“الثورات لا تموت ولو ذبحوها.. إنها كسماد الأرض تمنح الحياة، ولو بعد حين”، هذا ما أعلنته المدينة الجبلية المعروفة بتفاحها وماءها البارد وجمالها، وهذا ما كانت مستعدة لأن تدفع ثمنه بدم أبنائها قبل أن تعطيه من جمالها وماءها البارد وتفاحها المعروف.
وقبل أيام، أعلنت فصائل الثوار في الزبداني معركة “البركان الثائر”، ضد الطغاة والغزاة الذين جلبوهم؛ ضد نظام بشار الأسد – المشارك بالقصف الجوي بالغالب – ومسلحي حزب الله، كخطوة استباقية لما أعلنته قنوات حزب الله والنظام عن بدء عملية تحرير الزبداني التي كانت تحت سيطرة الثوار منذ أول أيام الثورة.
المعركة المستحيلة
من جهة الثوار، شارك في معركة البركان الثائر فصائل الزبداني المحلية، والتي تضم فصائل من الجيش الحر وجبهة النصرة وأحرار الشام، في معركة موجهة ضد حزب الله بشكل رئيسي، الذي يشارك بكل ثقله المدفعي والميداني، مع تغطية جوية مكثفة وشديدة من قصف النظام بالبراميل المتفجرة – يوم أمس (٦ تموز/ يوليو) فقط أسقط نظام الأسد ٢٠ برميلا متفجرا -، مع حضور إعلامي محدود لتنظيم الدولة عبر نشره صورا من خلال حساب “ولاية دمشق” في وقت سابق.
وساعدت العملية الاستباقية التي شنها الثوار في ٤ تموز/ يوليو مع بداية المعركة بالسيطرة على أربع نقاط عسكرية للنظام على أطراف المدينة – التي يسيطرون عليها -، وهي: (حاجزَيِ الشلاح والقناطر إضافة إلى بناء الثلج وبناء سناك التنور)، ثم استعاد النظام سيطرته عليها، قبل أن يستعيدها الثوار وينطلقوا منها لمزيد من النقاط العسكرية، ضمن معارك كر وفر لم تحسم بشكل نهائي حتى الآن.
عسكريا، ترجح الأمور لصالح كفة النظام، إذ أن الزبداني تأتي كجيب ثوري، دون خطوط إمداد، في منطقة محاصرة من قبل النظام شرقا وجنوبا، ومن قبل حزب الله مباشرة على الحدود اللبنانية غربا وشمالا، إلا أن “حرب العصابات” في المدينة ستستنزف مسلحي الحزب والنظام أثناء محاولات الاقتحام، وقد تجبرهم على التراجع، خصوصا أن الزبداني ليست معركة استنزافهم الوحيدة في سوريا في هذا الوقت.
بالإضافة لحرب الاستنزاف، فقد دخل سلاح جديد في هذه المعركة لصالح الثوار، لم يكن مستخدما في المعارك من قبل، وهو سلاح المياه؛ إذ هدد ثوار وادي بردى، القريبة من الزبداني والتي تطل على عين الفيجة، قطع المياه عن دمشق في حال استمرار الحملة العسكرية على المدينة، دون أن تظهر آثار مباشرة لهذا التهديد كذلك.
لماذا الزبداني؟
ثوريا، لم تكن الزبداني من أول المدن المشاركة بالحراك السلمي منذ انطلاقه وحسب؛ – والتي عرفت خلاله، ولا زالت، بلافتاتها الشاعرية الهادئة المتضامنة -، لكنها تملك إرثها ورمزيتها الثورة لكونها أول المدن بالتحرر العسكري الكامل من نظام الأسد في بدايات عام ٢٠١٢.
ومنذ ذلك الحين حتى الآن، ظلت الزبداني – التي بقي بها ٣٠ ألفا من سكانها من أصل ١٠٠ ألف – مكانا للقصف والحصار والمعارك المستمرة لمدة عامين، في حين شهدت محاولات سيطرة ومعارك دون أن تفقد السيطرة الكاملة تماما.
ويظهر أثر البعد الرمزي للمعركة بالنسبة للنظام وحزب الله من خلال التضخيم الإعلامي الذي رافق المعركة، قبل بدايتها حتى، في وقت يحتاج به النظام وحلفاؤه لانتصار رمزي كهذا أمام الهزائم التي تلقوها – ولا زالوا – منذ بداية العام الجاري حتى الآن، وأبرزها السيطرة على محافظة إدلب كاملة، ونقاط عسكرية كبيرة في درعا، وانطلاق معارك تحرير حلب قبل أيام من الآن.
وليست قيمة الزبداني في بعدها الرمزي – سواء بشكل مباشر للثوار، أو من خلال تحطيمه من قبل النظام – وحسب؛ فمن الناحية الجيوعسكرية؛ تقطع الزبداني منطقة امتداد لحزب الله من الحدود اللبنانية، وحتى القلمون، التي يخوض بها هناك واحدة من أشد معاركه، والتي أعلن الثوار عنها قبل شهر تقريبا باسم “فتح القلمون”، بينما تخفف معركة الزبداني عن الثوار هناك، من خلال استنزاف حزب الله في جبهة أخرى أقرب عليه وأكثر تأثيرا على مناطق تواجده، مما يجعلها أشبه بمعركة “القصير” التي خاضها الحزب والثوار كمعركة وجودية، ولا زالوا يعانون من آثار خسارتها حتى الآن.
ويعي حزب الله النقطة الأخيرة جيدا، إذ شهدت الزبداني قصفا مدفعيا من داخل لبنان، في فائدة عسكرية أولا، وسياسية داخلية ثانيا له، إذ استخدم الحزب قرب الزبداني من لبنان وجرود عرسال – التي شهدت عمليات الخطف والاشتباكات مع سوريا -، كورقة سياسية ليعرض نفسه كـ”مدافع عن لبنان أمام التكفيريين”، في وقت تشهد به البلاد تخبطا سياسيا دون رئيس، وغياب التوافق، وحضور المخاوف الأمنية بشدة.
هي معركة مستحيلة إذا يخوضها ثوار الزبداني في ثورتهم المستحيلة، في وقت يستذكرون به جيدا، بدم شهدائهم ودمار شوارعهم، كيف يمكن خرق المستحيل، هاتفين ورافعين منذ أن بدؤوا، وحدهم، بالقول: يا الله ما إلنا غيرك يا الله”.