ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
عُرف أليكسيس تسيبراس بانخراطه في اليسار المتطرف، ومن خلال مواجهته لأوروبا بشأن مسألة الديون، قام رئيس الوزراء اليوناني بالعديد من الأخطاء التكتيكية والإستراتيجية التي يمكن أن تكون عواقبها وخيمة.
ويمتلك كل من أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، وأليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني اليساري، شيئًا مشتركًا؛ لقد كانا سابقًا أعضاءً في الشبيبة الشيوعية، لكن الأولى تركت هذه الحقبة من حياتها جانبًا لتصبح زعيمة اليمين الألماني، في حين أن الثاني ظل وفيًا لمبادئ اليسار التي أوصلته إلى السلطة.
صعود سريع ولامع
كان وصول تسيبراس للسلطة سريعًا ولامعًا؛ ففي عام 2009، لم يحصل الحزب اليساري سيريزا، إلا على 4.6 بالمائة من الأصوات، ثم في عام 2012، وخلال دورتين انتخابيتين تشريعيتين، تمكن الحزب من تحقيق قفزة مذهلة؛ 16.78 بالمائة و52 نائبا في مايو، وفي يونيو حصل على 26.9 بالمائة و71 نائبًا، وأخيرًا في 25 يناير الماضي، كان الفوز الكبير مع 36.3 بالمائة من الأصوات و149 نائبًا (من أصل 300)، ليصبح هذا الحزب اليساري الراديكالي الحزب الأول في اليونان، ويتسلم تسيبراس السلطة من خلال دخوله إلى فيلا مكسيموس، مقر إقامة رؤساء الوزراء.
ولد رئيس الحكومة الجديد في أثينا يوم 28 يوليو 1974 في عائلة من الطبقة الوسطى، وكان والده صاحب شركة بناء صغيرة، يصوت دائمًا للاشتراكيين، وبعد المدرسة الثانوية، حصل الشاب أليكسيس على شهادة في الهندسة من مدرسة البوليتكنيك، وعمل في مؤسسة العائلة مع قيامه بتطوير مشاريع لتخطيط مدينة أثينا.
ولكن اهتماماته كانت موجهة نحو السياسة، وقد اعتبر تسيبراس أن الحزب الشيوعي اليوناني ستاليني في طريقة عمله، ما جعله يترك الشباب الشيوعي لينضم إلى الائتلاف المعارض، وعلى رأس قطاع الشباب، كان دائمًا يقود المظاهرات في الثانوية وفي الجامعة، في عام 2006، دخل المجلس البلدي لأثينا، وفي عام 2008، أصبح رئيسًا لحزب سيريزا، في عام 2009، انتخب نائبًا، وفي غضون ست سنوات، تمكن أليكسيس تسيبراس من جعل مجموعة يسارية تتحول إلى حزب على سدة الحكم.
لا ينتظر شيئًا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي
الرجل جذاب ولديه أسلوب الفذلكة مع قدرة كبيرة على الخطابة، وهو لا يرتدي ربطة عنق، وتعجب أفكاره اليونانيين، الذين فقدوا 25% من قدرتهم الشرائية منذ عام 2011، كما أصيبوا في كبريائهم الوطني من خلال الإصلاحات المؤلمة والإجراءات التقشفية التي فرضتها “الترويكا” (الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) على بلده الذي أصبح “فأر تجارب لسياسة التقشف”.
ولا ينتظر أليكسيس تسيبراس شيئًا من الديمقراطيين الاشتراكيين الأوروبيين مثل فرانسوا هولاند، لأنه يعتبرهم “مديرين مساعدين لليبرالية الجديدة”، وهو يعتزم إظهار الكثير من العناد والعصيان في المفاوضات مع الترويكا مع وعده باستعادة الحد الأدنى للأجور، وخلق 300 ألف وظيفة، مع إعادة إدماج الموظفين الذي تم تسريحهم من وظائفهم بناء على طلب من الترويكا، ووضع حد للخصخصة، مع مجانية الخدمات الأساسية للفقراء.
هذا الناشط السياسي المفعم بالكاريزما، والذي أعطى لآخر أبنائه اسم أورفيوس أرنستو، تكريمًا لذكرى تشي غيفارا، أرعب منذ البداية أوروبا، فهو من الممكن أن يضع حدًا لخطة الإنقاذ لبلاده ويعطي مثالاً سيئًا لإسبانيا والبرتغال، كما أن المسؤولين الأوروبيين بدأوا بالاقتناع بمواقف هذا الرجل البراغماتي، ويرى المفوض الأوروبي بيير موسكوفيتشي أن هذا الرجل “أكثر اعتدالاً من جان لوك ميلينشون”، رئيس حزب اليسار الفرنسي، ومن خلال الموقف الذي عبر عنه يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني السابق، يبدو أن تسيبراس مستعد لخصخصة بعض المؤسسات العامة، ولتعقب التهرب من دفع الضرائب، ولزيادة ضريبة القيمة المضافة، مع مواصلة سداد ديون بلده، لأنه يريد أن تبقى اليونان في منطقة اليورو.
التخلي عن وعوده الانتخابية
أثار تخلي تسيبراس عن وعوده الانتخابية استياء الجناح الأكثر يسارية في حزبه سيريزا وفي جزء من ناخبيه، كما بدأ البعض يتهمه بالخيانة، كما حذرت أم ولديه بأنها ستتركه إذا انشق عن أوروبا؟ بعض الأوروبيين يتصورون أن تجربة رئيس الوزراء اليوناني شبيهة بتلك التي عاشها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي كان تروتسكيا في الأصل قبل أن يتخلى عن أفكاره، وبالتأكيد تمكن تسيبراس بالفعل من تكميم أفواه أعضاء حزبه سيريزا المناهضين لليورو.
ويحاول اثنين من المسؤولين الأوروبيين أن يؤثروا عليه، فجان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، يدافع عنه ضد متطرفي شمال أوروبا الذين يحلمون بإخراج اليونان من منطقة اليورو، وأنجيلا ميركل تنفق ساعات لتشرح له عادات وتقاليد أوروبا المعقدة، حيث الحل الوسط هو القاعدة.
إلا أن هذه النصائح كانت عديمة الفائدة، فقد ارتكب تسيبراس وحزبه في الواقع خطأً تكتيكيًا، من خلال نصب العداء مع محاوريه، ومطالبة ألمانيا بدفع تعويضات الحرب بسبب الدمار الذي حصل منذ سبعين عامًا مع إدانة “إنذار” الترويكا له؛ ما جعل بعض المسؤولين، على غرار كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، تتهمه بالصبيانية، وآخرون مثل يورين ديسلبلوم، رئيس مجموعة اليورو، يتهمونه بالنفاق.
خطأ تحليلي
ارتكب تسيبراس خطأً إستراتيجيًا خطيرًا؛ فهو مقتنع بأن “منطقة اليورو هي سلسلة من شأنها أن تتفكك إذا تم كسر أي من حلقاتها”، فإذا كان الأمر كذلك فإن الأوروبيين وصندوق النقد الدولي حتمًا سيخضعون لرغبة اليونان، خوفًا من حصول انهيار نقدي، لكن ما لم يره تسيبراس هو أنه منذ عام 2012، تم اتخاذ الحيطة بحيث لن يسبب خروج اليونان من منطقة اليورو أي أثر سلبي، ويرجع هذا التحليل الخاطئ إلى رفض الترويكا مطالبه للتخفيف من سياسة التقشف؛ ما دفعه للدعوة لإجراء هذا الاستفتاء الغريب الذي يطلب فيه من مواطنيه رفض شروط الترويكا، التي لا يعرف عنها الرجل العادي أي شيء، وذلك لتمكينه من إعادة التفاوض من موقع قوة.
وتغلب التصويت بـ “لا” يوم الأحد لتستمر التراجيديا اليونانية، فمع هذا الرجل غريب الأطوار الذي ينوي البقاء في منطقة اليورو ولكن بشروطه، فإنه لا يمكن التنبأ كيف سيتطور الوضع إلى الأسوأ أم إلى الأفضل.
المصدر: صحيفة جون أفريك