في عام 2001، قام مبرمجان إيطاليان، هما ألبرتو أورناغي وماركو فاليري، بكتابة برنامج باسم “إتركاپ” Ettercap، كأداة للتجسس ومعرفة الكلمات السرية والتلاعب بأجهزة الكمبيوتر الخاصة بمستخدمين آخرين، وقد طُرِح البرنامج بشكل مفتوح لتتمكن الشركات التي تريد اختبار مدى سرية وأمان أنظمتها من استخدامه، كما شرع المخترقون بالطبع في استخدامه لأغراضهم الخاصة، وقد سمي آنذاك بـ “مطواة” العالم الافتراضي، وكأن دوره في عالم الإنترنت يماثل دور المطواة البسيطة والخطيرة في آن في العالم الحقيقي.
انتشر إتركاپ بقوة حتى تلقى مؤلفاه الإيطاليان مكالمة من الشرطة في مدينة ميلان، لا لأنها شعرت بالقلق من انتشار البرنامج بين المخترقين، ولكن لرغبتها هي في استخدامه للتجسس على المواطنين، وقد كان طلب الشرطة من أورناغي وفاليري أن يكتبا برنامجًا يتيح لها أن تستمع للمكالمات التي يتم إجراؤها على سكايپ، ولم تكن تلك بالطبع آخر المشاريع التي يخوضانها، حيث تمخضت عن تلك الجهود شركة باسم هاكينغ تيم تمتلك حاليًا حوالي 40 موظفًا وتبيع منتجاتها لعشرات الدول لتقتفي آثار مواطنيها الإلكترونية.
تغطي أنشطة الشركة حاليًا بيع برامج يمكن لها أن تخترق أي ملفات مشفرة بكلمات سرية على الإنترنت، بدءًا من البريد الإلكتروني الخاص بك وحتى مكالمات سكايپ والمحادثات التي يقومون بها عبر فيسبوك أو غيره، وكذلك موقع أي مستخدمين وصلاته بغيره، كما يمكن لها عن بُعد أن تتلاعب بالمايكروفون والكاميرا الخاصة بأي كمبيوتر إن أرادت ذلك بعد اختراقه، وكل ذلك عبر برنامجها الأشهر “دا فينشي” الذي يستطيع فعل ذلك مع آلاف المستخدمين في نفس الوقت.
ديفيد فينشِنزيتي هو رئيس الشركة الحالي وأحد مؤسسيها، وهو عدو للإنترنت المُظلِم DARKNET كما يسميه، وهو ببساطة مجموعة البرامج الشبيهة بـ “طور” Tor التي تساعد النشطاء على استخدام الإنترنت بعيدًا عن رقابة الحكومات، وكان ولا يزال الوصول إلى نظام يسمح للشركة باختراق برامج كتلك هو أحد أبرز أهدافها، والتي تجعلها وثيقة الصلة بحكومات عدة حول العالم، وبالطبع باسم مكافحة الجريمة، كما يقول ديفيد في إحدى الرسائل المسربة مؤخرًا، “دارك نِت يسُتخدم في 99% من الحالات لتعزيز النشاطات الإرهابية والإجرامية وغير القانونية”، هكذا يقول ديفيد مبررًا جهود شركته.
لم يكن غريبًا إذن أن تصبح الشركة “عدوًا لحرية الإنترنت” طبقًا لتوصيف منظمة مراسلين بلا حدود، ولم يكن غريبًا أيضًا أن تصبح هي نفسها هدفًا للمخترقين، والذين نجحوا بالفعل في الدخول إلى بياناتها ونشرها على الإنترنت منذ أيام.
اختراق الشركة
قام المخترقون بتسريب حوالي 400 جيجابايت من الشفرات السرية والوثائق ورسائل البريد الإلكتروني والتسجيلات الصوتية والفواتير ووضعها على الإنترنت، كما اخترقوا حساب تويتر الخاص بالشركة، والذي استخدموه أيضًا لنشر بياناتها، وكذلك بعض حسابات تويتر للعاملين بها.
واحدة من أبرز الملفات المسربة هي قائمة لعملاء الشركة ومدة العقود التي وقعوها مقابل الحصول على خدماتها (والتجسس على مواطنيهم)، وهي القائمة التي تضم أذربيجان والبحرين ومصر وإثيوبيا وكازاخستان والمغرب ونيجيريا وعُمان والسعودية والسودان وغيرها، وعدة مؤسسات أمريكية مثل مكتب المباحث الفيدرالية FBI ووزارة الدفاع، وكذلك قائمة العملاء طبقًا لصافي الأرباح التي تعود بها على الشركة.
روسيا والسودان على قائمة لعملاء الشركة على عكس ما أنكرت، وبوضع غير رسمي كما يقول الملف المسرّب
أرباح الشركة من عملائها باليورو
“هؤلاء هم، إدوراد سنودن، عالم البرمجة والتجسس”، هكذا قال إريك كينغ نائب مدير شركة برايفاسي إنترناشونال Privacy International عمّن قاموا بالاختراق والتسريبات، “لطالما حاولت شركة هاكينغ تيم أن تخفي وتشوه الحقائق فيما يخص تعاملاتها مع الأنظمة الديكتاتورية، بيد أن هذا التسريب يلقي الضوء بوضوح على كل نشاطاتها، ويظهر نفاقها وكذبها المستمر”.
من ناحيتها لم تعلق الشركة بشكل رسمي على التسريبات الأخيرة، بيد أن أحد موظفيها، وهو كريستيان بوتزي، قد دافع عنها على حساب تويتر الخاص به، وقال بأن الهجوم على الشركة غير دقيق، وأن الكثيرين يروجون أكاذيب عن الخدمات التي تقدمها الشركة، وهي تغريدات دفعت بالمخترقين على ما يبدو لاختراق حسابه هو شخصيًا، وإطلاق تغريدات ساخرة من خلاله، وهذه لقطات من حساب كريستيان بوتزي قبل وبعد اختراقه
#Hackingteam may be awake, but clearly groggy. Violating the 1st rule: Shut up and let the lawyers talk. pic.twitter.com/2JNcnGrm8S
— Paul D (@Paulmd199) July 6, 2015
تغريدات من بوتزي دفاعًا عن الشركة قبل اختراق حسابه
It seems Pozzi didn't even change his twitter password. #hackingteam. pic.twitter.com/r5bbf1Crhe
— Paul D (@Paulmd199) July 6, 2015
حساب بوتزي بعد اختراقه
ليس ذلك مجرد موقف فردي، بل إن الشركة قد حاولت وضع إستراتيجية لتحسين صورتها والرد على الادعاء بكونها شركة تساعد الحكومات في التجسس على مواطنيها، ونشر صورة مفادها أنها تقدم خدمات فقط لمكافحة الجريمة والإرهاب وغيرها، وهو ما تقوله إحدى الرسائل الإلكترونية المسربة منذ عام 2013 على إثر وقائع تسريبات ويكيليكس آنذاك، والتي يقول فيها أحد المرتبطين بالشركة:
“علينا أن نبحث عن رسالة واضحة وبسيطة لكي تصبح تسريبات ويكيليكس الجديدة بلا أي معنى، كأن نقول بأن هاكينغ تيم تساعد الحكومات في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وذلك لمصلحة مواطنيها، ويمكننا في هذا الصدد ذكر أمثلة ناجحة على قيامنا بذلك”.
رسالة مسربة من الشركة تكشف محاولات الوصول لخطاب رسمي بخصوص تسريبات ويكيليكس يحفظ صورتها
على موقع مجلة فوربز المعروفة، كتب الصحافي ثوماس فوكس بروستر، المتخصص في الجرائم الإلكترونية والخصوصية وثقافات الاختراق، أن الشركة التي تتوسع بقوة داخل الولايات المتحدة وتتمتع بعلاقة قوية مع الحكومة الأمريكية، تهدف إلى تشكيل قدرات يمكنها اختراق برامج هواتف الآي فون الذكية، وبرامج أندرويد وجوجل، ومجموعة مختلفة من تطبيقات الهواتف المستخدمة على نطاق واسع، وهو ما يجذب اهتمام الحكومة الأمريكية بالتأكيد، وغيرها من الحكومات، أما بعد تلك التسريبات فلا نعرف حتى الآن كيف ستوثر على صورة الشركة وقدرتها على الاستمرار، وهو أمر ستكشف عنه الأيام المقبلة.