الإخوان المسلمون في مصر: الخيارات الصعبة

بعد عامين من الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، تضيق البدائل أمام جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تتصدر معارضة ذلك الانقلاب، فالأخير لم يقص ثورة 25 يناير وينه وجودها في الحياة السياسية فحسب، بل إنه نجح في تفكيك قواها وإضعافها إلى درجة كبيرة، فقد لعبت أضلع النظام القديم على وتر خلافات تلك القوى وجماعة الإخوان، بل ونجحت في أن تستغل ذلك في تحويل كثيرًا من قوى ثورة يناير إلى واجهة لثورة مضادة وفقًا لتقديرات مغرقة في السذاجة، ناهيك عن انقلاب بعض تلك القوى على ثورة يناير نفسها وتحولها إلى جزء من الثورة المضادة بتحالفها مع أضلع النظام القديم.
وفي إطار هذه المعادلة، لم يبق أمام الانقلاب في سعية لتوطيد سيطرته على السلطة إلا جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى الساندة التي مثلت مهددًا حقيقيًا أمام استمرار سلطته، وبذلك فقد دخل نظام الانقلاب في لعبة صفرية في مواجهته لجماعة الإخوان، من خلال استخدامه مستوى من العنف غير مسبوق في تاريخ الصراع السياسي في مصر، حتى بات القمع المنظم أحد أبرز الأدوات الرئيسية التي يستخدمها النظام في مواجهة معارضيه، ومع تصاعد وتيرة ذلك القمع فإن دائرة البدائل تضيق أمام جماعة الإخوان بشكل كبير، وتكاد تنحصر بين استمرارها في سياسة المعارضة السلمية أو تحولها إلى العنف.
خيار السلمية
تبنت جماعة الإخوان المسملين خيار المعارضة السلمية في مواجهة الانقلاب، وأصرت على تلك السياسة رغم كل حملات القمع والعدوان التي مارسها بحق أعضائها؛ فلقد تحولت المقولة الشهيرة لمرشد الجماعة الدكتور محمد بديع “سلميتنا أقوى من رصاصهم” إلى أيقونة تلك المعارضة، واستوعبت الصدمة التي تمثلت باقتحام اعتصامي رابعة العدوية والنهضة الذي راح ضحيته الآلاف، لكن ذلك أفرز خللاً في واقع المواجهة، فأمام السلمية التي ينتهجها المعارضون يصر نظام الانقلاب على البطش والقمع ضدهم، والخطورة التي تحتوي هذا الخلل تتمثل بمحاولة النظام وإصراره على استدراج الإخوان والمعارضة لتبني خيار العنف، سعيًا لتغير طبيعة الصراع.
وإذا كان هذا الخيار قد حقق مكاسب للجماعة متمثلة بعدم استقرار شرعية الانقلاب، والنجاح في الحفاظ على خيوط الصراع واضحة وإبقائه في إطار المواجهه بين معارضة سلمية وانقلاب قمعي وخسارته لسمعة الدولة، إلا أن الاستمرار بهذا الخيار على هذا الإيقاع يواجه العديد من التحديات التي قد تؤدي إلى إفشاله؛ أولها وهو التحدي الأكبر الذي تواجهه الجماعة والمتمثل في إقدام الانقلاب على إعدام الرئيس مرسي أو المرشد العام أو قيادات حساسة في الصف الأول للجماعة، مثل هذا التحدي سيؤدي إلى عجز الجماعة عن ضبط رد الفعل لاسيما بين صفوف شبابها المتحمس، الذي قد يندفع إلى تبني خيارات أخرى بعيدًا عن الجماعة، وهو ما يعني بالنتيجة حدوث شقاق خطير داخل صفوفها.
بالاضافة إلى ذلك فإنه وإزاء تصاعد وتيرة القمع؛ فإن واقعًا مفعمًا بالمظالم قد يفرز قوى جديدة غير جماعة الإخوان تتبنى خيار العنف في بيئة تساعد على الاستقطاب، تقلب معادلات الإخوان وتربك المشهد بشكل كبير، الأمر ذاته ينطبق على تنظيم “ولاية سيناء” التابع لداعش والذي تمثل هذه البيئة إنعاشًا له، وهو ما يحمل خطرًا كبيرًا متمثل في زحفه إلى العمق المصري وبالتالي فرضة لواقع جديد يعصف بكل خيارات الإخوان؛ لذلك فإن استمرار الجماعة بمثل هذا الخيار من دون تصور واضح قد يعد خيارًا عاجزًا لا يؤدي إلا لاستنزاف الجماعة ذاتها.
خيار استخدام العنف
وسط تصاعد وتيرة القمع المنظم من قِبل سلطة الانقلاب، تتصاعد موجة تأييد لهذا الخيار وتدفع بقوة إلى تبنيه، يساعدها في ذلك بيئة الشرق الأوسط المضطربة التي تحولت إلى ثقب أسود للصراع عالميًا، وإذا كان مناصرو هذا الخيار يستندون إلى أنه ربما يفضي إلى انهيار سريع في منظومة الانقلاب وتداعي الشرطة والجيش الذي يحوي عددًا كبيرًا من المجندين الذي بالإمكان أن يتسربوا ويحدثوا حالة إرباك عام داخل المؤسسة العسكرية، وعلى اعتبار أن هذه الأجهزة لا تنتمي إلى عقيدة طائفية أو حزبية معينة، فيعول أصحاب هذا الخيار إلى انهيارها سريعًا أمام تهديد وجودي.
إلا أن هذا التصور يخفي المخاطر التي تترتب على تبني الجماعة لمثل هذا الخيار وتتلخص أبرز تلك المخاطر بالآتي:
1- سيؤدي هذا الخيار إلى قلب شكل الصراع وطبيعته؛ إذ إنه سيتحول من صراع بين سلطة ديكتاتورية ومعارضة إلى حرب أهلية، خطورة هذا التحول هو أن مثل هذا الجو يسمح للأطراف الخارجية بتقوية أطراف الصراع إلى حد غير قابل للحسم، ومن ثم تتدخل لحسمه على أساس تقاسم الأمر الواقع الذي حتمًا لن يكون على أساس خسارة الجميع.
2- يسعى الانقلاب ومنذ عامين إلى استدراج الجماعة والمعارضة إلى أعمال عنف تحول الصراع إلى حرب أهلية؛ وسبب سعيه في ذلك هو أن مصر التي فيها واحدًا من أكثر ممرات الملاحة العالمية تأثيرًا على الاقتصاد العالمي وهي قناة السويس، لن تسمح القوى العالمية بزعزة استقرارها الذي سيترك أثرًا بالغًا على اقتصادياتها مباشرة، وبالنتيجة فإن نظام السيسي سيجد حينها نفسه شريكًا لتلك القوى في محاربة “الإرهاب” الذي غدا يمثل ظاهرة عالمية.
3- عقيدة جماعة الإخوان لا تشتمل على السيولة في إطلاق الأحكام لاسيما أحكام القتل، وإذا كانت عقيدة الجماعة قائمة على أنها لا تقاتل إلا محتل، فإنها ستكون أمام تحدٍ حقيقي عند المواجهة وهو كيف يمكن لها أن تقوم بمواجهة عامة لأجهزة الانقلاب والتي تمثل فتوى بقتل جماعي، هذا المعيار الذي يغفل عنه الكثيرون هو أحد ركائز قوة التنظيمات الجهادية ولاسيما تنظيم داعش الذي يمتلك سيولة كبيرة في توجيه أعمال القتل الجماعي؛ وبالتالي فإن الجماعة إزاء ذلك ستكون أمام خطورة ضعف المواجهة؛ وبالتالي تكون قد أعطت مبررًا لارتكاب مذابح بحقها، أو أن تكون أمام انهيار قيمي حقيقي للجماعة، ناهيك عن أنه سيفرز الكثير من الجماعات الجهادية التي ستملأ الفراغ الذي فتحته جماعة الإخوان وربما ستكون أحد الأطراف التي تواجه الجماعة بشكل صريح.
4- لجوء الجماعة للعنف سيفقدها ثقلها الدولي، بالإضافة إلى تعرضها لمخاطر أن تدرج على لائحة الجماعات الإرهابية عالميًا أو في بعض الأقاليم؛ وهو ما يعني ضرب فروع الجماعة العالمية وفقدانها لمواردها الرئيسية؛ مما يكون انتكاسة حقيقية تتعرض لها الجماعة.
وإزاء هذه المخاطر الحقيقية التي تترتب على تبني هذا الخيار؛ فإن الترويج له لا يخرج من كونه رؤية عاطفية بلهاء، تجزع من المواجهة لتطور خيارات تكون بحق بدائل كارثية.
خيار “السلمية الذكية”
إذا كان خيار اللجوء إلى العنف يحتوي على الكثير من العواقب التي تجعل منه خيارًا انتحاريًا؛ فإن الجماعة ملزمة بالاستمرار بخيارها العقلاني المتمثل بالمعارضة السلمية، لكن ليس بهذه السلبية، بل هي ملزمة بتطويرها بالوسائل التي تجعل منها سلاحًا ناجعًا في مواجهة الانقلاب؛ أولى وسائل التطوير هي أن تسعى الجماعة إلى تأسيس جبهة وطنية عريضة حتى مع أولئك الذين كانوا أحد مسببي الانقلاب ولكن بسذاجة الاختيار وليس أولئك الذين بقوا أحد أركانه، مثل هذه الجبهة ستغير معادلة (إخوان – عسكر) وتمكنهم من فتح قنوات اتصال عالمية.
بالاضافة إلى ذلك فإن عليها الاستمرار على ما أقدمت عليه في ذكرى ثورة يناير الأخيرة وهو تصعيد أعمال الشغب دون ضرورة تبنيها، والتي ستنهك أجهزة القمع لدى الانقلاب وتبدأ جديًا في تبديل خيارتها، كذلك فإن على الجماعة أن تشن حربًا اقتصادية على النظام الانقلابي كتلك المتعلقة بتعويم الجنيه المصري من خلال التلاعب بأسعار الصرف وضرب الاستثمار المدعوم سياسيًا بوسائل عدة، مع تصعيد وتيرة التظاهر؛ هذه الوسائل التي ستنهك الانقلاب ستمكن تلك الجبهة من فتح قنوات داخل النظام مع من لم يرتكبوا جرائم بحق الجماعة؛ وهو ما سيؤدي إلى أن تكون السلمية التي تنتهجها الجماعة هي سلمية ذكية قادرة على تجنيبها خيارات صعبة تنعكس على البلد والمنطقة عمومًا.