شنت جماعة أنصار بيت المقدس المُبايعة لتنظيم الدولة الإسلامية والمعروفة باسم “ولاية سيناء” هجومًا مسلحًا أمس على عدد من المناطق بشمال سيناء، مسلحو التنظيم انتشروا صباح أمس في شوارع مدينة الشيخ زويد وهاجموا كافة كمائن الجيش المتواجدة هناك؛ ما أدى لفرار بعضها والاستيلاء على مجموعة من الآليات العسكرية التابعة للجيش، كما قاموا بحصار قسم شرطة العريش.
فيما نقلت مصادر أمنية وطبية من سيناء، أن حصيلة الاشتباكات الأولية كانت أكثر من 30 جنديًا وإصابة أكثر من 40 في مناطق مختلفة، وبعد ذلك نشرت صحيفة الشروق المصرية أن حصيلة القتلى بين الجنود بلغت 64 قتيلاً، بينما نشرت صحيفة الأهرام الحكومية على موقعها الإنجليزي أن حصلية القتلى بلغت 20 قتيلاً فقط، ولكن الرواية الرسمية للجيش كذبت كل هذه الأرقام حيث أكد المتحدث العسكري أن 10 جنود فقط سقطوا خلال المواجهات.
شهدت المواجهات هذه تطورًا نوعيًا من جانب مسلحي ولاية سيناء الذين استخدموا أسلحة نوعية ثقيلة كانت من بينها مضادات للطائرات وقذائف الأر بي جي والهاون، كما قاموا بزرع عبوات ناسفة منعًا لوصول التعزيزات الأمنية داخل منطقة الاشتباكات جنوب الشيخ زويد وأطراف المدينة، كما نصبوا كمائن لدبابات وآليات كانت في طريقها لمساندة قوات الجيش بالشيخ زويد؛ ما جعل وضعية قوات الجيش المتمركزة داخل الشيخ زويد في مأزق، إلى أن استعان الجيش بمقاتلات الأباتشي وطائرات F-16.
تحدثت إحصاءات غير رسمية عن ارتفاع عدد القتلى في صفوف الجيش وقوات الأمن إلى أكثرمن 75 قتيلًا، بعد أن هاجم مسلحو ولاية سيناء 15 موقعًا أمنيًا للجيش والشرطة بشمال سيناء في آن واحد طبقًا لبيانات منسوبة للتنظيم، أما على جانب قتلى الطرف الآخر “ولاية سيناء” فقد تضاربت الأنباء حول أعداد القتلى فالرواية الرسمية في بدايتها تؤكد أنها قتلت في البداية أكثر من 20 عنصرًا مسلحًا وبثت صورًا لبعض الجثث على صفحة المتحدث العسكري، وقد حددت رواية الجيش المصري أعداد المهاجمين بقرابة 70 مسلحًا، بينما أكدت مصادر أخرى أن منفذي هذه الهجمات يترواح أعددهم بين 250 : 300 عنصر من ولاية سيناء.
الوضع ظل على الأرض لساعات في صالح تنظيم ولاية سيناء بسبب الارتباك الذي أصاب قوات الجيش والذي يعود إلى عنصر المفاجأة وإستراتيجية قتال الشوارع التي يعتمدها التنظيم في قتاله مع قوات الجيش المصري في سيناء، إلى أن تدخلت مقاتلات الأباتشي الجوية والتي نجح التنظيم في بداية الأمر في صدها عن طريق مدافع مضادات للطائرات مثبتة على سيارات دفع رباعي، لكن عناصر التنظيم لم يصمدوا كثيرًا أمام تدخل مقاتلات الـ F-16، والتي قامت بتدمير عدة مناطق لتمركز مجموعات ولاية سيناء حتى تمكنت عناصر الإمداد من المرور إلى مناطق الاشتباكات.
الوضع كان في غاية السوء داخل الشيخ زويد طبقًا لشهادات المدنيين التي لا يُعرف حتى الآن حجم إصاباتهم ولا مدى الضرر الواقع عليهم بسبب قلة المعلومات القادمة من هناك بعد فرض القوات المسلحة حظرًا على خروج المعلومات من داخل مناطق الاشتباكات، فالقتلى والجرحى الذين وصلوا لمستشفى العريش، نقلوا بواسطة الأهالي المدنيين، وذلك بسبب عدم مقدرة سيارات الإسعاف على الوصول إلى جنوب الشيخ زويد ورفح بسبب قطع الطريق من قِبل المسلحين.
وبسبب هذا التضارب في المعلومات وتكذيب روايات الجيش، نشر بعض النشطاء روايات تؤكد أن ما حدث مع قوات الجيش في سيناء يعد هزيمة نكراء أمام عشرات المسلحين، حيث بدأ الحديث عن قلة كفاءة القوات المتواجدة في سيناء وانعدام التدريب وأحوال المجندين، إلى أن خرج الجيش في وسائل الإعلام عن طريق المتحدث الرسمي باسمه، نافيًا كل هذه الأنباء التي نقلتها عدة وكالات أنباء عالمية.
إذ وجه العميد محمد سمير المتحدث الرسمى للقوات المسلحة، رسالة لوسائل الإعلام المصرية عبر عدة مداخلات هاتفية، قائلاً: “نرجو من حضراتكم مراعاة عدم نقل المعلومات عن وسائل الإعلام الأجنبية التى نستمد معلوماتنا منها، وننتظر معلومات من القوات المسلحة الرسمية”، وذلك بعد حدوث تضارب شديد في الأنباء الآتية من داخل سيناء.
البعض أكد أن الجيش المصري لا يريد أن يتعامل مع ما يحدث في سيناء بنوع من الشفافية بعد أن حدثت كارثة للقوات داخل سيناء، إذ أكدت بعض المصادر أن عناصر تابعة للقوات المسلحة هددت بعض المراسلين والمصادر الذين ينقلون أخبار سيناء من الداخل.
في الوقت نفسه أعلن الجيش المصري أنه أغلق مدينة رفح وعزز قواته في المنطقة الحدودية، في حين أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية مع مصر، بالتزامن مع الحديث عن انطلاق طائرات بدون طيار إسرائيلية في سماء سيناء، فالجانب الإسرائيلي يتابع المعارك بين الجيش المصري وتنظيم ولاية سيناء عن كثب حسبما أورد الإعلام الإسرائيلي، فقد وصفت القناة الإسرائيلية الثانية أن الهجوم الذي حدث من ولاية سيناء بأنه واسعًا وقاتلًا، وهو الأمر الذي أدى إلى إغلاق المعابر المؤدية إلى سيناء، وإعلان الجيش الإسرائيلي تأهبه على الحدود المصرية، وهو ما يشكك في رواية الجيش المصري بأن الجيش سيطر على الأوضاع بسهولة.
في الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن تنسيق أمني بين القاهرة وتل أبيب بشأن الأوضاع في سيناء، نشرت صحيفة الشروق المصرية خبرًا مفاده أن “الولايات المتحدة وجهت رسائل إلى القاهرة ألمحت فيها إلى رغبتها فى الاستغناء عن وجود القوات متعددة الجنسية فى شبه جزيرة سيناء فى ظل استقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية والتنسيق الأمني والمخابراتي على الحدود بين الجانبين في مواجهة خطر التنظيمات التكفيرية في سيناء”، لكن أمر مغادرة قوات حفظ السلام من سيناء ما زال مستبعدًا.
وبعد أن هدأت الأجواء في المساء سُمع دوي انفجارات عدة الليلة الماضية في منطقة رفح المصرية بشمال سيناء، ويعتقد أن هذه الأصوات تعود لغارات جوية يشنها الجيش لتمشيط المناطق بعد الاشتباكات.
الدماء لم تسل فقط في أقصى شمال شرقي مصر بسيناء ولكنها سالت أيضًا في مدينة السادس من أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة غرب العاصمة القاهرة، إذ اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بمصر جهاز الأمن المصري بتصفية 13 قياديًا بالجماعة أثناء تواجدهم في اجتماع للجنة كفالة أسر الشهداء والمعتقلين التابعة للجماعة.
جاءت عدة روايات لمقتل هؤلاء القيادات أبرزها كانت وجود لقاء منعقد للجنة كفالة أسر الشهداء والمعتقلين التابعة للجماعة بدأ في الساعة الثامنة صباحًا، وما إن تم رصد الاجتماع حتى أتت كميات كبيرة من سيارات محملة بقوات شرطية اقتحمت المنزل الذي يتواجد به المجموعة، وبعد دقائق سُمع دوي إطلاق نار في الداخل تمت على إثره تصفية المجموعة وتُركت تنزف دون إسعاف حتى دخول وقت المغرب، إلى أن أعلنت وزارة الداخلية المصرية تصفيتها لتسعة قيادات من جماعة الإخوان المسلمين ادعت أنهم قاموا بالاشتباك مع قوات من الداخلية.
جماعة الإخوان المسلمين تؤكد أنه لم تحدث أي اشتباكات مطلقًا بين المجموعة المجتمعة والأمن، بل أكدت تقارير الطب الشرعي لجثث المقتولين أن هناك ثمة أثار تعذيب على أجسام المتوفين، وهو ما يُعزز رواية أخرى أن الأمن قد اعتقلهم صباحًا وقام بالتحقيق معهم وتعذيبهم وأخذ بصماتهم ومن ثم قام بتصفيتهم لسبب مجهول، وهي رواية متدوالة بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين.
حذرت الجماعة في بيان لها من أن هذا التحول سوف يؤدي إلى عدم السيطرة على غضب القطاعات التي وصفتها بـ “المظلومة المقهورة” التي لن تقبل أن تموت في بيوتها وسط أهلها، نافية وقوع أي اشتباكات بين القيادات التي قُتلت على يد الأمن وبين القوات التي قامت بتصفيتهم عمدًا، حيث كان من بين هؤلاء المحامي ناصر الحافي عضو مجلس الشعب السابق وعضو نقابة المحامين وهو مسؤول عن اللجنة القانونية في الجماعة.
هذا اليوم الدامي الذي شهدته مصر أمس يأتي عقب حادث اغتيال النائب العام المصري هشام بركات بسيارة مفخخة استهدفت موكبه، قبل احتفالات للنظام بذكرى أحدث الـ 30 من يونيو التي أعقبها الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس البلاد الجنرال عبدالفتاح السيسي، وهو ما أدى إلى إلغاء هذه الاحتفالات، في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة العنف من جانب النظام ضد خصومه السياسيين في الوادي، بينما لم يوفر النظام حماية لجنوده ضد هجمات المسلحين في سيناء.