ترجمة وتحرير نون بوست
كتب جيمس دوبينز وكارتر ملكسيان:
محادثات السلام، أو حتى السلام ذاته، قد يكون في متناول يد أفغانستان؛ فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، مضت أفغانستان، باكستان، وحركة طالبان الأفغانية، في خطوات تقدمية غير متوقعة باتجاه الحوار والتفاوض، وفي أوائل شهر مايو، التقى أعضاء من حركة طالبان والحكومة الأفغانية في قطر، وأعربوا عن اهتمامهم الحقيقي في بدء مفاوضات رسمية، وهي خطوة مشجعة للغاية.
منذ عام 2001، كانت فرص إجراء محادثات السلام تتناوب بين مد وجزر؛ ففي بعض الأحيان، توقفت هذه العملية لأسباب سياسية، كتحفظ الولايات المتحدة عن التفاوض والتعامل مع حركة طالبان، وفي أحيان أخرى، انهارت المفاوضات بسبب سوء التفاهم، أو بسبب الافتقار إلى التوافق السياسي، وحدث التقدم الحقيقي في عملية المفاوضات في عام 2010، عندما تبنت الولايات المتحدة مبدأ محادثات السلام بشكل كامل، باعتباره أفضل وسيلة لإنهاء العنف في أفغانستان، ولكن حتى في ذلك الحين، كان تقدم العملية بطيئًا ومتلكئًا.
ولكن هذه المرة قد تكون مختلفة، كون أشرف غني، الرئيس الجديد لأفغانستان، وضع محادثات السلام في قلب جدول أعماله، كما أن باكستان والصين على حد سواء، تبدوان على استعداد تام للمساعدة على انطلاقة هذه العملية، وحركة طالبان ذاتها ألمحت إلى أنها قد تكون على استعداد لدعم برنامج يضع حدًا للعنف.
في هذه الأثناء، يجب على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه اللحظة، وتفعل جميع ما في وسعها لدفع عملية السلام إلى الأمام، وستحتاج واشنطن إلى استخدام مزيج من سياسة العصا والجزرة في الوقت الذي تبقى فيه ملتزمة بأمن أفغانستان، حيث ينبغي عليها أن تساعد القوات الأفغانية على التماسك والثبات على أرض المعركة، والضغط على باكستان بغية إبقاء حركة طالبان على طاولة المفاوضات، وتقبل واقع أنه في نهاية المطاف بعض التنازلات ستكون ضرورية للمضي بعملية السلام، والأهم من ذلك، ينبغي على أمريكا أن تحافظ على مرونتها التي أبدتها في جدول انسحابها، وأن تبقى ملتزمة بدعم أفغانستان في عام 2017 وما بعده.
بطبيعة الحال، قد لا تسفر محادثات السلام عن تحقيق سلام دائم، فكما أشار أستاذ العلوم السياسية جيمس فيرون، في عام 2007، “16% فقط من الحروب الأهلية وحركات التمرد تنتهي من خلال تسوية سلمية عن طريق التفاوض”، ولكن حتى لو كانت المفاوضات تشكل أملًا بعيد التحقق، بيد أنها الخيار الأفضل لأفغانستان والولايات المتحدة، كون التمسك بالوضع الراهن، سيودع أفغانستان في خضم حرب استنزاف طويلة الأمد، من شأنها أن تدمر البلاد، وتزعزع الاستقرار الإقليمي، وترهق ميزانيات الولايات المتحدة وحلفائها.
خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف
في ديسمبر 2001، التقت مجموعة من مسؤولي طالبان رفيعي المستوى مع حامد كرزاي، الذي كان سيصبح عمّا قريب رئيس أفغانستان، والذي كان مقاتلوه، المعادون لطالبان، يتقدمون نحو قندهار عاصمة طالبان جنوبي البلاد، ووفقًا للصحفيين أناند جوبال وبيتي دام، كان أعضاء الوفد على استعداد لإلقاء أسلحتهم مقابل الحصانة من المساءلة، حيث سلموا كرزاي رسالة موقعة ربما من القائد الأعلى لحركة طالبان، الملا عمر، تحتوي تفاصيل حول الكيفية التي ستتنحى بها طالبان سلميًا مقابل الحصانة، ولكن هذه الفرصة لم تؤتِ ثمارها، تبعًا لرفض المسؤولين الأمريكيين منح الحصانة للملا عمر، وحينها تقدمت القوات الأمريكية والأفغانية بشكل حاد في مدينة قندهار، وسواء لهذه أو لأسباب أخرى، اضطر الملا عمر والجزء الأكبر من قيادة طالبان متابعة القتال، وبسبب غضبها من أحدث 11 سبتمبر، وثقتها العالية إبان الانتصارات الميدانية التي حققتها، رفضت الولايات المتحدة تضمين طالبان بتسوية ما بعد الغزو.
في عام 2002، تواصل وفد رفيع المستوى من طالبان مع كرزاي مرة أخرى، ولكن عندما أفصح الأخير عن هذه المساعي للمسؤولين الأمريكيين، ثنته أمريكا بعنف عن محاولات حكومته للتفاوض مع طالبان، وفي ذات العام، عمدت القوات الأمريكية إلى اعتقال وزير الخارجية الطالباني السابق، وكيل أحمد متوكل، لدى وصوله إلى كابول للاجتماع مع الحكومة الأفغانية، وبحلول عام 2003، حوّلت طالبان تركيزها إلى الاستيلاء على الأراضي، وبمجرد مباشرة طالبان لهجماتها في عام 2006، تلاشت جميع المحاولات التي تهدف إلى جس النبض للدخول في مفاوضات السلام.
الأشهر الأخيرة من حكم بوش شهدت استعادة لزخم مفاوضات البدء بمحادثات السلام؛ فضمن حركة طالبان، أبدى الفصيل المعتدل مصلحته في المفاوضات، وفي عام 2008، سمح الملا عبد الغني بردار، نائب الملا عمر، لتابعيه الاجتماع مع مسؤولين في الحكومة الأفغانية تحت رعاية السعودية، وبدأ أيضًا بعمليات تواصل مباشرة مع أفراد أسرة كرزاي، الذي تصادف كونهم من ذات قبيلته، وفي ذات الفترة تقريبًا، بدأ وفد طالبان اجتماعاته مع كاي إيدي، مبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان حينها، في دبي، ولكن جميع هذه المفاوضات والاجتماعات توقفت في فبراير 2010، عندما اعتقلت السلطات الباكستانية الملا بردار في كراتشي، وهي خطوة تم تفسيرها على نطاق واسع على أنها فيتو باكستاني ضد المفاوضات المباشرة بين كابول وطالبان، وكما صرّح مسؤول أمني باكستاني لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2010: “نحن اعتقلنا بردار، لأن طالبان كانوا يحاولون عقد صفقة بدوننا، نحن نحمي طالبان، وهي تعتمد علينا، ولن نسمح لهم بإبرام اتفاق مع كرزاي والهنود”.
وفي ذات الفترة تقريبًا، بدأت فكرة مفاوضات السلام تلقى زخمًا كبيرًا في الأوساط السياسية الأمريكية، وكان المناصر الأول لهذه الفكرة داخل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والمدافع الشرس عنها، هو ريتشارد هولبروك، الممثل الخاص لأوباما حينها في أفغانستان وباكستان، وبارنيت روبين، أحد كبار مستشاري هولبروك، وفعلًا في مايو 2010، زار كرزاي واشنطن، ورفع أوباما الحظر المقرر في عهد بوش على المفاوضات مع قيادة طالبان، ونتيجة لذلك، وفي وقت لاحق من ذات الشهر، عقد كرزاي “لويا جيرغا”، أو مجلس المصالحة الموسع، لمناقشة إمكانية إجراء مفاوضات سلام، وفي سبتمبر من ذات العام، أسس كرزاي المجلس الأعلى للسلام، ليكون الواجهة العامة لجهود السلام القائمة، وهي هيئة مؤلفة من 70 عضوًا، برئاسة الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني، وتضم قادة من المجاهدين الأفغان، وأعضاء سابقين من حركة طالبان.
تزامنت هذه التحركات في الداخل الأفغاني، مع تشجيع البيت الأبيض لعقد لقاء ما بين الأخضر الإبراهيمي، مسؤول سابق من الأمم المتحدة في كابول، وتوماس بيكرينغ، الوكيل السابق في الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، لبحث إمكانية إجراء محادثات سلام في أفغانستان، وفعلًا قاد المسؤولان مجموعة دولية مؤلفة من لفيف من الدبلوماسيين، الذين سافروا إلى أفغانستان وباكستان، واجتمعوا مع ممثلين سابقين ونشطين من حركة طالبان، وأودعوا تقريرهم لواشنطن، مفصحين فيه عن أن طالبان كانت مهتمة بإمكانية إجراء محادثات مع الولايات المتحدة.
كرة مفاوضات السلام بدأت حينها بالتدحرج والتوسع؛ ففي نوفمبر 2010، اجتمع في ألمانيا لأول مرة، دبلوماسيون أمريكيون مع ممثلين عن حركة طالبان، وفي فبراير 2011، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، هيلاري كلينتون، أن الولايات المتحدة مستعدة رسميًا لبدء مفاوضات السلام، واستتبعت ذلك بإلقاء بعض الشروط حول ضرورة شمول أي تسوية لإلقاء حركة طالبان لأسلحتها، وقبولها بالدستور الأفغاني، وقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة، وتبع ذلك فترة من الجمود، من بعدها تم استئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وممثلي طالبان في أواخر عام 2011، واستمرت حتى الأشهر الأولى من عام 2012، ولكن عند هذه النقطة توقفت طالبان عن المحادثات، وذلك إبان طلب واشنطن بأن تبدأ طالبان بالتفاوض مع كابول.
وهكذا تم تفويت الفرصة الكبيرة من خلال الفشل في بدء عملية السلام في ذروة الضغط الأمريكي، وفي خضم قيام قوات حلف شمال الأطلسي باستعادة السيطرة على مساحات كبيرة من معاقل طالبان في قندهار، وهلمند، والمحافظات المجاورة، وفي الحقيقة المسؤولية عن هذا الفشل يتقاسمها جميع الأطراف؛ فعلى الجانب الأفغاني، لم يألُ كرزاي عن بذل قصارى جهده لعرقلة العملية، كونه كان يخشى أنها ستؤدي إلى تهميشه، ومطالبة حكومته بافتتاح محادثات مباشرة مع طالبان، أما بالنسبة لطالبان فقد رفضت التفاوض مع كابول، إلا بعد إطلاق سراح عدد من قادتها السابقين المعتقلين في معتقل غوانتانامو التابع لأمريكا في كوبا، ومن جانبها، فقد تابعت الولايات المتحدة عرض كلينتون الأولي للتفاوض بحذر شديد، وكانت جهودها مترددة ومعاقة بالمشاحنات الجارية ما بين الأطراف الداخلية، حيث إن وزارة الدفاع لم تتفق مع وزارة الخارجية على مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالمفاوضات؛ فعلى سبيل المثال، الجنرال ديفيد بتريوس، الذي قاد بعثة حلف شمال الأطلسي الأمنية إلى أفغانستان بين عامي 2010 و2011، فضّل الامتناع عن متابعة محادثات السلام حتى تحقيق نجاحات عسكرية أكبر، كما اعترض مسؤولون آخرون في البنتاغون على اقتراح قيام الولايات المتحدة بالإفراج عن سجناء من غوانتانامو في مقابل الإفراج عن بيو بيرغدال، وهو رقيب بالجيش الأمريكي كانت تحتجزه حركة طالبان؛ لذا كان البيت الأبيض بطيئًا بالتوصل إلى اتفاق بشأن دفع محادثات السلام قدمًا، وهكذا انسلت الفرصة من بين أصابع الجميع.
استمرت مناورات المد والجزر في المفاوضات حتى عام 2013، وحينها، أرسلت طالبان إشارات إلى واشنطن توضح أنها على استعداد لإعادة فتح محادثات السلام، وهي مستعدة كذلك للقاء الحكومة الأفغانية، ومن خلال الوسطاء في قطر، خططت طالبان لفتح مكتب سياسي في الدوحة مخصص للمفاوضات، ولكن هذه المبادة تعثرت في آخر لحظة، نتيجة لسوء الفهم الذي اكتنف المبادرة، حيث إن قادة طالبان كانوا يدركون بأن المسؤولين الأمريكيين والأفغان كانوا يرفضون محاورتهم باعتبارهم ممثلين لإمارة أفغانستان الإسلامية، وهو الاسم الذي تبنته حكومتهم السابقة، ولكنهم كانوا يعتقدون، بالاستناد جزئيًا على محادثاتهم مع المسؤولين القطريين، أنه يمكنهم استخدام هذه الاسم لتقديم أنفسهم للعالم الخارجي؛ لذا، عندما تم افتتاح مكتب طالبان في الدوحة، تم وضع علم إمارة أفغانستان الإسلامية أمامه، وكانت اللوحة التعريفية أمام المكتب تتضمن هذا الاسم، من جهتها، فإن الولايات المتحدة، وبعد أن تلقت تأكيدات من الحكومة القطرية بأن المكتب لن يصف نفسه بأنه جزء من الإمارة الإسلامية، طالبت المسؤولين القطريين بإزالة العلم واللافتة، وردًا على ذلك، أُغلق مكتب طالبان، وقُطعت جميع الاتصالات مع واشنطن وكابول.
هذه التجربة لقنت درسًا لكلا الجانبين، يتمثل بوجوب كونهما أكثر حذرًا عند الاتصال من خلال طرف ثالث، وفي عام 2014، تم معاودة الاتصال ما بين طالبان وأمريكا مرة أخرى من خلال الوسطاء القطريين، وتوصل الطرفان هذه المرة إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن بيرغدال، مقابل نقل خمسة مسؤولين سابقين في طالبان من معتقل غوانتانامو إلى الدوحة، حيث يبقون هناك لمدة عام، ومع ذلك، لم يكن الاتفاق مثاليًا، كونه أثار جدلًا حامي الوطيس في الأوساط العامة الأمريكية، حول مدى شرعية القبول بمعدل خمسة سجناء مقابل واحد، وعمّا إذا كان ينبغي على الحكومة إخطار الكونغرس قبيل عقد الصفقة، لكن فوق كل اعتبار، أثبتت هذه العملية لكل جانب أن الطرف الآخر يفي بوعوده بمجرد التوصل إلى اتفاق، وبجميع الأحوال، لم يبدِ الطرف الأمريكي أو الطالباني أي محاولة لمتابعة هذا النجاح، وتوقف زخم محادثات السلام مرة أخرى.
الفرصة الذهبية
بعد فترة من الصمت الذي أعقب الاتفاق الثنائي الأمريكي – الطالباني، سنحت الفرصة مجددًا لإجراء محادثات السلام، حيث عاد الموضوع ليطفو فجأة على السطح في فبراير من هذا العام، وهذه المرة، مع احتمالات نجاح قد تكون أفضل من أي مرة سابقة؛ ففي فبراير، زار كابول قائد الجيش الباكستاني، الجنرال رحيل شريف، ونقل إلى الرئيس الأفغاني المنتخب حديثًا، استعداد طالبان للبدء بالاجتماعات الرسمية مع الحكومة الأفغانية في وقت مبكر من الشهر المقبل، وأوضح أن جهود طالبان مدعومة من باكستان، التي ترى بأنه لم يعد من المقبول الاستمرار في الحرب، وفعلًا، في أوائل شهر مايو، اجتمع أعضاء رفيعو المستوى من حركة طالبان علنًا، ولكن بشكل غير رسمي، مع أعضاء من المجلس الأعلى للسلام الأفغاني في قطر، وخلال الاجتماع، أكد المشاركون من طالبان اهتمامهم بمحادثات السلام، ورغبتهم بإعادة افتتاح مكتب الدوحة.
العديد من العوامل تساهم بجعل هذه الفرصة، بشكل خاص، واعدة بشكل أكبر من غيرها، والسبب الأول والأساسي في ذلك، هو القيادة الجديدة في كابول، كون كرزاي كان يتمتع بعلاقة متوترة ومتشنجة مع الولايات المتحدة؛ فهو سبق واشنطن بعقد من الزمن في سعيه للحل التفاوضي مع حركة طالبان، ولكن بحلول الوقت الذي اقتنع فيه المسؤولون الأمريكيون برأيه، كان كرزاي قد فقد ثقته بهم، ولقناعته بأن الولايات المتحدة تسعى لعقد صفقة منفصلة مع طالبان، من شأنها تقسيم أفغانستان، سعى كرزاي لاحتكار أي محادثات مع المجموعة، وبدأ يظن بأن الولايات المتحدة تسعى متعمدة إلى تقويض المفاوضات في محاولة منها لإطالة أمد الحرب، والحفاظ على وجودها العسكري في المنطقة، أما مبادرات الحكومات الأخرى، مثل فرنسا واليابان، اللتان حاولتا تشجيع الحوار بين الأطراف الأفغانية، فقد لاقت اعتراضًا من كرزاي، كونه كان يشعر بأنها تحط من مستوى حكومته وتنظر إليها كمجرد فصيل أفغاني آخر.
ولكن الآن، من المتوقع أن يكون غني، الذي خلف كرزاي رئيسًا للبلاد في أواخر عام 2014، نوعًا مختلفًا من الزعماء، حيث عمل هو وعبد الله عبد الله، رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، على تأسيس حملتيهما الانتخابية بناء على دعمهما لمحادثات السلام، وعلى عكس كرزاي، يبدو أنهما على استعداد لتقديم تنازلات، والعمل مع الحكومات الأخرى للوصول إلى هذه النتيجة، وكموافقة ضمنية منه على الرغبة الصينية في المساعدة على استهلال محادثات السلام، ذهب غني إلى بكين الأسبوع الماضي لمناقشة عملية السلام مع ممثلين من الصين وباكستان والولايات المتحدة، وخلال الزيارة، شجع غني الحكومات الأخرى على دعم عملية المصالحة في بلاده.
التطور الواعد الثاني، الذي يرجح من احتمالية كون هذه الفرصة متواتية أكثر من غيرها، هو الموقف الإيجابي الذي تتبناه باكستان تجاه المفاوضات؛ فمنذ عام 2002، ساعدت باكستان حركة طالبان عن طريق تأمينها بملاذ آمن للاختباء، ومكان تنعم فيه بالراحة والفرصة لإعادة تنظيم الصفوف، وبرويز مشرف، الذي شغل منصب الرئيس الباكستاني من عام 2001 وحتى 2008، اعترف بأن حكومته ساعدت عمدًا حركة طالبان بغية تأمين مصالح بلاده في أفغانستان، ومواجهة النفوذ الهندي في المنطقة، ورغم تعهد القادة المدنيين والعسكريين في باكستان في السنوات الأخيرة، بوضع حد لهذه الممارسة، بيد أن هذه الوعود لم تسفر حينها إلا عن القليل على أرض الواقع؛ فعلى الرغم من أن باكستان قد لعبت أحيانًا دورًا إيجابيًا في عملية المصالحة، كإفراجها عن الملا بردار، على سبيل المثال، لكنها لم تُحضر بتاتًا كبار قادة حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات.
ولكن يبدو أن هذا الوضع يتغير؛ فمنذ فبراير، يجتمع المسؤولون الباكستانيون مع قادة طالبان ويحثوهم على الانخراط بالمفاوضات، وعلى الرغم من أن القيادة الباكستانية منقسمة حول مدى شدة الضغط الذي يجب ممارسته على طالبان في السعي نحو مفاوضات السلام، بيد أن إسلام أباد يبدو أنها تشعر بأن حصتها في أفغانستان السلمية هي أهم وأخطر مما كانت تعتقده سابقًا؛ فبدون وجود خطة مفاوضات سلام، سيكون رحيل القوات الأمريكية واقعًا لا ينذر خيرًا بالنسبة لباكستان، فصحيح أن انسحاب هذه القوات سيعطي طالبان الفرصة للاستيلاء على المزيد من الأرض، مما سيزيد النفوذ الباكستاني في أفغانستان، لكن الحكومة الأفغانية عندئذ ستتحول بالتأكيد إلى الهند من أجل المال والسلاح، تاركة باكستان من خلال ذلك لتخوض حربًا بالوكالة على المدى الطويل ضد منافستها، أو قد يحصل السيناريو الأسوأ، الذي يتمثل بانضمام أفغانستان إلى المحمية الهندية في شمال البلاد، وبالنسبة لباكستان، فإن هذه النتيجة – جدلًا – هي أسوأ وأشد وطأة من أفغانستان محايدة، وملتزمة بالبقاء بعيدًا عن التنافس الهندي الباكستاني.
وفضلًا عما تقدم، فإن النجاحات الميدانية لطالبان في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي، قد تحمل في طياتها مشاكل أخرى لباكستان، متمثلة بتنامي تهديد المتطرفين ضمن باكستان؛ فحركة طالبان الأفغانية التي ستكتسب ثقة إبان نجاحاتها في أفغانستان، قد تبدأ بالتعاون بشكل أكثر متانة مع حركة طالبان الباكستانية، والملاذات الآمنة للإرهابيين الباكستانيين قد تظهر على الجانب الأفغاني من الحدود، وهو الخوف المستمر الذي يقض مضجع الحكومة الباكستانية، حيث تم تأكيد هذه المخاطر في 16 ديسمبر من عام 2014، عندما هاجمت طالبان الباكستانية مدرسة الجيش العامة في مدينة بيشاور، شمال غرب باكستان، مما أسفر عن مقتل 132 تلميذًا.
إذا بدأت باكستان تدرك أنها ستتمتع بمكاسب من أفغانستان بقيادة غني، تنوف عن المكاسب التي قد تحظى بها من أفغانستان بقيادة طالبانية، فإن هذا التغير في وجهات النظر، يعود بجزء منه للحكومة الأفغانية الجديدة؛ ففي حين أن كرزاي سمح للعلاقات الأفغانية – الباكستانية بالتعكر والانحطاط، حتى إنه وقّع في عام 2011 اتفاقية شراكة إستراتيجية مع الهند، فإن غني قد بذل جهودًا كبيرة لطمأنة إسلام اباد، وذهب أبعد من ذلك من خلال اتخاذ إجراء عسكري ضد طالبان الباكستانية وإلغاء صفقة الأسلحة مع الهند، ومع ذلك، فإنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت باكستان ستلقي بكامل ثقلها للمضي بمفاوضات السلام، بالنظر إلى أن قسمًا من المسؤولين الباكستانيين وضباط الجيش لا يرون التقارب مع أفغانستان على أنه الوسيلة الأفضل لتأمين البلاد ضد الهند.
بالإضافة إلى ما تقدم، لعبت الصين دورًا هامًا في حشد الدعم الباكستاني لمحادثات السلام، فعقب زيارة غني لبكين، استضافت الحكومة الصينية وفودًا من طالبان، وعرضت مساعدات إضافية لباكستان لتشجيع طالبان على الانضمام إلى عملية السلام، والجدير بالذكر هنا بأن طلبات الصين لها وزن لا يستهان به في باكستان، كون الصين وباكستان تتمتعان بعلاقات ثنائية طويلة ووثيقة.
تحتفظ الصين بمصلحة وجيهة في سعيها لاستقرار أفغانستان، كونها تطمح إلى منع التطرف من الانتشار إلى غرب الصين في شينجيانغ، وهي المنطقة التي تضم عددًا كبيرًا من السكان المسلمين، كما أن الصين تمتلك وتشغّل استثمارات معدنية ضخمة واستثمارات هائلة في مجال الطاقة في أفغانستان، مما يعني أن مصالحها هذه ستتقوض وتنهار، في حال تمزقت البلاد جرّاء حرب أهلية، ومن وجهة نظر أوسع، تستعد الصين للعب دورًا أكبر في تعزيز الاستقرار الإقليمي، بالتزامن مع ارتقاء مكانتها كقوة عالمية عظمى، لاسيما وأن دور الولايات المتحدة العالمي آخذ بالتراجع في هذه الحقبة.
ما الذي تريده طالبان
من بين مختلف الأطراف المعنية، قد تكون حركة طالبان ذاتها هي الأكثر ترددًا في الانخراط بعملية التفاوض، فالفصيل المعتدل داخل الحركة، بما في ذلك أعضاء مجلس شورى كويتا، وهو مجلس القيادة العليا للحركة، والزعماء الدينيين النافذين، يرغبون بوضع حدًا لسنوات من إراقة الدماء، ولكن قادة طالبان الآخرين، مثل نائب الملا عمر الحالي، الملا أخطر محمد منصور، اتخذوا موقفًا أكثر تشددًا؛ فمن خلال رصده لعودة بزوغ نجم حركة طالبان بعد الـ 2001، يرى منصور بأن الحركة تمتلك فرصًا محققة للفوز الصريح في الحرب الطويلة الأمد، وتشير التقارير الإخبارية أن هذا الانقسام الداخلي هو الذي يعمل على إعاقة وتأخير جلوس طالبان على طاولة المفاوضات.
بشكل عام، وسواء بالنسبة لمتشددي الحركة أو لمعتدليها، فإن حركة طالبان لم تتوقف عن القتال، ومن المرجح ألا تعمد إلى القيام بذلك قبل اختتام أي مفاوضات قد تخوضها؛ ففي عام 2014، أطلق مجلس شورى كويتا أكبر هجوم له منذ سنوات، دحر من خلاله القوات الأفغانية في إقليم هلمند الجنوبي، وضرب محافظات قندهار، قندو، ونانغارهار، وتشير مصادرنا من على الأرض، بأن طالبان ستعمل – على الأرجح – على محاولة السيطرة على المزيد من الأراضي في هذا العام وفي العام المقبل، بما في ذلك عواصم المحافظات، وإذا أصبح فوز طالبان الصريح على أرض المعركة أمرًا ممكنًا، فمن غير المرجح بعدئذ، أن ينخرط قادة الحركة في المفاوضات، ورغم أن باكستان والصين قد تكونا قادرتين على ممارسة بعض التأثير على حركة طالبان، إلا أن مجلس شورى كويتا سيعمل يقينًا على مقاومة الضغوط الأجنبية التي يراها تخرج عن مصلحته.
وإذا قررت طالبان المشاركة فعلًا في محادثات السلام، فإن السؤال الذي يبزغ بالتالي يتمثل بـ “إلى أي مدى ستكون الجماعة مستعدة لتقديم التنازلات؟”.
وفقًا لبعض الخبراء بالشأن الأفغاني، مثل توماس روتيغ، مايكل سمبل، وثيو فاريل، يتوجب على طالبان إبداء استعدادها لتلبية أهم شرط من شروط الولايات المتحدة الثلاثة للسلام، ألا وهو التخلي عن تنظيم القاعدة، علمًا أن الكثير من قادة طالبان نفوا أي رغبة لهم في إعلان الجهاد العالمي، وفي عام 2009، أعلن مجلس شورى كويتا أنه إذا غادرت القوات الأجنبية أفغانستان، فإن طالبان لن تسعى لمهاجمة دول أخرى، كما أنها لن تدع الجماعات الإرهابية الخارجية تستخدم أفغانستان كقاعدة لعملياتها الجهادية، كما أوضحت طالبان أيضًا أنها سوف تتخلى رسميًا عن ارتباطها بتنظيم القاعدة بمجرد تحقيق مطالبها في اتفاق السلام.
ولكن نقطة الخلاف الأكبر تتمثل بموافقة طالبان على الدستور الأفغاني، كونه وبالنسبة للكثيرين في طالبان، موافقة طالبان على الدستور – إن حصلت – لا يمكن تبريرها، لأن الموافقة ستجبر الحركة على الاعتراف بشرعية نظام يعتبرونه ألعوبة بيد الغرب، كما أن طالبان تسعى من خلال دخولها للمفاوضات إلى انتخاب حكومة جديدة، تتوقع أن يكون لها حصة فيها، ومن هذا المنطلق، فإن اتفاق السلام لا يعني وقف إطلاق النار فحسب، وإنما أيضًا إعادة صياغة مفهوم الدولة الأفغانية.
من المرجح أن يكون مطلب إجلاء كافة القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية هو الطلب الرئيس الآخر لطالبان، كون الاحتلال الأجنبي هو السبب الرئيس لجهاد الحركة، وفي اجتماع مايو في قطر، ألمح المشاركون من طالبان بأنهم لن يقبلوا وقف إطلاق النار إلا بعد انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية، ونظرًا لبروز وأهمية هذه المسألة، ما من شك بأن موقف طالبان الأوّلي في أي مفاوضات سيتجه نحو الضغط على انسحاب جميع القوات الأمريكية.
بطبيعة الحال، المتشددون داخل حركة طالبان، أو حتى داخل الجماعات الخارجية، مثل الدولة الإسلامية “داعش”، قد يعملون دائمًا على أخذ زمام الأمور على عاتقهم، فإذا اغتال المتطرفون الملا عمر، على سبيل المثال، فإن المفاوضات ستنهار، وعلى الرغم من أن الدولة الإسلامية، في الوقت الحالي، لا تمتلك سوى تأثير ضئيل في أفغانستان، بيد أن وفاة زعيم مثل الملا عمر سيتيح للمجموعة كسب موطئ قدم في البلاد، والقضاء على متشددي الحركة، والاستمرار بحرب أشد عنفًا وشراسة.
الحرب والسلام
نافذة صغيرة فُتحت، تحمل فرصة للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض للأزمة الأفغانية، ويجب على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة بقدر ما تستطيع، ورغم أن جميع الأطراف متفقة على أن المحادثات يجب تتم بقيادة أفغانستان، ولكن ثلاثة لاعبين إقليميين على الأقل، الصين، باكستان، والولايات المتحدة، سوف يتدخلون بهذه المحادثات بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن جهتها، يتوجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خمس خطوات ملموسة، للحفاظ على مضي المفاوضات قدمًا.
أولًا، يجب على الولايات المتحدة بذل قصارى جهدها لمنع تحقق أي انتصارات لطالبان على نطاق واسع، كون السلام يبدأ من ساحة المعركة؛ فإذا استولت طالبان على المزيد من الأراضي، وبالأخص على عواصم المقاطعات، فإن مجلس شورى كويتا لن يرى سببًا مقنعًا للمساومة، معتبرًا أن هزيمة الحكومة الأفغانية باتت وشيكة، ومن هذا المنطلق، فإن موسم القتال الصيفي سيكون حاسمًا بشكل خاص لصنع القرار الطالباني، حيث إن القيادة ستلاحظ النجاحات والإخفاقات على أرض المعركة لتقرر ما إذا كانت الحرب سوف تكون أكثر إفادة لها من السلام، وبالتالي يمكن للأداء المتين والمتماسك للجيش الأفغاني أن يوجه ضربة قاصمة لثقة طالبان، ويدفعها قدمًا نحو عملية السلام.
لتعزيز القدرات العسكرية الأفغانية، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها مواصلة تقديم الدعم المالي والمادي حتى يتم التوصل إلى تسوية، وربما ما بعد التوصل لهذه التسوية أيضًا، فأوباما اتخذ قرارًا صحيحًا وملائمًا في مارس، عندما وافق على الطلبات الأفغانية لإبطاء سحب القوات الأمريكية من البلاد، واعدًا بالحفاظ على قوة أمريكية قوامها 9800 جندي حتى نهاية عام 2015، وينبغي على أوباما أن يكون على ذات القدر من المرونة عندما يتعلق الأمر بسحب القوات في عام 2016 و2017، كما يجب عليه أيضًا الاستمرار بمنح القوات الامريكية سلطة لتنفيذ عمليات خاصة وغارات جوية محدودة، لأن كلاهما يمنحان الجيش والشرطة الأفغانية ميزة تقدم إستراتيجية، فضلًا عن أنه لا ينبغي استبعاد تنفيذ ضربات ضد أعضاء شورى كويتا في أفغانستان وباكستان، سيّما وأنها قد تشكل ضغطًا إضافيًا لوضع طالبان في مسار المفاوضات، إذا لزم الأمر.
ثانيًا، يجب على الولايات المتحدة أن تضع ثقلها، من خلف الكواليس، لمساعدة غني وعبد الله على تشكيل حكومة منضبطة وقوية، قادرة على أداء أعمالها التنفيذية اللازمة لخوض الحرب أو للتوسط في السلم؛ فحتى الآن، شكلت الحكومة الأفغانية نموذجًا صريحًا للتردد، حتى إن غني وعبد الله استغرقا سبعة أشهر لاختيار مجلس وزرائهما فقط، وهذا الجمود، سواء في المناصب الوزارية أو في السياسة العسكرية، يقوي من عزيمة وشوكة مجلس شورى كويتا، وبالمختصر، الحكومة الضعيفة والمفككة سوف تقوض محادثات السلام؛ لذا ينبغي على الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع بقية المجتمع الدولي، الاستمرار بالضغط على كلا المعسكرين ليعملا معًا بشكل أكثر فعالية.
ثالثًا، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على دفع باكستان للانخراط في المحادثات، وأن تبذل ما في وسعها لضمان دفع إسلام أباد لحركة طالبان للجلوس إلى طاولة المفاوضات، علمًا أن أمريكا لديها الكثير من المصالح في باكستان، بما في ذلك تأمين الأسلحة النووية الباكستانية، والعمل مع إسلام أباد للتخلص من تنظيم القاعدة، وهذه المصالح صرفت الاهتمام والتركيز الأمريكي عن إنهاء دعم باكستان لحركة طالبان، ولحسن الحظ، فإن انسحاب القوات الأمريكية سيقوض أحد هذه المصالح إلى حد كبير، المتمثلة باعتماد الجيش الأمريكي على الموانئ والطرقات الباكستانية لدعم وجوده في أفغانستان؛ لذا ينبغي على واشنطن أن تعلق مساعداتها العسكرية والمدنية الكبيرة لباكستان، على موافقة الأخيرة على دعم عملية السلام، والتوقف عن تزويد حركة طالبان بالملاذات الآمنة.
رابعًا، يتعين على الولايات المتحدة أن تقبل واقع أن التسوية السلمية القابلة للتطبيق، يجب أن تتضمن دستورًا أفغانيًا جديدًا أو ترتيبات مؤسساتية جديدة، تسمح لطالبان بأن تصبح جزءًا مشروعًا من الحكومة الأفغانية، وفي الواقع، يجب على واشنطن أن تفترض أن أعضاء اللويا جيرغا، الذي يضم ممثلين عن طالبان والحكومة الأفغانية والمجتمع المدني، سيعملون معًا على تعديل الدستور الحالي أو كتابة دستورًا جديدًا كليًا، ولكن من خلال إعادة الهيكلة هذه، قد تتعرض بعض الحريات المدنية للخطر، وخاصة حقوق المرأة، آخذين بعين الاعتبار آراء طالبان المحافظة والمتشددة تجاه النساء، وبالتالي، قبل أي اتفاق لوقف إطلاق النار، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى للحصول على تعهدات من جميع الأطراف بترك ضمانات الحقوق المدنية الحالية دون تغيير في الدستور الجديد.
الخطوة الخامسة ستكون واجبة التطبيق فقط في حال تم التوصل إلى تسوية، فعند هذه النقطة، يتوجب على الولايات المتحدة إبقاء قواتها على الأرض، حتى حسم النقاشات حول الدستور، وانتهاء أي انتخابات لاحقة لهذه النقاشات، وحتى عندما سيتم سحب جميع القوات الأمريكية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تبقى ملتزمة بشراكة إستراتيجية مع أفغانستان، وأن تستمر في توفير مستوى أساسي من المساعدات العسكرية للدولة، وحصول خلاف ذلك، قد يهدد برجحان ميزان القوى نحو كفة حركة طالبان، مما قد ينجم عنه تقويض عملية السلام برمتها.
معظم الخبراء في الشأن الأفغاني يعتقدون بأن الحرب هناك ستستمر لسنوات قادمة، وجميعهم يتفقون عمومًا بأن الحكومة الأفغانية ستبقى في السلطة، فقط في حال استمرار المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية، وبدونها ستسود الجماعات المتشددة العنيفة الأرض بحرية.
عملية السلام تقدم مستقبلًا بديلًا، مستقبلًا ينبغي على الولايات المتحدة أن تواصل سعيها الدؤوب لتحقيقه بعزم وصبر وتؤدة، ونجاح هذا المستقبل لا يزال أبعد ما يكون عن كونه مضمونًا، وفي الواقع، احتمالات نجاحه ضعيفة، ولكنها محاولة تستحق بذل الجهد، كون البدائل ستكون مكلفة للغاية.
أحد هذه البدائل يتمثل باستمرار الحكومة الأمريكية بتمويل قوات الأمن الأفغانية، بمبالغ تتراوح ما بين 2 و5 مليارات دولار سنويًا، والسماح للحرب بالمضي قدمًا، وفي هذا السيناريو، سيكون نصر الحكومة الأفغانية أمرًا غير مرجح، حتى لو استبقت إدارة أوباما القوات العسكرية في أفغانستان لما بعد عام 2016، أما الخيار الآخر، فيتمثل بخروج أمريكا من أفغانستان، وقطع التمويل، وقبول نتائج هذا القرار المتمثلة بعودة طالبان بقوة إلى كابول.
في كلتا الحالتين، قد تُغرى الولايات المتحدة للمراهنة على أن المصلحة المشتركة للحكومات الأفغانية والباكستانية والصينية، المتمثلة بتجنب الاضطراب في المنطقة، سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إطلاق عملية السلام، ولكن هذه ستكون مقامرة خطرة، لأنه بدون ضغوط الولايات المتحدة على جميع اللاعبين المعنيين، قد لا تنطلق المفاوضات بتاتًا، وسيصبح الوضع حينها ممهدًا بسهولة للانحدار نحو حرب أهلية شاملة ومدمرة، وفي هذه الحالة، فإن التطرف سيطرد وينمو، خاصة مع ضعف احتمالات قيام طالبان حينها بقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة من جانب واحد، واحتمالية عدم قدرة الحركة على وقف تمدد تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية نحو الأراضي الأفغانية، وإذا كان هناك أي درس مُستفاد من تجربة العراق، فهو يتمثل بأن الانسحاب الكامل قد لا يقف بوجه انجرار الولايات المتحدة للسقوط قدمًا في مستنقع الأحداث.
المصدر: فورين أفيرز