يسعى الحكم العسكري الانقلابي لتثبيت وجوده من خلال نفي وجود الإنسان في مصر، فبعد مئات أو آلاف الشهداء برصاص الجيش والشرطة، وعشرات الآلاف من المعتقلين والمختطفين والمختفين، تأتي أحكام الإعدام لتؤكد على مبدأ القتل وإرهاب الدولة لمواطنيها كأداة العسكر ووسيلتهم المفضلة لحكم مصر، مصر التي يحكمها نظام يعادي الإنسان بذاته ولذاته ويعادي معاني الإنسانية باعتبارها خروج عن الكائن المتعبد للدولة وخطر على الأمن القومي وتهديد لوجود نظام العسكر الفرعوني الاستعبادي.
وسواء مارس العسكر القتل في الشوارع والميادين بالرصاص الحي كما جرى طوال خمس سنوات دامية من تاريخ دولة الضباط المجرمين، وتنوعت فيها أشكال القتل بالرصاص الحي والقنص والخرطوش والدهس بالمدرعات والغاز والقنابل الحارقة والقتل البطئ في السجون، وتوزعت على كافة أطياف المجتمع وتنوعاته السياسية؛ فنال كل تيار مذبحته واحتفظ بروايته وسرديته الخاصة عن مظلمته ومقتلته بأيدي العسكر وخذلان الآخرين له؛ والعجيب أن المظلومين الحقيقيين (النائحة الثكلى لا المستأجرة) لم يتوحدوا على قلب رجل واحد كما توحد الظالمين!
وسواء كان القتل في سيناء أو وادي النيل، فإن سعار القتل الدموي وجنون الدم الذي تخوض فيه عصابات إرهابية منظمة تنتحل تسميات مؤسسات دولة وتلبس زيًا رسميًا تمارس به القمع والإرهاب المؤسسي المنظم وتستخدم منابر السلطة؛ فتارة تستخدم منصات القضاء وتقتل بأحكام الإعدام والقضايا الوهمية الملفقة من خلال رجال يضعهم العسكر على منصات القضاء ليكملوا مسيرة القتل والقمع والإرهاب التي استأنفها في 3 يوليو بعد تهدئة اضطرارية مؤقتة في عام حكم الرئيس مرسي، وتارة أخرى لا تحتاج هذا التسويغ “القانوني” والتبرير “القضائي” العبثي فتمارس الداخلية والمجموعات العسكرية والبلطجية عمليات القتل والتصفية مباشرة في الميادين والشوارع والبيوت وحتى المساجد والمدارس والجامعات.
القتل إذن هو مبدأ العسكر الأساسي، وسلاحهم المفضل ومشروعهم القمعي البديل عن دولة العدل والحرية، والأمر الواقع الذي يحاولون فرضه كقاعدة ليزرعوا به الخوف والرعب في نفوس الناس بعد أن تشقق جدار الخوف في أعقاب تنحي مبارك أوائل 2011، والإعدامات مسألة جادة وحقيقية باعتبارها انتقام شخصي متأخر للحكم العسكري الدموي من رموز ارتبطت بمحاولة تفكيك الاستبداد العسكري والاجتهاد لتحرير إرادة الناس وحماية حقهم في الاختيار والعيش الكريم؛ وهو ما يعني التصادم مع إرادة العسكر المعادية للحقوق والحريات كافة!
وبكفاءة منقطعة النظر وبإشراف عسكري تعمل قطاعات وأجهزة ومؤسسات متنافرة وفاسدة ومتناقضة في الأوضاع العادية، تعمل حاليًا بتنسيق وتعاون وتكامل وأريحية تامة لأجل إتمام المشروع الوحيد الذي تنجح فيه دولة العسكر دائمًا وهو القمع والقتل والإرهاب وتتناسى كل خلافاتها وتناقضاتها فجأة وتتوحد ضد الإنسان والمجتمع في مصر وضد بقية الإنسانية والضمير والأخلاق والقيم وضد الصحوة الفكرية والشبابية الثرية التي سبقت هذه السنوات العجاف.
يمكن أن نعتبر أن الخمس سنوات الماضية التي تفاوتت فيها آمالنا وأحلامنا وتباينت فيها مواقعنا جزءًا من ثورة طويلة حقيقية لها تكاليف مستحقة غالية ونضال مستحق طويل، بهذه الصيغة فقط يمكن احتساب التكلفة الباهظة بالنسبة للأهداف الواسعة التي لن تكون تنحي رئيس وحل برلمان كما سبق في تجربة يناير التي لم تحقق تغييرًا حقيقيًا وإنما فتحت الباب ورسمت طريقًا لن يكون تكرارًا للحظة معينة وتوقف عندها وتشبث بها هربًا من التكلفة الكاملة المستحقة، بهذه الطريقة نستطيع أن نقول بثقة إن تكلفة الثورة ستكون أقل من تكلفة بقاء الاستبداد الفادحة!
ما نقترحه بخصوص التعامل مع الإعدامات يتضمن أن نساعد عصابة الانقلاب على لف حبل المشنقة حول رقبتها بأنفسها وأن نترك لها الفرصة الكافية للانهيار بلا تردد، وهي بالفعل تبذل جهودًا هائلة لتصل لمصيرها المحتوم ربما أضعاف ما نبذل نحن.
ينبغي الاجتماع على اعتبار تحرير المعتقلين وحماية أرواح المحكومين بالإعدام أولوية قصوى عاجلة تستحق دفع أثمان الحرية والتحرر، باعتبار أن تحرير الأسرى ضرورة وأولوية شرعية وثورية، وأن ثورة تفرط في رموزها وقياداتها لا يمكن أن تكون جادة ما لم توسع خياراتها سياسيًا وميدانيًا لحماية أرواح قادتها وجنودها وتحرير رهائنها المختطفين لدى عصابة العسكر، هذا حقهم الشرعي والوطني وواجبنا الثوري والإنساني والأخلاقي الأصيل، وقد اعتبر فقهاء المسلمين فك أسرى المسلمين وتخليصهم من ذل الأسر أولوية حتى ولو كلف ذلك كل أموال المسلمين، فكرامة الأسرى كرامة الأمة والحرمات العامة مقدمة على الخاصة.