مطالبة الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي بمحاكمات ناجزة للمعارضين وإشارته إلى وجوب سن قوانين جديدة في المرحلة الحالية لكبح جماح معارضيه، هذا هو الحديث الذي أدلى به قبل أسبوع في كلمته بجنازة النائب العام هشام بركات، والذي تلاه خروج بعض القضاة ومصادر سيادية في الدولة تؤكد على سعيهم لتعديل وسن بعض القوانين مثل قانون مكافحة الإرهاب لتمكنهم من سرعة محاكمة خصومهم بعد وصمهم بالإرهاب وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين.
كان مجلس القضاء الأعلى قد أبدى موافقته، أمس الأحد، على الصياغة النهائية لمشروع قانون مكافحة الإرهاب الصادر من مجلس الدولة بعد انتهائه من صياغته، وأضاف أيضًا تعديلاته على مدة الطعن أمام محكمة النقض، أفرد مشروع القانون في مواده الـ 52 في بابه الأول المكون من 26 مادة بعض التعريفات المنضوية تحت كلمة الإرهاب من تعريف الجريمة الإرهابية والجماعة الإرهابية والأسلحة والتمويل، وكذلك حدد هذا الباب العقوبات المفروضة، مع إعطاء القائمين على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة الحصانة من المسائلة الجنائية.
أما الباب الثاني من المشروع خولت بعض مواده سلطات التحقيق فرض المراقبة على المحادثات والرسائل الخاصة وتسجيلها وتصوريها؛ فأعطى الحق للنيابة العامة أو سلطة التحقيق فى القضايا تلك إصدار إذن بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل وتسجيل وتصوير ما يجرى فى الأماكن الخاصة أو عبر الشبكات المعلوماتية أو الاتصال أو المواقع الإلكترونية، كما أعطى الصلاحية للدولة في إجبار شركات التأمين على حماية أفراد الشرطة وأفراد القوات المسلحة وتغطية الأخطار التي يتعرضون لها، ومنح الدولة الحق في تخصيص جزء من الأموال أو المتحصلات المحكوم بمصادرتها لسداد التزامات الدولة في وثيقة التأمين الإجباري.
القانون يحوي في طياته عقوبات تتراوح ما بين العام والسجن المؤبد أو الإعدام لمن انضم أو شارك أو أنشأ جماعة إرهابية، التي عرفها المشروع أنها كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من 3 أشخاص على الأقل تثبت عليهم هذه الصفة، وأشار هذا التعريف المطاط الذي يمكّن الدولة من وصم أي شخص أو كيان بالإرهاب إلى عدم مبالاته إن كان لتلك الهيئة التي يصمها بالإهارب وضع قانوني سواء داخل أو خارج البلاد أم إن امتلك مؤسسوها أو المنضمين إليها جنسية غير المصرية، طالما يرى النظام أنها إرهابية فيجب توقيع تلك العقوبات عليها، مع الإشارة إلى أن تلك العقوبات لا يجوز النزول عنها غير درجة واحدة من درجات التقاضي على الأكثر.
تلك القوانين الفضفاضة تهدد أيضًا وسائل الإعلام المختلفة والعاملين بها وحتى المواطنين العاديين، فالمادة 33 من مشروع القانون نصت على أنه: “يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن”، المادة تتحدث عن ضرورة معاقبة أي مواطن أو وسيلة إعلامية تنقل الأحداث تخرج برواية تكذبها الرواية الرسمية للدولة التي لا طالما تخرج بروايات لا تمت للواقع بصلة، تلك المادة بالتحديد مع المواد 26، 27، 29، 37 خرجت نقابة الصحفيين تدينها وتعتبرها قيودًا جديدة من الدولة على حرية الصحافة، بما يعني أننا أمام حكم شمولي لا يريد صوت من خارج منظومته.
شملت أيضًا القوانين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يستخدمونها للترويج لأفكار صنفها النظام على أنها أفكار إرهابية وتكون عقوبتهم بالسجن 5 سنوات كحد أدنى، كما منح القانون رئيس الجمهورية الحق في عزل وإخلاء بعض مناطق الدولة أو فرض حظر التجوال فيها، هذا إلى جانب إنشاء محاكم متخصصة لمن يتم تصنيفهم بالإرهاب تنظر فيها على وجه السرعة، وبالطبع هذا الأمر يهدر قيمة الحق في التقاضي أمام القضاء المدني الطبيعي.
مشروع القانون الذي وصفه متابعون على أنه المثال الأقرب لمعنى تفصيل القوانين، سبقه قوانين كثيرة جرمت وشيطنت المعارضين بشكلٍ أو بآخر وأباحت للدولة اتخاذ إجراءات استثنائية معهم، حتى وإن أفضت تلك الإجراءات بقتلهم تكون الدولة في حلٍ من أمرها إذ يحميها القانون، فمنذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وأصبح هَم السلطات المصرية سن القوانين لشرعنة ما تقوم به من ممارسات قمعية، فالقوانين التي تخرج على هوى النظام المصري تحمي ممارساته بغلاف قانوني، وهنا يجدر الحديث عن بعض القوانين التي صدرت خلال العامين الماضيين لتقنين قمع الدولة المصرية بحق المعارضين، والتي عانى ويلاتها الآلاف تحت شعارات مفرغة بالتزامن مع غياب أي رقابة أو محاسبة على سلطة التشريع التي انفردت بها الرئاسة في غياب مجلس شعب منتخب تتلكأ السلطة في إجراء انتخاباته ربما للاحتفاظ بسلطة التشريع أطول فترة ممكنة.
فكانت لجنة قضائية تابعة لمجلس الوزراء اقترحت عدة تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية، تمثلت في منح القاضى حرية الموافقة على سماع شهود النفي في القضايا أو الرفض؛ ليكون سماع الشهود غير إلزامي على المحكمة، كما جرى إضافة نص قانون يضمن تنفيذ أحكام محاكم أمن الدولة العليا بمجرد تصديق من رئيس الجمهورية عليها وعدم قابليتها للطعن أمام محكمة النقض، ما يسهل على الدولة تنفيذ أحكام الإعدام والمؤبد بحق المعارضين، كما شمل إجراء تعديل على درجات الطعن أمام محكمة النقض في الجنايات بجعلها درجة واحدة، وتعديل درجات التقاضي في الجنايات لتصبح على درجتين فقط، فيحرم المتهم من استكمال كل درجات التقاضي ما يقلل من فرص براءته.
الجامعات التي منع فيها ممارسة العمل الحزبي بقرارمن وزير التعليم العالي الدكتور السيد عبد الخالق في سبتمبر من العام الماضي شهدت عدة قرارات مثيرة، من بينها تعاقد وزارة التعليم العالي الذي يقتصر دورها بالمجلس الأعلى للجامعات على رسم السياسة العامة للتعليم الجامعي والبحث العلمي مع شركة الأمن الخاصة فالكون، وقانون تنظيم الجامعات هو الآخر جرى تعديله، الدولة ترى أن الحراك الطلابي حاز نصيب الأسد في الحراك المعارض للسلطات في مصر في العامين الماضيين ما استلزم قمعه بالصورة القانونية المزيفة، كان على رأسها تولي المناصب القيادية بالتعيين بدلًا من الانتخاب، مع السماح بعزل أعضاء هيئة التدريس الذين تثبت ممارستهم العمل الحزبي داخل الجامعات.
جامعة الأزهر حظيت بإجراءات خاصة مع تعديل أحكام قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961، بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته، حيث سمح التعديل بالعزل من الوظيفة لأي من أعضاء هيئة التدريس الذين يشاركون في مظاهرات تعرقل العملية التعليمية، كما أتاح التعديل الحق لرئيس الجامعة بتوقيع عقوبة الفصل من الجامعة على كل طالب يمارس أعمالًاً تضر بالعملية التعليمية أو من يسيء لرئيس الجمهورية، كما صدرت قرارات بتخفيض ساعات امتحانات المواد الشرعية بالجامعة من 3 ساعات إلى ساعتين، ومنع التسكين للطلبة المغتربين في المدن الجامعية وتأجيله شهرين للطالبات، وأيضًا منع وجبات المدينة الجامعية في ضوء التضييق المستمر على الطلاب واتهامهم بممارسة الشغب في الجامعات لمجرد خروج تظاهرات مناوئة للنظام.
قانون التظاهرالذي يقبع آلاف في السجون بتهمة مخالفته، كان من أول القوانين التي أصدرتها الدولة المصرية عقب الانقلاب لوأد التظاهرات المعارضة، فالقانون يُلزم منظمي التظاهرات بإبلاغ السلطات قبل ثلاثة أيام عمل على الأقل من موعدها، ولوزير الداخلية قرار الموافقة من عدمه، مع إتاحة استخدام الأمن القوة مع المتظاهرين وتشريعه بالقانون، بحيث تصبح الدولة بريئة من تهم قتل المتظاهرين، فالقانون أعطاها الحق في ممارسة تلك الجريمة بكل أريحية.
يمكن القول بسلالسة تامة دون تحرج إن النظام المصري يُطوع القوانين لمزيد من القمع والتنكيل بالمعارضين، وما يؤسف حقًا أن المنظومة القضائية المصرية باتت أحد أدوات النظام بلا مواربة في تنفيذ ذلك الأمر، حتى أصبحنا أمام محاكم صورية لا أكثر ولا أقل لتنفيذ انتقامات وليست أحكامًا، وبهذه الصورة فإن النظام سوف يُدخل الدولة في دوامة ومتاهة ثأرية في أقرب وقت، بعد أن تم تدمير المنظومة المنوط بها إقرار العدالة عبر مجموعة من التشريعات العبثية، فالمجتمع الذي يدرك أن القضاء والتشريع في دولته مصبوغ بلون معين حري به أن يوغلل في الدماء والأعراض والأموال باسم “آخذ الحقوق” والقصاص وما إلى ذلك بعد أن أضاعتها الدولة، وهو ما سيكتوي بناره الجميع وفي مقدمتهم هذا النظام الذي يرى أنه بآليته القمعية بعيدًا عن هذه الدوامة.