صادفت غرة هذا الشهر – يوليو – الذكرى الرابعة لولادة دستور المغرب الثاني أو كما يحلو لبعض المغاربة نعته بدستور الملك محمد السادس، ذكرى إلغاء دستور محمد الحسن الثاني الذي وُضع في سنة 1962 وكان كغيره من دساتير تلك الفترة مؤسسًا للجمود السياسي وموصدًا الباب أمام كل ما أمل في الديمقراطية.
وعلى عكس ما ذهبت إليه تونس مثلاً من قلب لنظام الحكم والمضي لانتخابات ومجلس تأسيسي منتخب سهر على إعادة كتابة دستور الجمهورية الثانية، اكتفت المغرب بلجنة استشارية مغربية عينها الملك محمد السادس، لتنظر في الدستور، يوم 9 مارس على خلفية حراك 20 فبراير، التعبيرة المغربية للحراك الشعبي ما بعد انطلاق موجة الربيع العربي.
وقد تجاوز دستور 2011 جمود النص القانوني المنظم للسلطة في البلاد ليتم تسويقه على أنه وعد رسمي بالمضي تدريجيًا نحو ديمقراطية تتأقلم مع أوضاع ما بعد موجة الربيع العربي، حيث وعد الملك آنذاك في خطابه بإدخال مطالب الشارع الذي تحرك في 20 فبراير إلى منظومة الحكم تحت شعار الإصلاح في ظل الاستقرار، لتتم المصادقة عليه تباعًا – الدستور – بنسبة 98.4% من الأصوات المعبر عنها، حسب أرقام وزارة الداخلية.
كيف تفاعل المغاربة مع مسار إعداد الدستور؟
وبالرجوع إلى فترة ما بين خطاب الملك والمصادقة على الدستور الجديد، نجد أن ردود الفعل على المسار الذي انخرطت فيه المملكة توزعت بين “القبول الحار” أو “الرفض المباشر أو التام” أو “القبول المرحلي”.
بالنسبة للقوى المحافظة، اعتبرت أن ما قُدّم هو أقصى ما يمكن أن يقدّمه الملك، وتبنى هذا الموقف جل الأحزاب السياسية التي لم تكن تطالب أصلاً بتغيير دستور الحسن الثاني، وكانت ترى في الدستور القديم وثيقة صالحة لكل زمان ومكان.
ومن جهة أخرى، رفضت بعض القوى الدستور باعتبار أنه بصدد الوضع دون الاعتماد على مسار ديمقراطي، أي لجنة تأسيسية منتخبة من قِبل الشعب، واعتبر أصحاب هذا الرأي أن الدستور الحالي قلص من نفوذ الملكية التنفيذية لكنه لم يؤسس للملكية البرلمانية ولا للفصل بين السلطات بشكل واضح، وهوما يعني أن هذا الدستور لن يُدخل البلاد إلى عهد الديمقراطية ودولة الحق والقانون.
وبين الموقفين، كان هنالك رأي وسط اعتبر أن الدستور الجديد سيحقق قفزة نوعية في التطور الدستوري للمملكة، وأن هذا الدستور، الذي تنازل فيه الملك عن سلطات مهمة لرئيس الحكومة، يعتبر دستورًا صالحًا لإدارة المرحلة الانتقالية، في انتظار أن تنضج الظروف للوصول إلى دستور الملكية البرلمانية على الطراز الأوروبي، هؤلاء كانوا يرون أن النص الدستوري الحالي مفتوح على التطوير والتأويل الديمقراطي الذي سيدفع مضامينه الإصلاحية إلى الأمام، وسيرجع جوانبه المحافظة إلى الوراء.
كيف استقبل المغاربة الدستور الجديد؟
وإثر المُصادقة على الدستور، كان الرهان المطروح على المجتمع السياسي المغربي هو السهر على تطبيق فصوله وتنزيله على أرض الواقع، إلا أنه ومنذ الأيام الأولى اعتبر شق داخل الدولة أن هذه الوثيقة هي نتيجة تسرع في قراءة الربيع المغربي، وأن المخزن ما كان عليه أن يقدم كل هذه التنازلات في مواجهة سحابة صيف سرعان ما مرت.
ويرى مراقبون أن الوضع لم يكن أفضل حالاً في الحكومة، باعتبار أن رئيسها عبد الإله بنكيران، لم يكن من المطالبين بتغيير دستور 1962 وكانت له قابلية للتعايش معه في فترة ما قبل اندلاع الربيع العربي، ولم يكن من المتحمسين ولا من المنتظرين لتحولات عميقة في المنظومة السياسية للمملكة، ولا لخوض تدافع على السلطات مع المخزن.
في الذكرى الرابعة: احتجاجات 20 فبراير
وخلال الذكرى الرابعة، عادت أعلام حركة 20 فبراير لترفرف من جديد وسط شارع محمد الخامس بالرباط، إذ خرج العشرات من المتظاهرين، مساء أمس الأربعاء، للتنديد بدستور 2011 في ذكراه الرابعة، رافعين شعارات تطالب بإسقاطه وواصفين اياه بـ “الاستبدادي والممنوح”.
ودعت إلى هذه المظاهرة كل من حركة 20 فبراير والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتمت خلالها المطالبة بإسقاط الدستور، معتبرين أنه على الرغم من مرور أربع سنوات على وضع الوثيقة الدستورية، لم تتحسن حالة المغرب والمغاربة ولم تحترم الحقوق والحريات ولم توزع الثروات، بحسب تعبير بلاغ للحركة.
وطالب المشاركون الذين عدتهم مصادر أمنية بالعشرات، فيما يتحدث المنظمون عن مئات المشاركين، بضرورة اعتماد “بديل ديمقراطي حقيقي”، وذلك عن طريق اعتماد دستور جديد يكون نابعًا عن سلطة تأسيسية شعبية وديمقراطية، حسب تعبيرهم.
ورغم تراجع الحضور الشعبي لحراك 20 فبراير، إلا أن هذه التحركات الرمزية تقيم الدليل على أن المغرب أمامه مزيد من الجهد لتحقيق ديمقراطية حقيقية خاصة وأن مسار التحول التدريجي وإن كان بطيئًا، إلا أنه كان بأخف كلفة، مقارنة بكلفة ثورات باقي الدول العربية.