أعلنت السلطات المصرية على لسان المتحدث العسكري عن اعتقال الأجهزة الأمنية واحدة من أخطر الخلايا الإرهابية التي تهدد الاقتصاد والأمن القومي المصري، وأشار المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية خلال الفيديو الذي نشر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” إلى أن الخلية تدار من قبل جماعة الإخوان المسلمين في تركيا وأن الخلايا قد تلقت تدريباتها في سوريا، حيث ظهر في الفيديو المنشور مجموعة من الشباب الذين كانوا قد اختفوا قسريًا منذ أسابيع وهم يدلون باعترافات بشأن تنفيذهم لعمليات نوعية ضد المنشآت الحيوية واستهدافهم لعدد من القيادات والرموز والشخصيات العامة بالدولة، وبدا على النشطاء كأنهم يقرأون تلك الاعترافات، كما ظهر عليهم آثار للتعذيب البدني الذي أكدته أسرهم، والغريب هنا أن وزارة الدفاع المصرية لم تقم بنشر أي فيديوهات من هذه النوعية لاعترافات معارضي النظام من قبل، حيث كانت هذه المهمة تقتصر على الصفحات التابعة لوزارة الداخلية.
أوضح شقيق المعتقل صهيب سعد، أحد الشباب الذين ظهروا في المقطع المصور أنه تعرض للتعذيب المستمر والصعق بالكهرباء والتعليق من يديه في الحائط لثلاثة ليالي متتالية بأحد أقبية أمن الدولة بالقاهرة إبان اختطافه من قبل قوات الأمن مع زميلته المصورة إسراء الطويل والشاب عمر محمد ، وذلك مطلع يونيو الماضي حيث أثارت حينها واقعة اختفاء الشباب الثلاثة قسريًا لأكثر من أسبوعين ضجة قبل التوصل إلى مكان احتجاز الشابين في مجمع سجون طرة، رغم إنكار وزارة الداخلية المتكرر اعتقالها لهم.
الشاب صهيب الذي ظهر في الفيديو يقول أنه سافر مع مجموعة من الشباب إلى تركيا ومنها إلى سوريا حتى الوصول لمخيم اليرموك لتلقي التدريبات على العمليات الإرهابية، والحقيقة أن هذا الشاب بالتحديد كان يقبع في تلك الفترة الزمنية في أحد السجون المصرية، إثر اعتقاله من قبل السلطات على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا باسم خلية الماريوت، وقد خرج على ذمة القضية قبل أسابيع من اعتقاله مرة أخرى وكان يشترط عليه التوقيع يوميًا بقسم الشرطة ولم يتخلف منذ إطلاق سراحه المشروط عن التوقيع حتى يوم اختطافه، أي أنه من الصعوبة بمكان أن يكون قد سافر إلى تركيا ومنها لسوريا وتلقى التدريبات في مخيم اليرموك ليعود مرة أخرى لقسم الشرطة للتوقيع بإثبات وجوده في أقل من يوم، وهو ما يؤكد سيناريو تسجيل هذه الاعترافات تحت ضغط التعذيب.
مجموعة الشباب الذين ظهروا في ذلك الفيديو المصور دون سابق إنذار أكدت أسرهم أنهم كانوا رهن الاختفاء القسري طيلة أسابيع ماضية، فمكتب النائب العام يعج بشكاوى من تلك الأسر عن اختفاء ذويهم، وقد أشارت الأسر التي تمكنت من التعرف على مكان ذويهم قبل نشر الفيديو إلى وجود آثار تعذيب وضرب واضحة عليهم، هذا بالإضافة إلى أن الشباب لا يعرفون بعضهم البعض من الأساس كما تحدث بعض المتهمين في القضية الموجودين خارج مصر، فيؤكدون أنهم لم يعرفوا هؤلاء الشباب إلا بعدما نشر عنهم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترات اختفائهم قسريًا، فمن المستغرب حقًا أن تكون خلية بهذا القدر من الخطورة كما يدعي النظام تعترف على بعضها البعض بهذه الصورة دون أن يعرف المتهمين بعضهم من الأساس.
الفيديو الذي لم يكن الأول من نوعه لتسجيل اعترافات مصورة لمعتقلين يبدو عليهم آثار جلية للتعذيب جسد استمرار نهج النظام المصري في استخدام التعذيب كأحد أدواته المفضلة لانتزاع اعترافات من المعتقلين وإجبارهم على تصويرها لعرضها على الرأي العام، وذلك بغرض استخدمها في الحشد الشعبي والتعبئة ضد جماعة الإخوان المسلمين تحت زعم محاربة الإرهاب، وعلى الرغم من أن الفيديو يتحدث عن قيام الأجهزة الأمنية بضربة استباقية للإرهاب المحتمل بتوقيف خلية من أكبر الخلايا الإرهابية، إلا أن النظام ما زال عاجزًا عن حماية العاصمة من ذلك الإرهاب المزعوم.
فبعد ساعات من نشر الفيديو على صفحة وزارة الدفاع المصرية والقنوات التابعة للنظام حدث تفجير ضخم استهدف القنصلية الإيطالية بأحد أكبر شوارع قلب العاصمة القاهرة. أسفر الانفجار الناتج عن انفجار سيارة مفخخة أمام المبنى عن وقوع قتيل وإصابة تسعة آخرين بحسب تصريحات وزارة الصحة المصرية، ومن بين المصابين أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلان تصادف مرورهما بالمكان لحظة الانفجار، بالإضافة إلى تدمير جزء من واجهة المبنى.
ردت السلطات المصرية على هذا الحادث باعتقالها لعدد من الصحفيين الأجانب المتواجدين لتغطية الحدث أمام المبنى، وقامت بإخلاء سبيلهم بعد ساعات قليلة من الاحتجاز، الصحفيون استهجنوا توقيفهم لمجرد قيامهم بتغطية الحدث، فقد صرح المصور الصحفي ديفيد ديغنر، أن توقيفهم جاء لوصولهم السريع لمكان الحادث، أما الصحفي الإيطالي أليخاندرو أكوريسو، قال أن الأجانب فقط من تم توقيفهم رغم تواجد مئات الأشخاص أمام البنى والتقاطهم الصور بهواتفهم، وأوضح أن أسئلة القوات الأمنية لهم دارت حول سبب تواجدهم وسرعة وصولهم للمكان، وأضاف كذلك أن المنطقة لم يتم إخلائها إلا بعد ساعة كاملة من الحادث، وشمل التوقيف أيضًا أحد صحفيي الراديو الفرنسي، والصحفي الأسترالي والت كيرنو.
عقب ساعات من الحادث خرج تنظيم ولاية سيناء المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش ليعلن مسؤوليته عن الحادث، وقال التنظيم في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن عناصره استخدموا 450 كيلوجرامًا من المواد المتفجرة، وقال البيان أيضًا إلى أن مثل تلك المناطق هي أهداف مشروعة للمجاهدين على حد قولهم، وقد نصحوا المسلمين بالابتعاد عن المناطق المماثلة، وخلال الشهور القليلة الماضية دأب التنظيم على تسديد الضربة تلو الأخرى للأجهزة الأمنية والدولة المصرية بشكل عام، فيما تقوم الدولة بالرد على ذلك باعتقال الشباب واخفائهم قسريًا ومن ثم الظهور بمظهر المحارب للإرهاب.
الحقيقة أن الأمن المصري منشغل طوال الوقت بملاحقة خصومه السياسيين وتصفيتهم إما بالقتل العمد خارج السجون، أو بالقتل البطيء بالإهمال الطبي والتعذيب داخلها، فالنظام يتوهم بتلك الممارسات تأمين نفسه شعبيًا بأن يقتات على مقولات مثل الحرب على الإرهاب بالرغم من أن الإرهاب واقعيًا في زيادة مستمرة ومطردة وليس نقصان، وعلى الجانب الآخر كانت ولاية سيناء قبل أقل من أسبوعين قد استهدفت 15 كمينًا لقوات الجيش وقتلت ما لا يقل عن 70 شخصًا بالإضافة إلى عشرات المصابين ضمن سلسلة هجمات نوعية تمارس في سيناء ضد قوات الجيش منذ فترة غير قصيرة، فيما ترد الأجهزة الأمنية المصرية على مثل هذا الإرهاب بحادث قتل أو تصفية أو تعذيب لمعارضيها وتترك مهاهجمها الأساسي الذي لم تستطع تسديد أي ضربة له كما تفعل مرارًا بخصومها السياسيين في الوادي.
سلسلة التفجيرات الأخيرة التي شهدتها مصر والتي كان من بينها استهداف موكب النائب العام وقتله، جعل بعض معارضي النظام يشككون في روايات الأجهزة الأمنية بشكل كامل ويتهموه بالضلوع في تلك التفجيرات بشكل أو بآخر لكسب التعاطف الشعبي والاستمرار في حربه المزعومة على الإرهاب، وقد أكد المعارضون أن التفجيرات تمكن الدولة من اتخاذ اجراءات أكثر قمعية وتمرير قوانين تزيد من القمع مثل قانون الإرهاب الأخير، ويعضد ذلك القول مطالبة عدد من الإعلاميين المحسوبين على النظام فرض حالة الطواريء بعد حادث القنصلية الأخير، وكأنها إحدى الفرص التي لا يجب أن تفوت دون مزيد من الممارسات القمعية والتنكيل باسم القوانين.
فيما يرى البعض ربط الأمر بأن النظام لديه رغبة في استثمار الحوادث لتسريع تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق الرئيس السابق محمد مرسي وعدد من قيادات جماعة الإخوان، ويعود هذا الربط إلى قيام وزارة الخارجية المصرية بترجمة حيثيات الحكم بالإعدام على مرسي وقادة الإخوان ووزعته على السفارات الأجنبية وذلك قبل يوم واحد من حادث تفجير القنصلية الإيطالية، ما يشير إلى أن السلطات المصرية قد عزمت على تنفيذ أحكام الإعدام لكنها تقوم ببعض الأعمال الاستباقية لتهئية المجتمع الدولي لتلقي مثل هذا الخبر.
من هذه الشواهد يبدو أن الآلة القمعية في السلطة المصرية غير قادرة على حماية نفسها أمام الإرهاب الحقيقي الذي يتجول في شوارع القاهرة وأطراف سيناء ليل نهار حتى أستطاع أن يصل إلى النائب العام والقنصلية الإيطالية في قلب العاصمة بينما لا يجد فرد الأمن المصري دوره سوى في إطلاق الرصاص على محامٍ داخل أروقة محكمة مصرية بتهمة الاشتباه به بسبب سيره بسرعة، فقد أصبح التجول في شوارع العاصمة القاهرة بسيارة مفخخة أمر غير ذي أهمية لأفراد الشرطة أما أن تتحرك بسرعة في منشأة حكومية فهو أمر يستدعي إطلاق الرصاص عليك.
فبعد هذه الحوادث ترك النظام الشعب لمواجهة مصيره المحتوم أمام الإرهاب المزعوم الذي يُصنع على عين النظام في مصانعه بأقبية التعذيب والسجون شديدة الحراسة، وقد اكتفت الحكومة المصرية بدورها في هذه الجولة مع الإرهاب الحقيقي بأن تُلقي القبض على أخطر خلية إرهابية على حد وصفها مكونة من مجموعة شباب مختطفين سابقًا، فيما لا تجد لها دورًا في حماية رجالها في القاهرة أو سيناء أو حتى المنشأت الأجنبية في عاصمتها.