بعد أسبوع هو الأكثر توترًا في تاريخ اليونان منذ دخولها لليورو، وربما في تاريخ السوق الأوروبية كلها، ضرب اليونانيون عرض الحائط تهديدات الخروج من اليورو وإعلان الدولة لإفلاسها حال رفضوا خارطة الطريق الأوروبية، وقاموا بالفعل بالتصويت بـ “لا” على خطة التقشف الموضوعة في بروكسل وبرلين بنسبة تجاوزت 60%، على عكس الاستطلاعات الأخيرة قبيل الاستفتاء، والتي أظهرت تقاربًا كبيرًا بين معسكري الرافضين والموافقين لشروط أوروبا.
المنتصر الأبرز بالطبع هو رئيس الوزراء اليوناني الذي تولى منصبه بعد اكتساحه في انتخابات يناير الماضي، أليكسيس تسيبراس، وحزبه اليساري سيريزا، حيث تُعَد تلك النتائج دفعة كبيرة له في المفاوضات، والتي توقفت منذ حوالي أسبوع، حيث قال وزراء المالية الأوروبيون إنهم لا يمكن أن يقدموا عرضًا أكثر مرونة من الاتفاق الذي قدموه، في حين رد اقتصاديون بارزون قائلين بأن سياسات التقشف الأوروبية برمتها شديدة الإجحاف، داعين اليونانيين لرفضها، مثل پول كروجمان وجوزيف شتيغليتز الحائزَين على جائزة نوبل.
Final #Grefenderum results.
No – 61.31% (3.558.450 votes)
Yes – 38.69% (2.245.537 votes)
100% of votes, 62.50% voted, 5.80% invalid/blank.— Velina Tchakarova (@vtchakarova) July 5, 2015
النتائج النهائية للاستفتاء على حزمة التقشف الأوروبية
https://twitter.com/suttonnick/status/617805135360749568/photo/1
وهذا هو بالضبط ما فعله اليونانيون بالأمس، ليضعوا القيادات الأوروبية في وضع حرج الآن، إذ إن العرض الذي قدموه رفضته غالبية المواطنين الكائنين بالبلد المعني، مما يعني أن عليهم أن يبحثوا عن حل جديد لكيلا يصبحوا في صورة القوة المعارضة للشرعية والديمقراطية، أو ربما التخلي عن اليونان تمامًا، وهو ما سيكون، أولًا، خسارة إستراتيجية نظرًا لأهمية اليونان كجزء من التحالف الغربي، وثانيًا، أنه سيظل يعكس صورة غير ديمقراطية عن الاتحاد الأوروبي، والذي سيكون بمثابة من تخلى عن بلد لأنه سمح لشعبه بالإدلاء برأيه في سياسات الاتحاد.
من ناحيته، وفي خطابه بعد الإعلان عن النتائج الأولية، والتي كان ليستقيل على إثرها كما وعد لو أن الغلبة كانت للموافقين كما خشي البعض، قال تسيبراس إن النتيجة ليست مجرد انتصار له، ولكن انتصار للتضامن الأوروبي، في إشارة واضحة لحركات التضامن المعادية للتقشف الجارية في بلدان الجنوب مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، كما كان حريصًا على التأكيد على الاستمرار في أوروبا، وأن النتيجة لا تعني الخروج من اليورو ولكن موقف أقوى لحكومته في المفاوضات مع قادة الاتحاد للخروج باتفاق يُرضي اليونانيين.
The mandate you've given me does not call for a break with Europe, but rather gives me greater negotiating strength. #Greece #Greferendum
— Alexis Tsipras (@tsipras_eu) July 5, 2015
The Greek ppl responded to real question at hand: What kind of Europe do we want?
The answer: A Europe of solidarity & #democracy. #Greece— Alexis Tsipras (@tsipras_eu) July 5, 2015
Let's not leave Europe in the hands of those who want to stifle its tradition of #democracy. #Syntagma #Greferendum #OXI #dimopsifisma
— Alexis Tsipras (@tsipras_eu) July 3, 2015
نهاية خمس سنوات من التقشف: اليورو يبدأ صفحة جديدة
بعد خمس سنوات من اتباع سياسات التقشف التي أملتها ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، يبدو وأن الاستفتاء اليوناني، والذي كان بمثابة مفترق طرق لليورو، قد وضع حدًا لتلك المرحلة، وأنهى تمامًا آمال السياسيين الألمان والمسؤولين في الاتحاد، وعلى رأسهم بالطبع المستشارة الألمانية أنغلا مركل ورئيس المفوضية الأوروبية جيان كلود جانكر، في التخلص بطريقة غير مباشرة من حكومة تسيبراس بإجباره على الالتزام بالبرامج الاقتصادية التي وضعوها وبالتالي سقوطه أمام ناخبيه بشكل يثبط تمامًا من حركات التضامن في بلدان الجنوب، خاصة في إسبانيا والتي ستتجه لانتخابات في نهاية العام.
كما هو واضح، فشلت تمامًا المساعي غير الديمقراطية، كما رآها كثيرون، في ترجيح كفة الحسابات المالية وسلطان المؤسسات الدولية على إرادة الشعب اليوناني، ليثبت اليونانيون أن الديمقراطية لا يمكن ابتزازها، لا سيما في بلدها الأم صاحبة التقليد الديمقراطي العريق، كما قال تسيبراس وسط أنصاره في ميدان سينتاغما في العاصمة اليونانية أثينا، والذين أمضوا ليلة حافلة احتفلوا فيها بالانتصار على أتوقراطية اليورو.
احتفالات اليونانيين في ميدان سينتاغما الشهير بالعاصمة أثينا بعد إعلان النتائج
اتجهت الأضواء أيضًا إلى وزير المالية اليوناني المثير للجدل منذ توليه لمنصبه، يانيس فاروفاكيس، والذي قال إن النتائج انتصار لأوروبا الديمقراطية، وهزيمة لأوروبا المبنية على رؤية اليورو كقفص حديدي لأعضائه وشعوبه، “بدءًا من الغد، ستبدأ أوروبا، والتي يخفق قلبها هذه الليلة في اليونان، في مداواة جروحها وجروحنا”، هكذا قال فاروفاكيس في حديث تلفزيوني مساء الأمس.
على الناحية الأخرى، قال وزير المالية الهولندي، يرون دَيسلبلوم، وهو رئيس المجموعة الأوروبية التي تضم وزراء مالية دول اليورو، إن نتيجة الاستفتاء مخيبة للآمال فيما يخص مستقبل اليونان نظرًا لأن الإصلاحات والإجراءات الصعبة أمر حتمي ليتعافى الاقتصاد اليوناني، وأن المجموعة ستنتظر الآن المبادرة من الجانب اليوناني، وستعقد اجتماعًا الغد السابع من يوليو لمناقشة التطورات.
“فشل اليورو هو فشل حقبة مركل كمستشارة”: غلاف عدد شبيغل الأخير
في ألمانيا، بدأت دعاوى كثيرة تنطلق من السياسيين بضرورة هندسة خروج سَلِس لليونان من اليورو، في حين عبر آخرون عن حتمية اللجوء لمسار جديد في التعامل مع الأزمة المالية التي تعانيها دول الجنوب، وتغيير الطريق الذي تسير فيه أنغلا مركل، والذي انتقدته مجلة دير شبيغل في عددها الأخير قائلة إن “فشل اليورو يُعَد فشلًا لسنوات مركل العشر كمستشارة لألمانيا”، وهو العدد الذي أظهرت فيه المجلة المستشارة على الغلاف وهي تجلس على أنقاض أوروبا.
بدورها، قامت أنغلا مركل بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ودعت لعقد قمة لقادة أوروبا غدًا، طبقًا لما صرح به مصدر حكومي ألماني، وما أكده أيضًا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، وهي في طريقها إلى باريس اليوم لإجراء مباحثات عاجلة مع أولاند، حيث أكد كل منهما على ضرورة احترام نتيجة الاستفتاء طبقًا للمصدر.
أما بعد
تغطية الصحافة العالمية لنتائج الاستفتاء اليوناني
حتى الآن، ليس واضحًا ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيستمر في دعم البنوك اليونانية بالسيولة النقدية لتسيير الاقتصاد اليوناني، وهو الدعم الذي بدأ بعض المسؤولين في البنوك الألمانية الكبرى والمؤسسات المالية الأوروبية في التعبير عن ضرورة إنهائه، وإلا ستبدأ قيمة اليورو في التراجع، وأن الحسبة بالأساس اقتصادية لا سياسية، ولا دخل فيها لمسألة الديمقراطية من عدمها، وأن ورقة الاستفتاء لعبة من تسيبراس ليضع اليورو تحت الضغط ويحصل على ما يريد، وهو تحليل يرفضه السياسيون الذين يدركون أن اللعبة سياسية بالأساس، وأنها تمس مشروع الاتحاد الأوروبي كله، والدور الذي سيتسنى للديمقراطية أن تلعبه في أوروبا على مستوى البلدان المنفردة في مقابل المؤسسات الأوروبية غير المنتخبة.
تأكيدًا على ذلك، وفي تعقيبه على الوضع الحالي بعد الإعلان عن النتيجة، أكد الاقتصادي پول كروجمان أن الرؤية التي يمررها أصحاب التفكير المحافظ، والمسؤولون الماليون، هو أن ما جرى بالأمس انتصار للاعقلانية والعاطفية وانعدام المسؤولية على الدعم التكنوقراطي الرصين الذي كانت لتتلقاه اليونان حال صوتت بنعم، وهو ما اعتبره كروجمان جزءًا من “حملة البلطجة” التي لا يزال يصر عليها البعض لإثارة الذعر بين اليونانيين، ودفعهم للابتعاد عن حكومة سيريزا، وهي جهود فشلت كما تقول نتيجة الاستفتاء، ولكنها تُعَد لحظة مؤسفة في تاريخ أوروبا، والتي من المفترض أنها تقوم على المبادئ الديمقراطية.
في جميع الأحوال، لن تقطع أوروبا الدعم بسهولة نظرًا لأهمية اليونان بالنسبة لها، والزلزال الذي قد يحدثه خروج عضو من اليورو لأول مرة في الأسواق الأوروبية والعالمية، علاوة على المخاوف من دخول روسيا على الخط وارتماء الحكومة اليسارية في أحضان الروس الذين عرضوا من قبل تسديد ديون اليونان لصندوق النقد الدولي، وهي مسألة حساسة على المستوى الإستراتيجي، وتدخل على الأقل في حسابات السياسيين الذين يسيّرون دفة أوروبا إن لم تكن على بال مسؤولي البنوك ووزراء المالية الأكثر تعنتًا تجاه أثينا، بيد أن أثينا تدرك أنها لا تزال تمثل أهمية بثقلها الجيوسياسي رُغم أزمتها المالية، وهو ما دفع بالأغلبية على ما يبدو إلى التصويت بـ”لا”.