عيونٌ سوداوان، براءة وطفولة عفوية، لعبٌ ومرح، سرور وفرح، لم يعد متسع لعيون تنظر هنا وهناك، أقلامه ودفاتر رسمه، حركاته التي يصطنعها يوميًا على الدرج هو وأبناء عمومته، ضحكاته وهو يلهو على الأرجوحة التي تزين الحديقة المجاورة لمنزله، لعبته، غرفته، حتى سريره الذي ينعم في ترتيبه لوحده، منزله الحضن الدافئ والآمن، حروف الأبجدية، أرقام العد المزينة على الجدران، وكلمات النشيد في كتاب المدرسة، كل ذلك سرقته قذائف المدفعية الصهيونية الحاقدة خلال العدوان الأخير على غزة .
الطفل ياسين فؤاد الجمال، ذو التسعة أعوام، لم يدرك يومًا أن بصره سيذهب تمامًا بلحظة كالبرق، يذكر آخر لحظات في منزله ليلة مجزرة الشجاعية وقصف منزلهم بصاروخ، يقول” كنا جالسين في البيت آمنين والجو هادئ، لكن فجأة بدأ قصف عشوائي على المنازل من قِبل المدفعية الصهيونية.
قذيفة رحيل
يسرد الجمال، “جلسنا في غرفة واحدة حوالي 50 شخصًا، فإذا بصاروخين من طائرات الاحتلال سقطا علينا؛ أحدهم لم ينفجر والآخر أحدث انفجارًا ودمارًا، إلا أنه فتح لنا ثغرة في الحائط لنخرج منها لمنزل عمومتي بعد أن سلمنا الله من القصف وبكينا لشدة الخوف، وأثناء خروجنا في عتمة الليل لم نستطيع أن نرى شيئًا سوى القذائف ذات اللون الأحمر التي تمر من أمامنا ومن فوقنا، لنسرع الخطى أكثر ونصل منزل عمي في شارع البلتاجي داخل الحي”.
ويكمل “لكن القصف لم يرعبني فقط بل وصل الغبار إلى عيوني لدرجة أنني صرخت لأني لا أشاهد شيئًا، لحظات فإذا بالجميع يصرخ والأشلاء تتطاير وركام البيوت ينهال على أصحاب المنازل، حاولت الهروب من القصف لأمسك بيد شقيقي الكبير لؤي ونهرب إلى شارع بغداد وسط الحي ظانين أنه لا صواريخ ولكن هناك “رحل بصري” نتيجة قصف القذائف .
ويشير إلى أنه لحظة القصف الذي استهدفه هو وشقيقه أصيب والده وشقيقه الأصغر واستشهد أبناء عمه عثمان وحسين، وأيضًا عمه شاكر وابنته فرح ولكن في استهداف آخر في شارع البلتاجي.
وبوجع وحسرة يستطرد قائلًا، “في هذه اللحظات لا أدري لماذا قصفنا وركضت وسقطت أرضًا على الأرض ويدي مازالت بيد أخي، شدني بقوة ونادى بصوت عالٍ، “ياسين أنت بخير؟”، قلت، “نعم، ولكن أمسك يدي لنكمل الطريق”، لحظات ووجدنا أحد أعمامي ليصحبني للمستشفى وتبدأ رحلة العلاج والألم، والنتيجة أنني لا أرى شيئًا”.
معاناة وتحدي
ينوه ياسين أنه خلال أيام الحرب سافر للعلاج في الأردن وزرع قرنية على أمل أن يبصر النور، لكنه عاد إلى غزة بعد شهرين والحال على ما هو عليه، بل ازدادت حسرته عندما علم أن منزلهم في حي الشجاعية أضحى أثرًا بعد عين، وأصبح يعيش في شقة مستأجرة.
ويفصح عن مواهبه التي منحها الباري له، حيث قال “لم تكن الإصابة دافعًا للنشيد ولكن للاستمرار به، حيث ازداد عشقي للوطن وبغضي للاحتلال الصهيوني أصبح أكثر”، واكتشف عدة مواهب خاصة به، منها الصوت الندي في قراءة آيات القرآن الكريم، وخاصة في تقليد أصوات القرّاء أمثال إدريس أبكر وماهر المعيقلي، وكذلك يحفظ أناشيد تطرب الأسماع والأذان.