ترجمة وتحرير نون بوست
بدأت الشمس بالغروب فوق جبل قارا، هذه المتاهة من الحجر الجيري، والتي تقع في قلب واحة الإحساء، هذه الواحة الخضراء شرق الرياض. وتكثر وسط هذه الصخور الرسوبية بلون ضارب إلى الحمرة الكهوف والتحجيرات على شكل الفطر المنحوتة في الحجر مع أشكالها الوردية الزاهية الشبيهة بالصحراء البيضاء المصرية الشهيرة. ويتأمل شابان وهما يجلسان القرفصاء تدرج الألوان وسط هذا البحر من النخيل الذي ينتشر تحت أقدامهم، في الوقت الذي يعلو فيه صوت المؤذن لينادي إلى صلاة المغرب. وهمس أزمت، هذا الشاب الكازاخستاني البالغ من العمر 37 سنة والذي يعمل محامي لشركة النفط الوطنية أرامكو: “لم اعتقد أبدا أن تكون المملكة العربية السعودية بهذا الجمال الطبيعي، لكن البلاد ليست مفتوحة جدا نحو السياحة، بالرغم من أن إمكاناتها هائلة. “
في المنحدر المغطى بالحصى والذي تحيط به الصخور من كل جانب، يتجول سهيل، المهندس الأمريكي من أصل سوري، والذي جاء للتدريس في جامعة الخبر، التي نقع على بعد حوالي مائة كيلومتر إلى الشمال، رفقة زوجته كاثلين التي ترتدي العباءة التقليدية، هذا المعطف من القماش الأسود الذي تلتزم بارتدائه النساء الأجنبيات في المملكة العربية السعودية. وقالت وهي تجمع شعرها الأبيض تحت قبعة من القش: “في مدينة الخبر، حيث يعيش العديد من المغتربين، أتجول من دون أن أغطي رأسي. الناس ودودون للغاية ويريدون ممارسة مهاراتهم في اللغة الإنجليزية. الجانب السلبي الوحيد هو العباءة. فعندما يكون الطقس ساخنا، يصبح من الصعب تحملها”.
تقف على الدرب الجرافات، أين يمكن رؤية كافتيريا ومحلات بيع الهدايا بصدد الإنشاء. ويراقب أحمد الدبوس، وهو تاجر من القطيف، المدينة الكبيرة المجاورة، تقدم الأشغال ويقول مبتسما: “تنمية الموقع تتقدم ببطء. المملكة العربية السعودية تعمل على الديزل. ولكن بالمقارنة مع صباي، فإن التغيير واضح. سابقا كان فقط القرويون المحليون يقومون بزيارة هذه المواقع ليستمتعوا بالكهوف الباردة في فصل الصيف، أما اليوم، فإن كل السعوديين في جميع أنحاء البلاد وحتى المقيمين الأجانب يأتون للزيارة. “
إنها ثورة صامتة تعيشها السعودية في المجال السياحي، فمنذ عشرون عاما، كانت كلمة “السياحة” من المحرمات. في أرض الحرمين الشريفين، المكرسة لعبادة الله، تعتبر السياحة من الأنشطة المشبوهة. وحدها النخبة كانت تخرج للسياحة في باريس أو لندن أو جنيف. ولكن السياحة الداخلية كانت مستحيلة. فلم تكن توجد بنية تحتية سياحية كما أن الرأي العام كان معاديا لهذه الفكرة. أما اليوم فالأمور تغيرت، فبالرغم من أن التأشيرة السياحية لا تزال غير موجودة، يزور المهاجرون والمغتربون ورجال الأعمال والحجاج المسلمون خلال زيارتهم إلى مكة المكرمة، هذه المواقع السياحية.
وقد أعطى رجال الدين الوهابيين، الذين يمثلون أحد ركني البلاد مع سلالة آل سعود، مباركتهم لتنمية السياحة المحلية. وقال سيف الدين أحمد، وهو شيخ من الرياض: “نحن لن نكون باريس أو لاس فيغاس أو حتى دبي وشرم الشيخ. نحن لن نقبل أبدا باختلاط الرجال والنساء النصف عاريات على شواطئنا. ولكن مع وجود سياحة مقبولة أخلاقيا عندها يمكن أن تكون هذه السياحة إيجابية، باعتبارها توفر فرص الشغل”. وتتزايد المبادرات الهادفة إلى تطوير قطاع السياحة من خلال افتتاح مطار في العلا، ترميم القصر القديم في الطائف، تطوير المسالك السياحية في محافظة حائل، وسط البلاد…
منطقة عسير، الرئة الخضراء في السعودية
غطت جميع وسائل الإعلام، في أبريل، افتتاح الملك سلمان لمجمع الدرعية، المتاخم لمدينة الرياض، وهو سلسلة من الحدائق والمطاعم والمتاحف التي بنيت في نفس المكان الذي عقد فيه التحالف بين آل سعود والداعية محمد بن عبد الوهاب، منظر الفكر الوهابي، في منتصف القرن الثامن عشر. وتشير الإحصاءات الحكومية إلى وجود تطور بطيء ولكنه دائم في عدد الزوار من المواطنين الذين يقومون باكتشاف تراثهم.
ويحبذ عبد المنعم المشاوى، وهو إطار في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، على غرار العديد من السعوديين من الطبقة الوسطى، السفر إلى الخارج خلال فصل الصيف، في ماليزيا أو تركيا، وهي الجهات المألوف بالنسبة لأولئك الذين ليست لديهم إمكانيات مادية لكراء فيلا في ماربيا في كوستا ديل سول الاسبانية، ملجأ النخبة السعودية. وقال عبد المنعم: “هذه الأماكن ليست بعيدة، والأسعار رخيصة، والطعام جيد. وإذا بقينا في السعودية، فسنموت بسبب الحر ولن نقوم بتبادل الأفكار”، مضيفا: “لكن خلال عطلة الشتاء، نقوم بزيارة المناطق السياحية الداخلية، وخاصة في جبال عسير، الرئة الخضراء للبلد والمشهورة بغابات الصنوبر”.
وقال سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، أحد أبناء الملك سلمان، الذي يرأس الهيئة العامة للسياحة والآثار منذ تأسيسها في عام 2000: “من الغريب أن بلدا مثل المملكة العربية السعودية لا يسمح لمواطنيه باكتشاف الموروث الثقافي لبلدهم الذي هو أكثر بكثير مما يكتب في الصحف”. ويبلغ الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز من العمر 59 عاما، وهو طيار حربي سابق، وكان أول عربي يطير إلى الفضاء في عام 1985 ، ويعتبر “مثقف” العائلة المالكة. وبدلا من الاستياء بسبب تعيينه رئيسا لقطاع السياحة الأقل أهمية من بقية المهام السيادية في البلاد، قام الأمير بدور كبير في هذا القطاع من خلال تحويله من وكالة حكومية من الفئة الثالثة إلى وزارة قائمة الذات. وكان أحد مشاريعه، على مدى العقد الماضي، إعادة توجيه البعض من المال العمومي المخصص للبنية التحتية نحو الاستثمارات السياحية.
في أروقة الهيئة العامة للسياحة والآثار، هذا المبنى الزجاجي الجميل، حيث يكون الموظفين منضبطون مقارنة بالكثير من العديد من المؤسسات السعودية، يتذكر الجميع كيف استضافت الرياض قمة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، في عام 2007، وكيف وجد منظمو القمة صعوبات كبيرة للعثور على الغرف الفندقية الكافية لاستيعاب جميع الوفود، أما البلاد اليوم فقد أصبح لديها طاقة استيعاب بلغت 350000 – أكثر من نصف العدد المسجل في فرنسا – والهدف هو بلوغ طاقة استيعاب بنصف مليون في غضون عامين. على هذا الأساس فإن الهدف هو تطوير السياحة المحلية المركزة على الفولكلور والسرد الوطني السعودي كما يجسده موقع الدرعية.
الوهابية تحتقر الاهتمام بالآثار
ولكن التحدي الأصعب الذي كان يجب على الأمير مواجهته هو تغيير العقلية، ويعترف الأمير سلطان أن “جعل الناس يفهمون أن السياحة لن تدمر بلدهم كانت مهمة طويلة ومعقدة”. بالنسبة للعديد من رؤساء البلديات، فقد كانت الانطلاقة خلال جولة دراسية نظمت في عام 2007، في توسكانا، من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار ليدرك رؤساء البلديات والمسؤولين بأهمية الآثار في تطوير القطاع السياحي. ويشير الأمير سلطان قائلا: “اقتنع رؤساء البلديات بأهمية تطوير القطاع السياحي في مدنهم، حتى أن الكثير منهم تأسف لتركهم بعض التراث تجتاحها المشاريع العقارية. “
لكن مجهودات التوعية لم تنتهي بعد، فقد وجد المستثمرون في قطاع السياحة صعوبات جمة في التعامل مع رجال الدين. فالتيار الوهابي يحتقر الاهتمام بالآثار، ويعتبر انه يعادل عبادة الأصنام. فقد دمرت معظم المواقع التاريخية في مكة المكرمة في أعقاب احتلال المدينة في عام 1924 على يد عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية. وبحسب دبلوماسي غربي فإن “كل التراث المادي لحضارة الحجاز الرائعة جدا تم تدميره من قبل بدو نجد [منطقة الرياض]”.
على هذه الأطلال ومن دون القيام بحفريات في الكثير من الأحيان، قامت السلطات السعودية بزراعة غابة من ناطحات السحاب ومراكز التسوق، بما في ذلك أعلى ساعة في العالم التي تطل على الكعبة المشرفة. ويتنهد عرفان العلاوي، مدير مؤسسة البحوث في التراث الإسلامي قائلا: “إنها كارثة في مكة المكرمة، فقد تم استبدال بيت خديجة، الزوجة الأولى للنبي، بمراحيض عامة كما حل فندق هيلتون محل بيت أول خليفة للمسلمين، أبو بكر. “
التحدي المتمثل في الانفتاح على الأجانب
هناك موضوع آخر يؤرق الأمير سلطان وهو تطوير المواقع الأثرية لحقبة ما قبل الإسلام. ففي وقت سابق من هذا العام، مثّل إعلان عالم الآثار الفرنسي، فريدريك إمبير، اكتشافه لجدران صخرية مغطاة بنقوش فيه صلبان في جبل كوكب (جبل ستار) على الحدود اليمنية، صدمة للهيئة العامة للسياحة والآثار، لأنها تعتبر أن مثل هذا الإعلان هو من اختصاصها، ولكن أيضا لأنه، في مهد الإسلام، يعتبر اكتشاف كتابات مسيحية مسألة حساسة.
ويعلق خبير أجنبي: “للأمير سلطان رغبة في الحفاظ على التراث، وهو يدرك أن هذا الإعلان قد يعطي للمتطرفين الذريعة لتخريب الموقع”. خلال زيارة مدائن صالح من قبل الأمير تشارلز، وريث التاج البريطاني، في فبراير الماضي، تم رسم “الله أكبر” على المقابر. ويعتقد الأمير سلطان أنه “لمزيد فهم الإسلام يجب علينا أن ننظر إلى ما كان قائما قبله”.
وأمام الأمير اليوم تحديا جديدا يتمثل في فتح البلاد أمام الزوار الأجانب. وقد أجريت اختبارات في الماضي، مع عشرات الآلاف من التأشيرات موزعة لستة أشهر، والتي ترى دوائر الأمير أنها كانت “ايجابية جدا”. إلا أن الوضع الحالي، مع الهجمات الأخيرة لتنظيم للدولة الإسلامية في شرق البلاد، لا يسمح بالمضي قدما مع مثل هذه الابتكارات.
في عام 2007، قتل أربعة سياح فرنسيين، خلال زيارتهم مدائن صالح، على أيدي مسلحين، ربما كانوا أعضاء من تنظيم القاعدة. ولكن هذا لم يثن الأمير سلطان عن استهدافه سوقا جديدة من الأثرياء والمتعلمين المستعدين للذهاب لأبعد من الكليشيهات. وعندما تطأ أقدامهم الأراضي السعودية، سيكون وقتها قد حقق هدفه.
المصدر: صحيفة لوموند الفرنسية