مازال الشارع -برغم شجاعته على المواجهة الميدانية – غير “شجاع” و غير قادر على طرح الأسئلة الكلية ، فـخطوط المواجهة وخيوطها مازالت محصورة في المواجهة “الحالية” ، لكن إدراك تبعات المواجهة وما ورائها سياسيا وفكريا و عقديا مازالوا قاصرين عن مواجته على الحقيقة .
إن الخوف من “السائد” من الأفكار في المجتمع وخشية هذه المُسَلمات من المعتقدات الوطنية والسياسية مازالت تحكم “فعل” الشارع الإسلامي وتجمح خطاب ، بالرغم من الأحداث التي تجاوزت فعليا بالإسلامين كل هذه المسلمات وصنعت لم ميدان معركة جديد كليا ، لا أهدافه هي نفس الأهداف ولا آلياته هي ذات الآليات ، إنهم سيقوا لميدان الثورة مجبرين لا مختارين ، وكان يودون أن “غير ذات الشوكة تكون لهم” ، ولكن إرادة الله أبت هذا الطريق ، ويبدو ان طريق المفاصلة الفكرية يفرض نفسه على حساب طريق المحاصصة السياسية ! .
إن مستقبل الحالة الإسلامية وثيق الصلة بحاضرها “الفكري” وتصوراتها وتعريفها للصراع ، و مازالت أزعم أن الحاضر الفكري للإسلاميين مازال ينقصه تحديد البوصلة ، وتحديد الرغبة والغاية .. ماذا تريدون من معركتكم ؟ .. ما هو معيار النصر المطلوب ؟ متى بالتحديد نقول “انتصرنا” ؟ .. هل بعودة “مرسي” تصبح الفكرة منتصرة ؟ وهل مستقبل الصراع مع “العسكر” سيحسمه مظاهرات “ميدانية” فقط و من ثم انتخابات ديمقراطية تأتي بتحول سياسي ؟
إن وهم “الانتصار” بكل المعطيات السابقة ما هو إلا دلالة على إشكالية الإدراك الحالية التي يمر بها الإسلاميون ، و عدم فهم حقيقي لجوهر المعركة التي فرضها عليهم الجيش ومن وراءه كامل الأنظمة العربية العتيقة ، و هذه المعركة لايعني الاستمرار فيها -إذا مددنا خيوط الصراع وخطوطه مع الزمن- إلا المفاصلة الكاملة والشاملة على أساس الفكرة ، فالفكرة هي “الضامن” الوحيد للاستمرار المعركة ، و الفكرة كذلك لتبقى عنوان المعركة فهي ستضطرنا لرفض كل الحلول التي تؤدي بالفكرة إلى الإندماج مجددا في منظومة الفكرة المضادة ، لأنه وبمنطق الثورات .. لن تقوم فكرة جديدة “ثورية” من داخل منظومة الفكرة القديمة “التي ثرت عليها” ، بل تسعى الفكرة الجديدة كليا لهدم كل تمظهرات الفكرة القديمة المضادة قبل أن تؤسس لواقعها الجديد .. هذا إن كانت فكرتك من النوع الذي يدمج الاعتناق بالممارسة والفردية بالجماعية .
إن وعينا بحقيقة المعركة المفروضة وجوهرها الفكري والثقافي هو المطلوب الآن وبالتوازي مع المواجهة الميدانية ، فالصف “العلماني” بكل أطيافه الفاشية والليبرالية واليسارية انضم تحت لواء واحد ليضع شروطه وبلا مواربة أو مداراة أو تحفظات أو مراعاة “للشراكة” على أساس “وطن” يحوي فرقاء ، و أعلنها بكل وضوح وشفافية إما أن تقبل بمنظومتي الفكرية حاكمة لسلوكك السياسي في إطار دولتنا -دولتهم- وبقوة السلاح ، و إما أن تختار صف المواجهة والقمع .
وعليه فإن مواجهة ذلك لابد أن يقابلها من قبل الإسلاميين ذات الصراحة والوضوح والعمق ، لتكون أوراق الصراع جميعها واضحة جلية لا “مداراة” فيها ، ولكي يعي الشباب الذي يسقط كل يوم مابين شهيد وجريح ومعتقل نوع معركته بالتحديد وعمقها ، وإن أي مواراة أو مداراة أو مواربة ستعتبر خيانة وردة عن واجب الوقت !!
إن أي حل سياسي لا يمكن أن يكون نهائيا ، وإنما في النهاية يجب أن لا يزيد عن كونه “هدنة” فقط ، و لا يصح أن يكون حلا إندماجيا يندمج بموجبه الطرف “المقهور” في معادلة “المنتصر” القوي ، فهذا إمعان في اعلان الهزيمة وتدمير الذات ، و إن تلاشي ذلك لا يمكن أن يكون إلا بإعلاء الذات الفكرية و جوهر الخصومة كما فعلوا هم وسبقوا بها ، و تفادي أي حل اندماجي مع الدولة يفضي عﻻى حقيقته إلى تفكيك الفكرة وحامليها .. مع العلم أنه سيكون بالنسبة لخصمك حل مؤقت يحتويك به ثم ينطلق منه نحو “قتلك” و إبادتك .