًا أن نكون قادرين على التكيف مع طرق اللعب الأخرى إذا لزم الأمر”..
تساؤلاتٌ آجلة
بدموع الغبطة والتأثّر التي سكبها في مؤتمر استقباله، استهل رافا رحلته مع النادي الملكي، وبالدّموع أيضًا يُتوقع أن تنتهي تلك الرحلة يومًا ما، فهل تكون رحلةً ميمونةً مديدةً عامرةً بالإنجازات والنجاحات؟ أم أن الإخفاق والخيبة سيكون مصيرها؟ وهل يأتي يومٌ تذرف فيه جماهير الميرينغي دموع الحزن على وداع صانع أفراحها؟ أم يكون يومًا يبكي فيه رافا كالنساء مُلكًا مضاعًا لم يحافظ عليه كالرجال؟