قالت صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية، إن ثورة الطاقة الأمريكية ستنهي نظام الأوبك القديم، في إشارة إلى الذكرى السنوية الأربعين لحظر النفط العربي التي صادفت أمس الأربعاء 16 أكتوبر/ تشرين أول، والتي كانت نقطة تحول بالنسبة لسياسة أمن الطاقة في الولايات المتحدة.
وفرضت منظمة الدول المصدرة للنفط العربي بعد اندلاع حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973 بين مصر وإسرائيل، صادرات النفط لمؤيدي إسرائيل (الولايات المتحدة و هولندا) وشددت أسواق النفط، ما أدى إلى ارتفاع سعر البترول 400%.
وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقريرها أن ثلاثة دروس رئيسية أصبحت جوهر سياسة الطاقة في الولايات المتحدة بعد ذلك، أولا، وضع ضوابط لمواجهة استخدام النفط كأداة سياسية من قبل الدول المصدرة للنفط، ما دفع إلى إنشاء وكالة الطاقة الدولية.
ثانيا، أقامت الولايات المتحدة وشركائها في الوكالة الدولية للطاقة المخزون الاستراتيجي لرفض تسييس النفط من جانب المصدرين، وتقليص المخاوف بشأن تعرض اقتصاداتها إلى ارتفاع أسعار النفط.
وأخيرا، اعتمدت البلدان الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة آليات السوق لتوفير عالم بديل لنهج إفقار الجار الذي وضع الأساس للمقاطعة العربية، والتي ميزت سياسة أوبك منذ ذلك الحين.
ويذكر التقرير أن ملامح القرن الجديد تحمل متغيرا قد يقلب الأمور رأسا على عقب، إذ يتآكل عالم “أوبك” بسرعة، بسبب ثورة إمدادات الطاقة التي يتم اكتشافها في الولايات المتحدة، والتي أوشكت أن تبدأ تنتشر على الصعيد العالمي، ما لم يتم اتخاذ تدابير من جانب الحكومات تعرقل نجاحها، حيث تعد سوق النفط الأمريكي هي الأكبر في حجم وقيمة التجارة والاستثمار.
و أوبك، هي منظّمة عالمية تضم 12 دولة تعتمد على صادراتها النفطية، ويعمل أعضاء الأوبك لزيادة العائدات من بيع النفط في السوق العالمية، تملك الدّول الأعضاء في هذه المنظمة 40% من الناتج العالمي و 70% من الاحتياطي العالمي للنّفط، تأسست في بغداد عام 1960، من طرف السعودية، إيران، العراق، الكويت وفنزويلا، ومقرها في فيينا.
وإلى الآن، تتحكم “أوبك” في معظم إنتاج النفط العالمي، وتستفيد الاقتصاديات المتقدمة الأكثر استهلاكا للنفط، لتحقيق عوائد كبيرة، لكن من دخول الألفية الثالثة، وتواتر الدراسات بشأن النفط الصخري الذي بدأت الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم (17 مليون برميل يوميا)، في إنتاجه فعليا، بدت ملامح تغييرات قوية على خريطة الذهب الأسود في العالم.
وتؤكد دراسات دولية، أن إنتاج النفط الصخري سيضع الولايات المتحدة على قائمة الدول المنتجة للنفط بنهاية العام الجاري 2013، لتسبق بذلك السعودية، التي تعد إلى الآن أكبر منتج للنفط، بحوالي 10 مليون ب/ي.
ومن شأن تفوق الولايات المتحدة، وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم بنحو 19 مليون برميل يوميا، في إنتاج النفط، أن يقلص من حجم وارداتها والتي تصل إلى 12 مليون برميل يوميا، وهو ما سينعكس سلبيا على الدول المنتجة.
ويقول تقرير الفاينانشال تايمز، إنه لأكثر من نصف القرن الماضي، تميزت سوق النفط والكثير من أسواق الغاز الطبيعي في العالم بشعار” أنا أكسب .. أنت تخسر” الوضع الذي لا يزال قائما اليوم من وجهة نظر الدول المنتجة للنفط .
ويذكر أن العديد من المعلقين أشادوا ببدء استقلال أمريكا الشمالية في مجال الطاقة، مشيرين إلى حقيقتين، أولا الاستقلال في مجال الطاقة لا يضمن بالضرورة الإفلات من عقاب ارتفاع الأسعار التي تصاحب تعطل الامدادات، ثانيا، لا يعني أن الولايات المتحدة يمكن أن تدير ظهرها لمنطقة الشرق الأوسط، نظرا لحصصها الخاصة بها في المنطقة، والتزاماتها تجاه مختلف البلدان المنتجة للنفط، والحاجة إلى تأمين انفتاح الممرات البحرية لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصاديين، ولأن أمن الولايات المتحدة هو عالمي في عصر الإرهاب والاعتماد المتبادل .
ويقول التقرير، إنه لا يتطلب استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة من أي وقت مضى أن تصبح الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط بشكل تام، لكنه يعني أن نظام الطاقة أكثر أمنا بالنسبة للولايات المتحدة والعالم يحتاج إلى حرية تصدير واستيراد وفق أليات السوق، ما يعني إزالة الحواجز التي تحول دون تصدير النفط الخام التي كانت موجودة منذ عشرات السنين.
ويرى أن حرية الشراء والبيع ستخفض أسعار النفط الخام والجازولين عالميا، كما تعزز كثرة الاستثمارات في النفط و الغاز في الولايات المتحدة، باعتبارها واحدة من الأماكن الآمنة إلى حد كبير من التدخل الحكومي .
ويؤكد التقرير أنه في مجال النفط والغاز الطبيعي، ربما تنافس الولايات المتحدة قطر فيه قبل انتهاء العقد الجاري باعتبارها مصدرا رئيسيا، ويشكل الغار الطبيعي المسال، إلى جانب النفط الخام، المصدر الأساسي للثروة في قطر، التي تتمتع بأعلى دخل للفرد في العالم.
وحسب إحصاءات شركة بريتش بيتروليوم تعد قطر حتى الآن أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وتمثل صادراتها منه، البالغة 105.4 مليار متر مكعب في عام 2012 ، ما يقرب من ثلث الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي المسال.
وتمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بوجود 885 تريليون قدم مكعب من الغاز حسب آخر إحصاءات شركة بريتش بيتروليوم. ويتركز معظمه في الحقل الشمالي.
ويقول التقرير إن مبادئ السوق تبطل أي قوة في أيدي المنتجين على استخدام النفط والغاز كأدوات السياسة، متوقعا نفس الأمر من صادرات النفط الخام.
ويؤكد التقرير أن ثورة الطاقة في أمريكا الشمالية تخلق مركزا مختلفا وجديدا للغاية للأسواق العالمية، حيث لا تتدخل الحكومات في السوق، ولكن من المحتمل أن تعمل الأسواق بنفسها.
ويضيف أن الكثرين يقولون إنه مع تحقق الاستقلال في مجال الطاقة، ستتبنى الولايات المتحدة سياسات قوية لتعزيز النفط كأداة للسياسة، ولكن أعظم “سلاح” في ترسانة السياسة الأمريكية هو السماح للأسواق بالعمل، مدعومة بالنمو في الإمدادات المحلية والإقليمية، “هذا هو الطريق النهائي لوضع حد لنظام النفط القديم” .
وكانت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قد ذكرت في وسابق من الشهر الجاري أن التقديرات تشير إلى أن الولايات المتحدة ستكون أكبر منتج في العالم للنفط والغاز الطبيعي في عام 2013 متجاوزة روسيا والسعودية .
وتشير تقديرات الإدارة إلى أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز سيتجاوز إنتاج روسيا، خلال العام الجاري 2013.