الحدث
إلى حيث المتعة والمرح، إلى حيث المهارة والجنون، إلى القارة الأمريكية الجنوبية، وتحديدًا إلى ساحلها الغربي حيث تقع جمهورية تشيلي، اتجهت أنظار عشاق الساحرة المستديرة لتتابع أمتع السهرات اللاتينية وأشهى الوجبات الكروية على مائدة البطولة القارية الأعرق على الإطلاق، بطولة أمم أمريكا اللاتينية بكرة القدم (كوبا أمريكا)، والتي اُختتمت فعّالياتها التي جرت على مدار 24 يومًا في ثمانية مدنٍ تشيلية، وكانت الكلمة الفصل في آخر المطاف للمنتخب التشيلي صاحب الأرض والضيافة، الذي استطاع أخيرًا تدوين اسمه في السجل الذهبي للفائزين بكوبا أمريكا.
كيف جرت أحداث ووقائع هذه البطولة؟ ومن كان أبرز نجومها وأكثر من خيّب الآمال فيها؟ ما هي أهم اللقطات والإحصائيات التي سُجلت خلالها؟ وماذا عن تاريخ كوبا أمريكا وذكرياتها؟ كل هذه التساؤلات وغيرها ستجدون لها الإجابات الشافية في سياق التقرير التالي:
لمحة تاريخية
اتسمت هذه البطولة عبر تاريخها بالعشوائية وغياب الانتظام، فأول انطلاقة لها كانت عام 1916، عندما استضافت الأرجنتين جيرانها منتخبات البرازيل والأورغواي وتشيلي في بطولةٍ رباعيةٍ أقامتها بمناسبة الذكرى المئوية لاستقلالها، اتُفق على اعتبارها أول نسخ (بطولة أمريكا الجنوبية للمنتخبات)، وقد حمل منتخب الأورغواي لقب تلك البطولة، التي استمرت تقام بشكل شبه سنوي حتى عام 1930، حين استضافت الأورغواي أول نسخ بطولة كأس العالم الدولية، فسرقت الاهتمام من البطولة القارية، مما تسبب بتوقفها لمدة خمس سنوات، قبل أن تستأنف عام 1935، وتستمر بشكل غير دوري وبمشاركة كيفية من المنتخبات حتى نهاية الخمسينيات.
وفي الستينيات أُقيمت البطولة مرتين فقط، توقفت بعدها لمدة ثماني سنوات حتى نسخة عام 1975، التي شهدت تغيير اسمها ليصبح (بطولة كوبا أمريكا لكرة القدم).
وظلت البطولة تقام كل أربع سنوات حتى عام 1987، حيث أصبحت البطولة تقام كل عامين بنظام المداورة ين منتخبات أمريكا اللاتينية العشرة، واكتملت سلسلة المداورة الأولى عام 2007 باستضافة فينزويلا، وبدأت سلسلة المداورة الثانية في النسخة الماضية من البطولة التي استضافتها الأرجنتين، وكان مقررًا للبطولة الأخيرة – التي حملت الرقم 44 – أن تقام في البرازيل، ولكنها اعتذرت عن ذلك تاركةً دورها في الاستضافة للدولة التي تليها – بحسب الترتيب الأبجدي اللاتيني – وهي تشيلي.
وقائع البطولة الحالية
دور المجموعات:
أُجريت خلاله 18 مباراة بين 12 فريقًا في المجموعات الثلاث، تأهلت من خلالها ثمانية منتخبات إلى الدور ربع النهائي، فيما ودّعت المنتخبات الأربعة المتبقية البطولة.
المجموعة الأولى: افتتحتها تشيلي بفوزٍ سهلٍ على الإكوادور بهدفين نظيفين، قبل أن تتعادل بوليفيا والمكسيك سلبًا في نفس الجولة، وشهدت الجولة الثانية غزارةً تهديفيةً كبيرةً إثر التعادل المثير بين تشيلي والمكسيك بثلاثة أهداف في كل شبكة، والفوز الثمين لبوليفيا على الإكوادور بثلاثة أهداف لهدفين، وفي الجولة الأخيرة أمّنت تشيلي صدارتها للمجموعة بفوزٍ كبيرٍ على بوليفيا بخماسية بيضاء لم تمنع الأخيرة من التأهل، فيما لم تنفع الإكوادور صحوتها المتأخرة وفوزها على المكسيك بهدفين لهدف، فودّعتا البطولة معًا.
الترتيب: تشيلي 7 نقاط – بوليفيا 4 نقاط – الإكوادور 3 نقاط – المكسيك نقطتان.
المجموعة الثانية: الجولة الافتتاحية شهدت تعادلاً مثيرًا بين الأرجنتين والباراغواي بهدفين لكل فريق، وفوزًا صعبًا للأورغواي على جامايكا بهدف وحيد، فيما حققت الأرجنتين فوزًا ثمينًا على الأورغواي بهدفٍ نظيفٍ في الجولة الثانية، التي شهدت كذلك فوز الباراغواي على جامايكا بنفس النتيجة، أما جولة الحسم فأسفرت عن تأهل الأرجنتين في صدارة المجموعة بعد فوزها الضئيل على جامايكا بهدف يتيم، وتعادل الأورغواي والباراغواي بهدف لهدف، لتتأهلا معًا إلى الدور التالي رفقة الأرجنتين.
الترتيب: الأرجنتين 7 نقاط – الباراغواي 5 نقاط – الأورغواي 4 نقاط – جامايكا صفر.
المجموعة الثالثة: في الجولة الأولى حققت البرازيل فوزًا متأخرًا على البيرو بهدفين لهدف، فيما سقطت كولومبيا بشكل مفاجئ أمام فينزويلا بهدف، وعوّضت كولومبيا خسارتها الأولى بفوزها الغالي على البرازيل بهدف نظيف، في المباراة التي شهدت طرد البرازيلي نيمار وحرمانه من استكمال البطولة، فيما اقتنصت البيرو فوزًا ثمينًا من فينزويلا بهدفٍ قاتل، وشهدت جولة الحسم إثارةً كبيرةً ولم تحسم حتى الأنفاس الأخيرة، فتأهلت البرازيل في صدارة المجموعة بفوزها الصعب على فينزويلا بهدفين لهدف، ورافقتها كل من البيرو وكولومبيا بعد تعادلهما السلبي في ختام مباريات الدور الأول.
الترتيب: البرازيل 6 نقاط – البيرو 4 نقاط – كولومبيا 4 نقاط – فنزويلا 3 نقاط.
الدور ربع النهائي:
تشيلي – الأورغواي: 1-0، سجّل لتشيلي: ماوريسيو إيسلا
نجحت الدولة المضيفة في إقصاء حاملة اللقب بفوزٍ صعبٍ بهدف إيسلا المتأخر، بعد مباراةٍ عاصفةٍ حافلةٍ بالخشونة والاعتراضات، شهدت طرد مهاجم الأورغواي كافاني إثر اشتباكه مع مدافع تشيلي غونزالو خارا، الذي عوقب بالحرمان من استكمال البطولة.
البيرو – بوليفيا: 3-1، سجل لليرو: باولو غيريرو(3)، ولبوليفيا: مارسيلو مورينو
بثلاثية المتألق باولو غيريرو هداف البطولة السابقة، كررت البيرو إنجاز النسخة الماضية بالتأهل إلى الدور نصف النهائي، وأقصت المنتخب الأخضر الذي كان يمنّي النفس بالمضي قدمًا في البطولة التي لم يحقق لقبها سوى مرةً واحدة في تاريخه.
الآرجنتين- كولومبيا: 0-0 (5-4 بضربات الترجيح)
أنقذت ضربات الترجيح أبناء التانغو من وداعٍ مخيّبٍ كان وشيكًا، فرغم الأداء الجيّد والسيطرة على مجريات المباراة، فشلت الماكينة التهديفية الأرجنتينية بقيادة ميسي وأغويرو في اختراق الدفاعات الحصينة لرفاق خاميس رودريغيز، الذين ودّعوا البطولة بعد مشاركةٍ لم تكن على مستوى التطلعات، اكتفوا فيها بتسجيل هدفٍ يتيمٍ في أربع مباريات.
البرازيل – الباراغواي: 1-1 (3-4 بضربات الترجيح)، سجل للبرازيل: روبينيو، وللباراغواي: ديرليس غونزاليز
لم يستوعب أبناء السيليساو درس النسخة الماضية، فوقعوا في نفس الفخ وأمام نفس المنافس، في سيناريو مشابهٍ لما حدث قبل أربع سنوات، فرغم تقدمهم بهدف المخضرم روبينيو، فشل البرازيليون في حسم المباراة في وقتها الأصلي، عندما نجح المنتخب المخطط في معادلة النتيجة عبر ديرليس غونزاليز، إثر ركلة جزاءٍ تسبب بها المدافع البرازيلي تياغو سيلفا، لتذهب المباراة إلى ركلات الترجيح التي خذلت فريق المدرب دونغا، ليودّع نجوم السامبا البطولة مبكراً، ويمضي رفاق روكي سانتا كروز قُدُمًا نحو نصف النهائي.
الدور نصف النهائي:
تشيلي – البيرو: 2-1، سجّل لتشيلي: إ.فارغاس (2)، وللبيرو: ميديل (بالخطأ في مرماه)
بأداءٍ هجوميٍّ رائعٍ وهدفين للمهاجم المتألق إدواردو فارغاس، اقترب المنتخب الأحمر من تحقيق حلمه بحمل كأس البطولة التي عزّت عليه عبر تاريخها، وذلك بعد إبطاله مفعول المفاجأة البيروفية التي توقفت عند حاجز نصف النهائي للمرة الثانية تواليًا، بعد مباراةٍ مثيرةٍ شهدت طرد مدافع البيرو زامبرانو وتسجيل مدافع تشيلي ميديل هدفًا في مرماه، لم يمنع أبناء المدرب سامباولي من تحقيق الفوز والتأهل إلى النهائي المنتظر أمام جماهيره العريضة.
الأرجنتين – الباراغواي: 6-1، سجّل للأرجنتين: روخو وباستوري ودي ماريا (2) وأغويرو وهيغواين، وللباراغواي: باريوس
بسداسية كان أبرز أبطالها لاعبي الوسط دي ماريا وباستوري، سجّلت الأرجنتين عبورًا آمنًا إلى نهائي البطولة التي تفتقد إلى لقبها منذ عام 1993، على حساب منتخب الباراغواي الذي وجد نفسه بلا حولٍ ولا قوّةٍ أمام تألّق أبناء مدربهم الأسبق تاتا مارتينو، الذي قرأ بتمعّن أوراق منتخبٍ استعصى على الخسارة أمام عمالقة القارة في هذه البطولة، فنجح في اصطياد أخطائه الدفاعية العديدة واندفاعه الهجومي الزائد ليوقع به شرّ هزيمة.
مباراة الثالث والرابع: البيرو – الباراغواي: 2-0، سجل للبيرو: أندريه كاريو وباولو غيريرو
كررت البيرو إنجاز النسخة الماضية بحصولها على المركز الثالث، بعد فوزها بهدفين نظيفين على الباراغواي في مباراة شهدت غياب الكثير من الأساسيين من الجانبين.
المباراة النهائية: تشيلي – الأرجنتين: 0-0 (4-1 بضربات الترجيح)
وأخيرًا فعلها الأبطال الحمر، وافرحوا شعبًا لطالما انتظر هذه اللحظة، بلقبٍ عزّ عليهم على مدى 99 عامًا، وذلك بعد أداءٍ بطوليّ لم يدّخروا فيه قطرة عرقٍ واحدةٍ في سبيل تحقيق حلم جماهيرهم التي احتشدت في الملعب الوطني للعاصمة سانتياغو، فصمدوا في وجه منتخبٍ يفوقهم عدّةً وعتادًا، بل يفوق أغلب منتخبات العالم حاليًا، هو المنتخب الآرجنتيني وصيف بطل كأس العالم الأخيرة، الذي عاد يجر أذيال الخيبة للمرة الثانية خلال أقل من عام، بعدما لامس حلم الفوز بالبطولة دون أن يطاله، ليستمر صيامه عن الألقاب منذ عام 1993، رغم امتلاكه جيلًا ذهبيًا تحسده عليه جلّ منتخبات العالم، يقوده الأسطورة ليونيل ميسي، الذي حقّق جميع الألقاب الممكنة مع ناديه برشلونة، دون أن يتمكّن من تصدير نجاحاته إلى منتخب بلاده، ففشل مرّة أخرى في الاختبار، وكان شبحًا لميسي برشلونة، واستسلم للرقابة والضغط العالي الذي فرضه عليه مدافعو تشيلي، فعطّلوا بذلك أهمّ أسلحة التانغو، وساهمت إصابة دي ماريا في منتصف الشوط الأول في تسهيل مهمة التشيليين، فاستطاعوا فرض إيقاعهم على جلّ فترات المباراة، التي لم تشهد فرصًا حقيقيةً للتهديف خلال أشواطها الأربعة إلا فيما ندر، ليتكرر سيناريو ركلات الترجيح للمرة الثالثة في هذه البطولة، والثانية مع أبناء التانغو، الذين عبس الحظ في وجههم هذه المرّة، وابتسم في وجه رفاق فيدال وأليكسيس وفارغاس وبرافو وفالديفيا وميديل وأرانغويز وإيسلا، ليكتبوا تاريخًا جديدًا لبلادهم، ويحفروا أسماءهم بأحرف من ذهبٍ في خلد كل مواطن من الشعب التشيلي العاشق للكرة حتى النخاع.
لقطات وإحصائيات من البطولة
– تصدر كل من التشيلي إدواردو فارغاس والبيروفي باولو غيريرو – هداف البطولة السابقة – قائمة هدافي البطولة الحالية برصيد أربعة أهداف لكل منهما، تلاهما كل من الأرجنتيني سيرخيو أغويرو والتشيلي أرتورو فيدال والباراغواني لوكاس باريوس بثلاثة أهداف لكل منهم.
– رغم اكتفائه بتسجيل هدفٍ وحيدٍ ومن ركلة جزاء، اختارت اللجنة المنظمة للبطولة الأرجنتيني ليونيل ميسي كأفضل لاعب في البطولة، فيما اختير التشيلي المتألق كلاوديو برافو كأفضل حارس، والمدافع الكولومبي الشاب جايسون موريلو كأفضل لاعب واعد.
– بلغ عدد مباريات البطولة 26، سُجل خلالها 59 هدفًا بزيادة خمسة أهداف عن البطولة السابقة التي استضافتها الأرجنتين عام 2011، واستحق المنتخب التشيلي لقب الهجوم الأقوى بتسجيله 13 هدفًا، تلاه المنتخب الأرجنتيني بعشرة أهداف، أما أضعف خط هجوم فكان لمنتخب جامايكا الذي خرج من البطولة صفر الأهداف.
– سجلت هذه البطولة سبقًا خاصًا تمثل بتواجد أربعة مدربين أرجنتينيين في دورها نصف النهائي، هم خورخي سامباولي مدرب تشيلي، ورامون دياز مدرب الباراغواي، وريكاردو غاريكا مدرب البيرو، إضافة إلى تاتا مارتينو مدرب منتخب التانغو.
– بفوزه في نهائي سانتياغو، حجز المنتخب التشيلي مقعده في بطولة كأس القارات التي ستقام عام 2017 في روسيا، بوصفه ممثلًا عن قارة أمريكا الجنوبية، لينضم إلى منتخبات ألمانيا بطلة العالم، وروسيا المستضيفة، وأستراليا بطلة أسيا، بانتظار أبطال القارات الأربع المتبقية.
– ماتزال الأورغواي منفردةً بالرقم القياسي لعدد مرات الفوز بالبطولة برصيد 15 لقبًا، بعد أن أضاعت الأرجنتين فرصة معادلتها، لتبقى في المركز الثاني بـ 14 لقبًا، تليها البرازيل بثمانية ألقاب، ومن ثم كل من البارغواي والبيرو بلقبين لكل منهما، وتتساوى ثلاث منتخبات برصيد لقب واحد هي بوليفيا وكولومبيا وتشيلي التي سجلت اسمها مؤخرًا، فيما عجزت منتخبات الإكوادور وفينزويلا عن تحقيق أي لقب.