يستعرض فيلم the pursuit of happiness قصة حياة رجل الأعمال الأمريكي كريستوفر جاردنر.
كل هذه المعاناة ليصل “الرأس عشر غالونات” لحلمه ومبتغاه: السعادة، ومن منا لا يحاول الوصول إليها؟ نقضي كل حياتنا في الدنيا للوصول لجنة الآخرة “السعادة الأبدية”.
رحلة ” الرأس عشر غالونات”، هذا الوصف الذي يصف فيه جد كريس جاردنر “ويل سميث” في الفيلم حفيده معبرًا عن ذكائه.
يتناول الفيلم الأمريكي الدرامي قصة رجل عادي كريس جاردنر، الذي يصارع العديد من المشاكل والعقبات في حياته في سبيل البحث عن السعادة.
دور كريس الذي لعبه الممثل الأمريكي ويل سميث، يسعى بجد ليجد لنفسه عملًا ووظيفة جديدة بعد أن تركته زوجته ليندا بفترة كان الإفلاس فيها ينخر بابه، كان يحب ابنه وعائلته رغم كل شيء ويؤمن بنفسه وقدراته وأنه يستطيع أن يفعل ما يعزم عليه، تحدى نفسه وواصل السعي والمسير، طُرد من منزله لتراكم أموال الإيجار عليه ثم التحق بنزل صغير بسيط، قبل أن يعود فيخفق في تحمل نفقاته.
تقدم لأحد الشركات في وظيفة سيعمل بها مدة 6 شهور كمتدرب، قبل بها وعمل طيلة المدة بجد واجتهاد ومثابرة وأداء متميز حتى استحق الوظيفة استحقاقًا، في هذه الفترة ساءت أوضاعه أكثر حتى أنه نام في ملجأ للمشردين ثم في مرحاض إحدى محطات القطارات.
الفيلم مبني على أحداث قصة حقيقية لرجل الأعمال كريستوفر جاردينر الذي كتب قصته في كتاب بنفس العنوان The Pursuit of Happiness في العام 2006 ثم سرعان ما انتشر وذاع سيطه، ورأى أن قصته تصلح لتكون فيلمًا هولووديًا بامتياز، استعان بالمخرج الإيطالي غابريل موكينو، الذي له بصمة وأسلوب في أعماله والكاتب ستيفن كونراد.
نستطيع أن نقول إن الفيلم فيلم سميثي؛ فقد لعب دور البطولة الممثل الأمريكي المتألق ويل سميث، هذا الممثل المتجدد متطور الأسلوب، وأيضًا ابنه الصغير جيدن سميث، الذي لعب دور ابن كرسيتوفر، برغم فارق السن حيث كان ابنه آن ذاك يبلغ 5 سنوات فقط، شارك سميث في الإنتاج أيضًا، ويذكر أن بطل القصة الحقيقية تردد في اختيار ويل سميث وذلك لقلقه من أنه الشخص المناسب، خاصة وأن سميث اشتهر بأداء أدوار الأكشن والحركة، فطبيعة الدور هنا درامي مؤثر عاطفي، ربما شعوره بالقلق مبرر.
الجميل في الفيلم طبيعة القصة، فهي ليست قصة خيالية ذات مواصفات قياسية مريخية؛ هي شخصية عادية من محيطنا تستطيع أن تراها كل يوم، نعرف الكثيرين مما يتشابهون وكريستوفر، وأيضًا القصة اتسمت بدرجة كبيرة جدًا من الواقعية، فالبطل تعثر ونهض وسعى وازداد وضعه سوءًا ثم تحسن ثم ….، هذه الأحداث هي مواصفات القصة التي يريدها المشاهد العادي، لعل هذا من أهم الأسباب التي ساهمت في نجاح هذا الفيلم بشكل كبير، ومن ثم حصوله على إيرادات عالية في شباك التذاكر، حيث فاقت الإيرادات ميزانية الفيلم التي بلغت 55 ميلون دولار، لتصل أكثر من 310 مليون دولار.
وفق المخرج وفريق العمل باختيار ويل سميث حيث أظهر أداءً استثنائيًا وتلاحم مع الدور وشخصية الفيلم واستطاع بمهارة عالية أن يوصل لنا مشاعر الشخصية ويدفعنا للتأثر بها والتعاطف الكبير معها، واختيار ابنه كذلك جيدين سميث، حيث أضفى ذلك جوًا من الألفة والانسجام والتقارب بين الأب وابنه كما أضفى سلاسة في الحوار، كما أن السيناريو كُتب بطريقة جيدة، كل كلمة في مكانها: المشاهد، اللقطات، الكلوزات، الديكور، الملابس، واختيار المدينة، لويزيانا كان موفقًا، وأيضًا الموسيقى التصويرية كانت مناسبة منسجمة مع سير الأحداث وتتابعها، بحيث استطاعت حمل السيناريو وإنشاء ترابط وتداخل جميل جدًا كان ملفتًا في العمل، لاحقًا تم عمل ألبوم للمقطوعات الموسيقية الواردة في الفيلم وتوزيعها منفردة.
بإمكاننا إذًا أن نقول إنه قد توفر لهذا الفيلم عدد من الأسباب الفنية التي أكسبته نقاطًا عالية واستحسان النقاد المتخصصين واستحسان المتلقي العادي، حيث تحقق بكل وضوح هنا عاملين مهمين لأي عمل سينمائي بصري ناجح، فلا بد أن يبنى على: الإثارة والدهشة، وأن يعلمنا شيئًا جديدًا.
أستطيع أن أقول جازمة إن بعضًا من مشاهد هذا الفيلم ستبقى في أذهان من تابعوه إلى الأبد، ولن ينسوا كلمات كريستوفر لابنه ولا لزوجته، لن تُنسى مقولة الأب لابنه: “إذا كان لديك حلم فعليك أن تحميه، وألا تسمح لأحد بأن يخبرك بأنك لا تستطيع”، جميعنا لديه أحلام، لن تنسى تلك الدموع الحبيسة الصادقة في عينيه، ولن تنسى انحباس أنفاسه عندما أُبلغ بحصوله على الوظيفة، هذا هو الذي دفعني للحديث عنه رغم كل هذه السنوات التي مرت إثر مشاهدته، فهو لا ينسى.
كل هذا قد جعل منه فيلم مهرجانات وجوائز، حيث ترشح لنيل جائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل في2007، وفاز بعدد من الجوائز منها جائزة كابري، وجوائز إم تي في الأفلام، وفاز عن فئة أفضل أداء مُفاجِئ لجيدن الطفل، وأيضًا جائزة اختيار المراهقين كأفضل فيلم دراما، وجوائز أخرى.
كانت نهاية الفيلم مفتوحة تبعث الأمل وتطلق العنان للمشاهد لتصور ماذا سيحدث، مما ناسب طبيعة القصة، وأيضًا مشهد ويل سميث وابنه يمشيان معًا في الشارع وهما سعيدان.
بينما كان يستمع لنكات ابنه ويضحك مر ببطل القصة الحقيقية رجل الأعمال كريستوفر جاردنر في الدقائق الأخيرة من الفيلم وقد تعرف عليه وابتسم ومضى، في لحظة التقاء.
السعادة لا تجتمع في أمر واحد، تسلح بطل القصة بالعزيمة والمثابرة والعمل الدؤوب واستمرار التحرك وعدم الاستسلام والخضوع، كلها رسائل أراد إيصالها لنا الكاتب والمخرج ومن قبلهما رجل الأعمال كريستوفر جاردنر.
أحببنا هذا الأب الذي يسعى ويحاول أن يعلم ابنه ويرعاه احترامًا لعهد قطعه على نفسه، واتخاذه من ابنه رفيقًا في رحلته كان جميلًا مؤثرًا.
هناك حقيقة راسخة تناولها العمل وهي أن الأمور عندما تبدأ بالانهيار يمكنها أن تتحسن، فبعد أن هجرته زوجته خاطبوه في العمل وبدأ مشوارًا جديدًا قاده في النهاية إلى السعادة التي يسعى إليها، وأثبت لنا هذا الفيلم بأنه ما فشل من حاول مائة مرة، وجعلنا نفكر من جديد في هذه الجملة، نسمعها ولكن من داخلنا ربما لا نؤمن بكامل صدقها، إلا أن غابريل وستيفن أخرجا عملاً فنيًا بصريًا سينمائيًا يؤكد صحة تلك المقولة.
لماذا لا توجد في السينما العربية مثل هذه الأعمال؟ لماذا تنحصر أعمالنا السينمائية على القبل والعلاقات الحميمية والمشاهد المثيرة الجارحة؟ أو لماذا يتجه الإنتاج لهذه النوعية من الأفلام ويحجم عن إنتاج أعمال تليق بالشخصية العربية المثقفة الواعية؟ لماذا لا تأخذ السينما دورها الحقيقي في حياة المجتمعات وبناء الوعي والثقافة والحفاظ على الهوية؟
أسئلة عديدة تتبادر للذهن تحتاج أجوبتها أن يتولى كل منا دوره في هذه الحياة.