آلاف البلاغات أرسلت الى مكتبه ورغم ذلك لم يتوقف الاختطاف و الاخفاء القسرى الذى أضحى أحد أبرز انتهاكات السلطة العسكرية الحالية فى مصر، إسلام عطيتو الطالب بجامعة عين شمس والذى تم اختطافه من الحرم الجامعى ليلقى حتفه فى ظروف غامضة بعدما ادعت الداخلية تبادله اطلاق النار مع قوات الامن فى أحد كهوف الصحراء بينما صوبت أصابع الاتهام تجاه فرق الموت التابعة للقوات الامنية فى اختطافه من الجامعة وتصفيته، شغلت قضية الطالب اسلام الرأى العام عدة أيام لأن زملاؤه وأساتذته شهدوا برؤيتهم تفاصيل واقعة الاختطاف ومن ثم فوجئوا بخبر مقتله الذى أذاعته الداخلية بعد ذلك بينما عشرات حالات التصفية الاخرى مرت بهدوء ولم تأخذ حظها من المعرفة لأن أصحابها قتلوا فى ظروف أكثر غموضا واستطاعت فرق الموت تصفيتهم بعيدا عن أعين الناس، مرت هذه الحوادث وغيرها بلا أدنى اهتمام من محامى الشعب!
إسراء الطويل فتاة مصرية تم اعتقالها مع مجموعة من اصدقائها ليتم اخفاؤها لأيام طويلة لتنطلق دعوات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لتطالب بمعرفة مصيرها قبل ان تظهر بأحد السجون وموجهة لها قائمة من التهم ، مئات وربما آلاف المواطنين تعرضوا للاخفاء القسرى فى أقبية وأماكن سرية تابعة للداخلية يتعرضون خلالها للتعذيب ولصنوف مختلفة من الانتهاكات بهدف الادلاء بشهادات عن أشخاص وأحداث بعضها صادقة وأغلبها كاذبة قبل أن يتم عرضهم على جهات التحقيق، أيضا هذه الحوادث لم تشغل بال محامى الشعب!
تسريب صوتى أذاعته احدى الفضائيات المعارضة للسلطة يتحدث فيه عضو المجلس العسكرى لمكتب وزير الدفاع الحاكم الفعلى وقتها عن استغاثة النائب العام به بعد دفع دفاع مرسى بعدم قانونية احتجازه فى ثكنة عسكرية غير تابعة لسجون الداخلية ما يفسد القضية برمتها، فيخطط رجال الجيش وكأنهم قادة عصابة لتزوير أوراق وبناء سور لاثبات تبعية الثكنة العسكرية لأحد السجون، هنا ظهر محامى السلطة بوجهه القبيح المحرض على ارتكاب جريمة وانتهاك القانون الذى أقسم على احترامه والالتزام به.
عملية فض الاعتصام تتم بقرار من النيابة العامة!
كانت تلك الكلمات التى سمعتها آذان الآلاف من المعتصمين تحت وقع زخات الرصاص دليل لا يقبل الشك على المشاركة فى الجريمة التاريخية بقتل مئات المعتصمين السلميين فى مجزرة لم تشهدها مصر من قبل، المجزرة كانت مفجعة إلى الدرجة التى لم تسمح لأحد بالتدقيق فى تلك الكلمات وقتها، الا ان اغتيال النائب العام ومع تصاعد لهجة التهديد والوعيد وبيانات الشجب والادانة التى تلت الحادث دفعت الكثيرين لاعادة سماع تلك الكلمات بتركيز اكثر ليتذكر ذوى الضحايا ما ارتكبه النائب العام فى حقهم وفى حق القانون الذى مثله حين قبل أن يكون محاميا للسلطة المجرمة فى وجه من هو مفترض أن يكون محاميا عنهم!
وجبت الاشارة فيما سبق الى أن مقتل النائب العام لن يكون سببا فى نسيان جرائمه، ربما افعاله تلك هى ما دفعت وكانت سببا مباشرا فى اغتياله وربما جهة اخرى هى من تقف وراء اغتياله لخدمة اهداف لا تزال مجهولة حتى الآن، الا ان استغلال السلطة لحوادث العنف تلك والدفع نحو ارتباك المشهد أكثر فأكثر يجعلنا نطرح تساؤلا عن من يقف خلف العنف ؟ ومن يستفيد منه؟
اغتيال النائب العام جاء كأقوى عمل عنيف يستهدف قيادات السلطة فى مصر منذ سنوات طويلة، ربما منذ العام 1981 حينما اغتيل الرئيس الاسبق انور السادات، لذلك نظر البعض للحادث باعتباره مقدمة لمرحلة اكثر عنف ودموية، اذ سرعان ما ألقى قادة النظام بالاتهامات الجاهزة لحركة الاخوان المسلمين حتى قبل بداية أي تحقيقات بل وتم استهداف اجتماع لعدد من قيادات الاخوان المسؤولين عن كفالة أسر الشهداء والمعتقلين ولتتم تصفيتهم هذه المرة بصورة دموية جديدة، فيما بدا دفعا بالامور الى سناريو سنوات الدم.
الجدير بالذكر أن السلطة عادت و وجهت الاتهامات لضابط صاعقة سابق تقول التقارير الامنية أنه تم فصله من الجيش لتبنيه افكار ورؤى متطرفة كما انه يعد أحد ابرز القادة الميدانيين لتنظيم بيت المقدس الذى بات يعرف بولاية سيناء والموالى لتنظيم الدولة الإسلامية، بينما لم تعلن أى من التنظيمات المسلحة المناوئة للنظام عن ارتكابها لحادثة اغتيال النائب العام ما اضفى مزيدا من الغموض حولها.
من يدير العنف فى مصر؟
أصبح واضحا ان الساحة المصرية تتجه رويدا رويدا الى العسكرة وؤلى صراع دموى عنوانه هو القوة العسكرية وقدرة كل طرف على الحاق الخسائر بعدوه، حدث هذا عندما تحولت المبادرات والاجتماعات السياسية الى قمع وقتل وسير على أشلاء المعارضين فور استيلاء الجيش على السلطة وشروعه فى مخاطبة الفرقاء السياسيين ومعارضيه بالرشاشات والاسلحة الثقيلة ليتحول المشهد تدريجيا، ففى حين استطاعت المعارضة المنظمة الحفاظ على نفسها ومعظم افرادها بعيدا عن دوائر العنف الا أن انفراط عقد أطراف أخرى من المعارضة أدى الى تحول قطاع منها الى المواجهة المسلحة ظنا أن العنف لا يسقط الا بعنف مقابل وأن السلمية ليست سوى شعارات براقة ﻻ تمثل غير ورقة التوت التى توارى العجز والسذاجة ومما زاد من تلك الرؤية حالة الانبهار بالاسلوب الدعائى الانتقامى لداعش وتراكم المظالم على يد العسكر يوما بعد يوم.
وبالتالى من بدأ بالعنف هى السلطة الدموية ومن غذى و عمل على زيادة العنف المضاد سواء بتخطيط أو سوء ادارة، وسواء كان ذلك فى مصلحته أو ضدها هم العسكر أيضا، ليس هذا تجنيا على طرف بقدر ما هو اقرار بحقيقة ﻻ يستطيع أحد اثبات عكسها أو اخفاؤها!
من المستفيد من العنف؟
يمكننى تخيل الجنرال محدود الذكاء أثناء قراءته بيان 3 يوليو وهو يرى أمام عينيه أنهار الدماء كما وهو يطلب التفويض لمحاربة الارهاب ( المحتمل ) وهو يرى أيضا أمامه الارهاب أمرا واقعا وخطرا داهما يتهدد الوطن.
الجنرال محدود الذكاء على مستوى التفكير والتخطيط لإدارة دولة لا يحمل أية برنامج أو خطة عمل تستهدف حل مشاكل المواطنين أو تحسين أحوالهم المعيشية وهو يتقدم من فشل الى آخر لا يملك ما يقدمه سوى قدرته على قمع معارضيه والتخلص منهم عبر القتل والاعتقال، يجيد فض الاعتصامات السلمية والتظاهرات الشعبية كما يجيد تصفية المجموعات المسلحة التى تواجهه وان كبدته خسائر ليست فى نظره سوى أرقام لجنود تحمى الملك كما هو الحال على رقعة الشطرنج، يستمد شرعيته من كونه عسكريا جاء ليحمى الوطن من العنف والارهاب ويركن اليه مؤيديه خوفا من المجهول وليس حبا فيه أو اقتناعا برؤيته، الخوف من الفوضى أو ما يعرف بمصير سوريا والعراق هو ما يدفع البعض لتأييد استيلاء العسكر على السلطة ولو كان على حساب الديموقراطية والحريات والحقوق الاساسية للمواطن.
رغم عسكرة الصراع التى تبدو الا أن مصر ليست مقبلة على ثورة مسلحة بل تبدو مقبلة اما على ثورة هادرة تخاطب عقول الناس وقلوبهم وتبحث عن مصالحهم وحقوقهم وتراعى طبيعة الشعب والبلد، أو على حرب أهلية تشبه العشرية السوداء التى لم تسقط النظام بقدر ما ثبتته ومنحته مبررا للحكم .