ترجمة وتحرير نون بوست
البعض يقول إن الأمريكيين موجودون في كل مكان، والبعض يقول بأنهم غير موجودين، حتى إن البعض الآخر يقول إنهم موجودون في كل مكان وليسوا موجودين في آن واحد، ولكن الوجود الغامض للولايات المتحدة في كيسمايو، المدينة الساحلية الإستراتيجية في جنوب الصومال الممزق بالحرب، له عواقب ونتائج واضحة على جميع الأشخاص الذين يتولون نصيبًا من السلطة في الصومال.
وهؤلاء الأشخاص يتمثلون بالمسؤولين الإقليميين الصوماليين، الذين يسارعون إلى الثناء على جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية، وقوات الاتحاد الأفريقي الذين يعتمدون على أجهزة الاستخبارات الأمريكية في معركتهم ضد حركة الشباب، كما أن نتائج هذا التواجد الأمريكي تمتد أيضًا لتشمل المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة، المحاصرين أكثر من أي وقت مضى، من خلال الحرب الضروس التي يشنها ضدهم الاتحاد الأفريقي، والضربات الجوية، والغارات التي تشنها القوات الأمريكية الخاصة.
أكدت مصادر متعددة من الحكومة الصومالية والاتحاد الأفريقي، أن المطار الآيل للسقوط في كيسمايو يستخدمه فريق من القوات الأمريكية الخاصة من قيادة العمليات الخاصة المشتركة، وهي القيادة النخبوية الأمريكية الشهيرة بتصفيتها لأسامة بن لادن، لتسييّر الطائرات بدون طيار، وممارسة أنشطة أخرى لمكافحة الإرهاب، والوجود الأمريكي في هذه المدينة المضطربة، التي كانت حتى 2012 بيد حركة الشباب الصومالية المتشددة، لم يتم التصريح به مسبقًا أو الإلماح إليه، كما لم تعترف الولايات المتحدة بأنها تسيّر الطائرات بدون طيار من الأراضي الصومالية، واقتصرت اعترافات الحكومة الأمريكية بأن هذه الطائرات يتم تسييرها من مخيم ليمونير في جيبوتي، أو من قواعد في كينيا وإثيوبيا المجاورتين.
يقول عبدي غني عبدي جامع، وزير الدولة لرئاسة الجمهورية في الإدارة الإقليمية المؤقتة في كيسمايو، “القوات الأمريكية لديها قاعدة هناك”، مشيرًا إلى مجمع عسكري محصن بشدة في كيسمايو، ليس بعيدًا عن محطة المطار، وأكد أن ما لا يقل عن 40 عسكريًا أمريكيًا يتمركزون حاليًا في كيسمايو، على بعد حوالي 300 ميل جنوب العاصمة مقديشو، حيث يعملون هناك على تسيير الطائرات بدون طيار من المدرج الوحيد في المطار، وتنفيذ عمليات استخباراتية سرية وعمليات لمكافحة الإرهاب.
“لديهم معدات تكنولوجية فائقة، وطائرات بدون طيار، لديهم أشياء كثيرة”، قال جامع، وأضاف “إننا نستفيد حقًا”، كما أكد مسؤول إقليمي آخر، محمد نور أفتين، وهو وزير جوبالاند للتخطيط والتعاون الدولي والشؤون الإنسانية، وجود القاعدة الأمريكية، واستخدامها للمدرج بهدف تسيير الطائرات بدون طيار، وذات المزاعم أكدها مسؤول على مستوى مجلس الوزراء في مقديشو، وفضلًا عما تقدم، فإن الجنرال الكيني دانيال بارتونجو، قائد على مستوى القطاع لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وهي بعثة متعددة الجنسيات مهمتها إنفاذ السلام، تقاتل حركة الشباب منذ عام 2007، قال إن قواته حققت مكاسبًا ضد المتمردين “بمساعدة الأمريكيين الموجودين هنا”، حيث أدلى بهذا التعليق في مؤتمر في 19 يونيو في كيسمايو، لنيكولاس كاي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصومال.
المحطة السرية في كيسمايو هي واحدة فقط من أصل عدة مواقع داخل الصومال التي اتخذتها القوات الخاصة الأمريكية، متوارية عن أعين المتطفلين من الجمهور الصومالي، وعن الرأي العام الأمريكي الذي يدفع تكاليف هذه القواعد، حيث أكدت مصادر من الحكومة الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي إلى الصومال وجود خلية أمريكية سرية ثانية في بلدوغلي، في قاعدة جوية مهجورة منذ الحرب الباردة، في منطقة شابيل السفلى في الصومال، وقدرت هذه المصادر أن ما بين 30 إلى 40 فردًا من القوات الأمريكية يتمركزون هناك، ويقومون ضمن القاعدة بممارسة عمليات لمكافحة الإرهاب التي تشمل أيضًا تسيير طائرات بدون طيار.
المتحدث باسم قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، أحالنا إلى فرع من الجيش الأمريكي مسؤول عن المنطقة الأفريقية (أفريكوم) للحصول على معلومات حول المهمة، وعندما تواصلنا مع المتحدث باسم أفريكوم، تشاك بريتشارد، أكد لنا أن “عددًا صغيرًا” من الجنود الأمريكيين العاملين ضمن منطقة اختصاص أفريكوم هم من قوات العمليات الخاصة، لكنه امتنع عن التعليق على حجم أو موقع هذه الوحدات، كما رفض الإدلاء بأي إجابة حول قيام هذه القوات بتسيير طائرات بدون طيار من تلك المواقع، واكتفى بالقول “هذه القوات ليست مكلفة بالانخراط مباشرة مع قوات العدو”.
“على الرغم من أننا لا نستطيع أن نزودكم بتفاصيل دقيقة تبعًا للقضايا الأمنية المتعلقة بالعمليات، بيد أننا يمكننا أن نقول لكم بأن قيادة أفريكوم الأمريكية أرسلت عددًا محدودًا من المدربين، والمستشارين، بالإضافة إلى خلية تنسيق عسكري صغيرة، بغية دعم بعثة الاتحاد الأفريقي إلى الصومال وقوات الأمن الصومالية في جهودهم الدولية لتحقيق الاستقرار في الصومال”، كتب بريتشارد في رسالة بريد إلكتروني موجهة إلى فورين بوليسي، وأضاف في ذات الرسالة “إن تبادل المعلومات والخبرات هو المفتاح لمساعدة الدول الشريكة في مهمتهم، والطبيعة الدقيقة لهذا الدعم، ونظم الأسلحة، أو عدد الأفراد المشاركين في هذه العمليات، هي معلومات لا يمكن الكشف عنها، لضرورات حماية سلامة هذه العمليات، وسلامة الوحدات المشاركة في المنطقة”.
بصمة الولايات المتحدة الآخذة بالتوسع في الصومال، هي جزء من اتجاه أوسع يهدف نحو تعميق الروابط العسكرية السرية في منطقة القرن الأفريقي المضطربة، وهذه البصمة التي اتخذت شكل أنشطة استخباراتية مكثفة، وعمليات خاصة نوعية، وبرامج مساعدات عسكرية، نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة دون أن تأخذ حيزًا من النقاش العام في أمريكا، أو مجالًا لإشراف الكونجرس؛ ففي الوقت الذي تتوجه فيه وزارة الدفاع الأمريكية إلى خفض نسبة تواجدها في أفغانستان، وإغلاق قواعدها العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، يبزغ خطر الإرهاب في مناطق شرق أفريقيا، لذا تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على مراكمة منشآتها العسكرية في هذا الجزء من العالم بشكل حذر وهادئ، بشكل يصعب معه ملاحظته من قِبل العامة، فمثلًا، بالإضافة إلى مركزها الرئيسي في جيبوتي حيث يتمركز حوالي 4000 شخص من أعضاء الخدمة الأمريكية والمدنيين، ركز الجيش الأمريكي قواعدًا صغيرة في إثيوبيا، كينيا، وجزر سيشل، وهي أرخبيل إستوائي واقع على مسافة حوالي 800 ميل قبالة السواحل الصومالية، كما أن الجيش الأمريكي يمول، بشكل غير مباشر، تكاليف تدريب الآلاف من الجنود التابعين لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
تواجد الجيش الأمريكي على الأرض
على الرغم من وجودها الذي أصبح راسخًا في المنطقة، نفت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات تواجدها العسكري على الأرض في الصومال، وهي الأرض التي شهدت عملية “بلاك هوك داون” الكارثية في عام 1993، والتي أثارت موجة من النزوح الجماعي الأمريكي من المنطقة، ولكن في يونيو من العام الماضي، اعترفت وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية، ويندي شيرمان أن “فرقة صغيرة من أفراد الجيش الأمريكي” كانت تعمل داخل الصومال “لعدة سنوات”، ونقلت وكالة رويترز في وقت لاحق عن مسؤول لم تذكر اسمه، يعمل مع إدارة الرئيس باراك أوباما، قوله “إن هناك حوالي 120 عنصرًا أمريكيًا متمركزين داخل البلاد”.
على الرغم من أن العديد من ممارسات وعمليات الجيش الأمريكي في الصومال لا تزال محاطة بالسرية، بيد أنه من الواضح أن ممارسات الأمريكيين وعملياتهم تتجاوز مجرد جمع المعلومات الاستخبارية ودعم القوات الأفريقية؛ ففي السنوات الأخيرة، قام مغاوير العمليات الخاصة (الكوماندوز) بعدد من الغارات الجريئة التي استهدفت مواقعًا وأعضاءً من حركة الشباب الصومالية، بما في ذلك هجوم برمائي فاشل في عام 2013 نفذته البحرية الأمريكية، فريق سيل 6 (SEAL 6)، بهدف القبض على أحد المشتبه بهم في هجوم المركز التجاري، ويست جيت مول، وهو الهجوم الإرهابي الذي تبنته حركة الشباب الصومالية في دولة كينيا المجاورة، والذي أسفرًا عن مقتل 67 شخصًا، كما نفذت القوات الأمريكية أيضًا عدة غارات عن طريق الطائرات بدون طيار وغارات جوية أخرى في الصومال على الأقل منذ عام 2007، وهو العام الذي أطلقت فيه طائرة حربية أمريكية من نوع (AC-130) قذائفها، التي شكّلت استهلالًا للحرب على الإرهاب في المسرح الصومالي، علمًا أن هذه العملية استهدفت قافلة كانت تُقل آدم حاشي عيرو، أحد عناصر تنظيم القاعدة الذي يُعتقد بأنه مسؤول عن قتل عمال الإغاثة الغربيين، بيد أن عيرو نجا من هذه العملية، ليتم قتله عن طريق ضربة صاروخية أمريكية أخرى بعد عام واحد فقط.
مع اطراد وتكثيف التهديدات التي تشكلها حركة الشباب في منتصف العقد السابق، ومع انخراط المزيد والمزيد من المقاتلين الأجانب ضمن المعركة، بدأت الصومال تتحرك ببطء لتصل إلى قمة أولويات قائمة البنتاغون، “عندما يكون لديك أمريكي صومالي، يغادر ولاية مينيسوتا ليذهب إلى الصومال، ليفجر نفسه، فإن هذا الوضع سيعمل بحق على جعل الأشخاص متوترين بشدة، وبشكل متزايد، طفا على سطح المناقشات الأمريكية موضوع الحاجة إلى إنفاق المزيد من الموراد، وكيفية حل هذه المشكلة”، قال رودولف عطا الله، مسؤول سابق ضمن وزارة الدفاع الأمريكية في إدارة مكافحة الإرهاب في أفريقيا.
جزء من العمليات الثابتة التي تم اختيارها من قِبل صانعي السياسة الأمريكية، تتضمن تكثيف الغارات الجوية والعمليات الحركية الأخرى ضد حركة الشباب، فما بين عامي 2007 و2011، عندما تم التصريح عن أول هجوم بطائرة بدون طيار تم تنفيذه في الصومال، شنت القوات الأمريكية ما لا يقل عن تسعة هجمات صاروخية أو غارات مروحية على أهداف لحركة الشباب، وفقًا لإحصائيات مكتب الصحافة الاستقصائية، كما نفذت الولايات المتحدة ما بين 8 إلى 12 غارة إضافية بطائرات بدون طيار، أسفرت عن مقتل العشرات من مسلحي الشباب، ومن بينهم زعيم الحركة المتشدد، أحمد عبدي جودان.
وحتى قبل كتابة هذا التقرير، كان يُعتقد أن العمليات الأمريكية يتم تنفيذها في الصومال من قِبل القوات المتمركزة في الخارج، حيث كان يُعتقد أن قوات سيل (SEAL) البحرية والعمليات الخاصة الأخرى كان يتم تنفيذها من قِبل القوات التي تدخل الصومال لفترة وجيزة، قبل أن تتراجع إلى المقار الآمنة نسبيًا في جيبوتي أو كينيا، وبالطبع فإن هذه التخمينات انهارت إثر الكشف عن خلايا العمليات الأمريكية الخاصة في كيسمايو وبلدوغلي، عن طريق المعلومات اليسيرة التي قدمها لنا مسؤولون صوماليون، ومسؤولون من بعثة الاتحاد الأفريقي إلى الصومال؛ فبالإضافة إلى تسيير الطائرات بدون طيار، والقيام بأنشطة المراقبة والاستطلاع الأخرى، تقول المصادر بأن القوات الأمريكية الخاصة كانت، في بعض الأحيان، تحط في قواعد العمليات المتقدمة التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي إلى الصومال، وتشن هجماتها ضد أهداف حركة الشباب بشكل متزامن وبالتنسيق مع قوات الاتحاد الأفريقي.
“إنهم يحضرون إلى قواعد عملياتنا المتقدمة، ويقومون بعمليات مشتركة معنا في بعض الأحيان”، قال مصدر مطلع على العمليات الأوغندية ضمن قوات الاتحاد الأفريقي، علمًا أن القوات الأوغندية هي المسؤولة عن القطاع الذي يشمل بلدوغلي، في حين أن القوات الكينية تعمل حول وضمن كيسمايو، ويتابع المصدر قائلًا “ولكننا بالغالب لا نحصل على إشعارات بقدومهم، فهم لا يثقون بنا، ونحن أيضًا بالمقابل لا نثق بهم”.
المكاسب باهظة الثمن للانتصارات المحققة ضد حركة الشباب
تشير التعليقات، التي أدلى بها قائد بعثة الاتحاد الأفريقي في كيسمايو، أن الولايات المتحدة تمادت في حدود مهمتهما أميالًا عن حدود دور المشورة والدعم الذي من المفترض أن تلعبه في دعم بعثة الاتحاد الأفريقي؛ كونه بالإضافة إلى تمرير المعلومات الاستخباراتية لقوات الاتحاد الأفريقي، التي تضطلع بحصة الأسد من المعارك الجارية على الأرض، استثمرت الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات في تدريب وتجهيز وكلاءها من الاتحاد الأفريقي، ودعم الولايات المتحدة لبعثة الاتحاد الأفريقي منذ عام 2007 وصل إلى ما يزيد عن 500 مليون دولار، كما عمدت واشنطن إلى تخصيص مبلغ 455 مليون دولار لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى الصومال، والتي تعمل على توفير الدعم اللوجستي لقوات الاتحاد الأفريقي.
ساعد هذا الدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في تحويل دفة الأمور ضد حركة الشباب، التي كانت في أوجها بعام 2011 تسيطر على مساحات واسعة من الصومال، “قبل خمس سنوات، كانت حركة الشباب تسيطر على حوالي 60% من هذا البلد، ولكنهم اليوم بالكاد يسيطرون على 6%”، قال وزير التخطيط والتعاون الدولي الصومالي، عبد الرحمن يوسف علي، وأضاف قائلًا “أن المجموعة الإرهابية لا تزال تحتفظ بقدرتها على العمل في جميع أنحاء البلاد”.
لكن الخبراء يحذرون من أن المكاسب التي حققتها البعثة، والتي تسارعت بعد تعزيز مجلس الأمن لقوات بعثة إنفاذ السلام بـ 4000 جندي من القوات الإثيوبية إثر هجوم ويست جيت مول في عام 2013، لم تعمل على تحجيم تهديد حركة الشباب على أكمل وجه، كما يدعي البعض، حيث يقول برونوين بروتون، نائب مدير مركز أفريقيا في المجلس الأطلسي، “أعضاء حركة الشباب يتراجعون ويتنازلون عن الأراضي فقط، ومن خلال ذلك، فإنهم في الواقع لا يواجهون قوات بعثة الاتحاد الأفريقي وجهًا لوجه بعد الآن، وهذا ما يعني أن قوات الحركة وأسلحتها هي في معظمها سليمة وغير مدمرة، حيث تحولت حركة الشباب من قوة تقليدية، إلى قوة إرهابية بحتة، وذلك مع ازدياد تركيزها على الهجمات المنفذة خارج الصومال، في كينيا، وأماكن أخرى في المنطقة”.
المكاسب التي استطاعت بعثة الاتحاد الأفريقي تحقيقها باسترداد مساحات شاسعة جدًا من الأراضي من أيدي حركة الشباب، أدت إلى تناثر قواتها على مساحات كبيرة، مما جعل هذه القوات أقل تعدادًا، وترك خطوط إمداداتها عرضة للهجمات المفاجئة؛ فالكمائن والعبوات الناسفة، الأمران اللذان كانا سابقًا من الأمور نادرة الحدوث نسبيًا في الصومال، أصبحتا الآن من الحوادث العادية على الطرق السريعة ضعيفة المراقبة، التي تربط جيوب سيطرة قوات الاتحاد الأفريقي، وفي مؤتمر كيسمايو الصحفي، قال الجنرال بارتنجو، إن قواته نجت من 42 هجمة بالعبوات الناسفة والكمائن، ولكنه لم يحدد أي إطار زمني لهذه الهجمات.
وفضلًا عمّا تقدم، فإن الجهود الكبيرة التي تبذلها قوات الاتحاد الأفريقي للحفاظ على النظام في المناطق التي استردتها من حركة الشباب، تُبرز أهمية وجود وحدات من الجيش والشرطة الصومالية المختصة والمدربة، والقادرة على ملء الفراغ الأمني الذي سيحدثه انتهاء مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي، علمًا أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد أي إستراتيجية واضحة لخروج البعثة من الصومال، ومع ظهور هذه المشاكل تعمل الولايات المتحدة الآن على المشاركة في تدريب الجيش الوطني الصومالي، فضلًا عن تدريبها لقوات الاتحاد الأفريقي.
شحذ الرماح
من المرجح أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، التي تم الكشف عن وجودها الجوهري في مقديشو لأول مرة عن طريق مجلة نيشن (Nation)، قد اضطلعت بتدريب وتجهيز قوة كوماندوز سرية صومالية معروفة باسم غاشان أو الدرع، وهذه القوة، التي تعمل بالتنسيق الوثيق مع الاستخبارات الوطنية الصومالية ووكالة الأمن، تتفوق بسهولة على الجيش الوطني الصومالي المتشرذم، حيث استطاعت تحقيق عدد من الإنجازات العسكرية المثيرة للإعجاب؛ فمثلًا عندما حاول مسلحو حركة الشباب اقتحام البرلمان في مايو الماضي في الصومال، لعبت قوة غاشان دورًا محوريًا في صد الهجوم.
كما تعمل الشركات الأمريكية المتعاقدة مع القوات الأمريكية حاليًا على تدريب كتيبة أخرى، تسمى بكتيبة داناب، أو البرق، والتي من المفترض أن تكون النسخة الصومالية من مغاوير الجيش الأمريكي، ويوضح مسؤول أمريكي، مطلع على السياسة في الصومال، الكيفية التي يتم بها التدريب بقوله “إن الموضوع لا يزال حقًا في مراحله الابتدائية، فنحن حتى الآن قمنا بتجنيد وتدريب دفعات تمثل ثلاث شركات، بلغ مجموع أعضائها حوالي 450 جنديًا”، ويصف المسؤول الأمريكي البرنامج بأنه “أفضل مهمة تدريب في مبادرة الولايات المتحدة حتى الآن”، ويوضح بأن هذه الشركات التي يتم تدريبها، والتي يجب أن تضم مقاتلين من عدة عشائر ومناطق بغية تشجيع الولاء للحكومة المركزية، تمثل أنموذجًا لمستقبل الجيش الوطني الصومالي، واختتم المسؤول بقوله “في نهاية المطاف، الجميع يرغب في رؤية هذا العدد يطرد وتتم ترجمته إلى المزيد من الكتائب، ونحن نود أن نفعل ذلك فعلًا، ولكن، وبكل صراحة، الموارد ليست متوفرة للقيام بهذا المشروع في وقت قريب”.
تدريب قوات داناب يتم حاليًا في بلدوغلي، في منشأة تديرها شركة بانكروفت للتنمية العالمية، وهي المجموعة الأمريكية الغامضة التي كُشف في عام 2011 أنها استأجرت ضابط سابق في الجيش الفرنسي مدان في جنوب أفريقيا لتجنيده المرتزقة للقتال في ساحل العاج، الشركة تتمركز في مكتب متواضع في الطابق الثاني من قاعدة سلاح الجو المتهالكة منذ الحقبة السوفيتية، مليء بثقوب الرصاص، وبحاجة ماسة للطلاء، وداخل إحدى الغرف المتواضعة يوجد قائمة بأسماء أعضاء داناب مع صورهم، وفي مكان آخر، توجد قوائم بأسلحة ومعدات الفرقة.
ورغم استعداد المسؤولون الأمريكيون لتولي عملية تدريب فرقة داناب في بلدوغلي، بيد أن موظفي شركة بانكروفت يقللون من أهمية علاقاتهم مع حكومة الولايات المتحدة، “ليس لدينا أي علاقة مع الأمريكيين” قال موظف من شركة بانكروفت، وتابع “نحن مسؤولون عن تدريب داناب، وليس لنا أي علاقة مع الأمريكيين، والأمريكيون ليس لهم أي علاقة بنا”، كما أفادنا المدير التنفيذي لبانكروفت، مارك فري، بأن الشركة “لم تبرم أي عقد مع حكومة الولايات المتحدة، ولم تبرم أي عقد مع أي بلد لتدريب كتيبة داناب”، أما المسؤولون الأمريكيون فيقولون بأن الشركة تتولى تدريب قوات الجيش الوطني الصومالي كجزء من عقد أكبر مع الحكومة الأوغندية لتوفير ما يسمى بـ”المرشدين العسكريين” لقوات بعثة الاتحاد الأفريقي، وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية ستعمد فيما بعد لطلب سداد وتغطية تكاليف التدريب من الحكومة الأوغندية.
هذا الأسلوب الملتوي للدفع، هو القاعدة التي اعتمدتها شركة بانكروفت لتدريب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي على مر السنين، بيد أن بعض المسؤولين يشعرون بالقلق من أن هذه الطريقة تساعد الشركة على تجنب التدقيق الإضافي في حساباتها، الذي يجب أن يتزامن مع التعاقد المباشر مع حكومة الولايات المتحدة، حيث يقول مسؤول من الأمم المتحدة في مقديشو “هذه الطريقة أساسًا هي وسيلة تستخدمها الولايات المتحدة لتجنب الاضطرار للتدقيق في أوجه أعمال شركة بانكروفت أو أي مقاول آخر”، وأضاف “لو كان كل شيء نظيفًا، فلن تكون هناك حاجة لاستعمال هذه المناورات”.
أثار فريق رصد الأمم المتحدة في الصومال وإريتريا مخاوفًا بشأن سلوك المتعاقدين العسكريين الآخرين العاملين في الصومال؛ فمثلًا في عام 2012، اتهم فريق الرصد شركة سترلينغ، وهي شركة مقرها دبي شاركت في تدريب قوة مكافحة القرصنة في منطقة بونتلاند شبه المستقلة، بالانتهاك الوقح والواسع النطاق لحظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، ولكن حتى الآن، لم يتم رفع أي ادعاءات حول سوء سلوك شركة بانكروفت، وفي الواقع، تحوّل الاتحاد الأفريقي للتعاقد مع الشركة الأمريكية لجمع شتات المشروع بعد انهيار مشروع سترلينغ، لكن شركة بانكروفت رفضت المشاركة بعد توثيق الانتهاكات المستمرة لحظر الأسلحة.
إن الظروف التي تعمل ضمنها شركة بانكروفت والشركات الخاصة العسكرية الأخرى، لا تستطيع تقديم سوى القليل من الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها رؤية عمل هذه الشركات بشفافية، أو يمكن من خلالها تقديم ضمانات ضد سوء المعاملة، وهذا عائد لحقيقة انعدام حكم القانون في مساحات واسعة من الصومال، كما أن الاتصالات الاجتماعية بين المجتمعات الريفية ضعيفة للغاية، والعديد من الميزات الأخرى التي تحمي هذه الشركات من المساءلة عن أفعالها، حيث يقول برونوين بروتون، نائب مدير مركز أفريقيا في المجلس الأطلسي، “حتى ألمع شركات الأمن الخاصة هي عرضة لاستخدام الممارسات العنيفة، وفي السياق الصومالي، من غير المرجح التبليغ عن هذه التجاوزات، الأمر الذي يجعل التصرفات المسيئة أمرًا مرجحًا”.
ذات المبدأ ينطبق على أي انتهاكات محتملة قد تكون ارتكبتها القوات الخاصة الأمريكية، أو قوات الاتحاد الأفريقي التي تعمل على أرض المعركة، وكما ذكر مسؤول عسكري كبير مؤخرًا لصحيفة نيويورك تايمز “قيادة العمليات الخاصة المشتركة هي المسؤولة عن التحقيق مع قسم العمليات الخاصة المشتركة، وهذا جزء من المشكلة”.
ليس الخيار الأول
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن الطبيعة السرية للعمليات الخاصة الأمريكية تجعل من الصعب تقييم آثارها على المدنيين، وهم كثيرًا ما يقعون فريسة للاعتداءات الموجهة ضدهم، سواء أكان أعضاء من حركة الشباب موجودون بينهم أم لم يكونوا، كما أن انسحاب الحركة من العديد من المناطق، لم ينجم عنه، حتى الآن، تحسن في المعيشة اليومية لغالبية السكان.
في كيسمايو، تعمل خلية من القوات الخاصة الأمريكية على تقديم الدعم غير المباشر لأحد رؤساء الإدارة الإقليمية المؤقتة، وهو من أمراء الحرب سيئي السمعة، وعضو سابق في حركة الشباب، أحمد محمد إسلام، المعروف باسم مادوبي، الذي استضافت مليشياته المنتشرة في رأس كمبوني معسكرات تدريب القاعدة في التسعينيات، ويصفه بروتون بأنه “أحد أشد الأشخاص راديكالية وتطرفًا”، حيث استولى مادوبي على السلطة بعد أن توغلت القوات الكينية في المنطقة، وطردت أعضاء حركة الشباب من كيسمايو في عام 2012.
تولي مادوبي للسلطة تمت مباركته من الأمم المتحدة، حيث قدمت الأخيرة المساعدة التقنية لإدارة مادوبي في جهودها لصياغة دستورًا جديدًا، ووفقًا لمات برايدن، الذي كان يرأس فريق رصد الأمم المتحدة في الصومال وإريتريا، “مادوبي لم يكن الخيار الأول لأي أحد”، وأضاف “هذا النموذج في كيسمايو، القوي يستولي على السلطة ثم يؤسس البرلمان، هو أبعد ما يكون عن المثالية، ولا أعتقد أن أي شخص يعتقد أن هذه هي الطريقة التي ستؤدي إلى استقرار الصومال على المدى الطويل”.
ولكن، طالما أن الطائرات الأمريكية بدون طيار، تراقب بدقة إقطاعية مادوبي، فإن الخيار الأول لأي شخص لن يصبح خيارًا قابلًا للتطبيق على أرض الواقع.
المصدر: فورين بوليسي