ترجمة وتحرير نون بوست
بات من الواضح اليوم، بأن استجابة إدارة أوباما للصراع السوري قد مُنيت بفشل ذريع، حيث لم يتم تحديد أي إستراتيجية واضحة، كما أن “الخطوط الحمراء” التي وضعتها إدارة أوباما لم يتم تطبيقها أو احترامها؛ فالتدابير والإجراءات المؤقتة وقصيرة المدى التي استوحتها أمريكا من تجاربها في العراق وأفغانستان، بالتزامن مع الضجة الإعلامية التي صبت جل اهتمامها على الدولة الإسلامية، طغت بأولويتها على الأهداف طويلة المدى القابلة للتحقيق، والنتيجة كانت ارتفاع حصيلة القتلى بعدد يقدر ما بين 200.000 إلى 300.000 شخص، رغم أن الأرقام على أرض الواقع أعلى من ذلك بدون شك، وأكثر من 11 مليون مشرد، والعديد من المدن المدمرة.
هذا الفشل يتمثل بشكله الأشد وضوحًا، من خلال النتيجة التي رتبها التصنيف الخاطئ للثوار في سورية، بتقسيمهم إما إلى معارض “معتدل” أو “متطرف”.
في ديسمبر المنصرم، صرح وزير الخارجية جون كيري أن “السوريين لا ينبغي أن يختاروا ما بين الطاغية والإرهابيين”، حيث طرح كيري خيارًا ثالثًا متمثلًا بـ”المعارضة السورية المعتدلة التي تقاتل كل من المتطرفين، وقوات الرئيس السوري بشار الأسد”، ولكن لسوء الحظ، هذا الرؤية الجديرة بالثناء، تحطمت من خلال التعريف الذي أرسته الولايات المتحدة لمصطلح “الاعتدال”، الذي تجسد بمعنى ضيق وتعسفي، استثنى الجزء الأكبر من تيارات المعارضة السورية الرئيسية.
المجموعة التي أنتمي إليها، أحرار الشام، هي أحد الأمثلة على ذلك؛ فنحن نعتبر أنفسنا جماعة إسلامية سنية رئيسية، يقودها السوريون وتحارب لأجل السوريين، ونحن نقاتل لتحقيق العدالة للشعب السوري، ومع ذلك فقد تم اتهامنا زورًا بتبنينا لعلاقة تنظيمية مع تنظيم القاعدة، واعتناقنا لأيديولوجية هذا التنظيم.
هذه الترهات هي أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ فنحن نؤمن بأن سورية بحاجة لمشروع وطني جامع، لا يسيطر عليه أو ينفذه حزب بذاته أو مجموعة بعينها، كما أنه لا يقتصر على أيديولوجيا واحدة، ونسعى لتحقيق توازنًا يحترم التطلعات المشروعة للأغلبية، ويحمي كذلك حقوق الأقليات، ويمكّنهم من ممارسة دورًا حقيقيًا وإيجابيًا في مستقبل سورية، كما نؤمن بمستقبل معتدل لسورية، يحافظ على الدولة، ويؤسس لإصلاحات تعود بالفائدة على جميع السوريين على حد سواء.
في أواخر العام الماضي، تم اغتيال لفيف من كبار قادتنا إثر تفجير بالمفخخات، ولكننا استطعنا التعافي من هذه النكسة، وقمنا بتعيين قيادات جديدة بسرعة كبرى، الأمر الذي يؤكد المستوى العالي من الكفاءة المهنية والمؤسساتية التي نتمتع بها داخل صفوفنا، فضلًا عن الدعم الراسخ والعميق الذي نتمتع به بين السكان المحليين؛ فالسوريون ينظرون لنا على أننا جزء لا يتجزأ وعنصر مهم وفاعل من المشهد الثوري السوري، ولكن مع ذلك فقد تم وصمنا بشكل مجحف من قِبل إدارة أوباما منذ اليوم الأول.
خلال دورانهم في الفلك الذي اختاروه لنفسهم، خصص صناع القرار في البيت الأبيض الملايين من أموال دافعي الضرائب، لدعم جهود وكالة المخابرات المركزية (CIA) الفاشلة، لدعم ما يسمى بقوات المعارضة “المعتدلة” في سورية، ولكن هذه الجماعات “المعتدلة” أثبتت أنها تمثل خيبة أمل على كافة الأصعدة تقريبًا، وليس أقلها في مواجهة الدولة الإسلامية، وعلاوة على ذلك، فإن السياسة الفاشلة التي انتهجتها الحكومة الأمريكية والتي تعتبر الحرب ضد الدولة الإسلامية مختلفة بشكل جوهري، وفي بعض الحالات متناقضة مع الجهود المبذولة للإطاحة بالأسد من السلطة، حالت دون وضع نهاية لكلا المعركتين.
باعتراف واشنطن ذاتها، أدت إستراتيجية الموت والتدمير المنهجي، التي وُظفت فيها الأسلحة الكيميائية في كثير من الأحيان، إلى إبادة الكثير من المدن والقرى السنية على يد جيش الأسد الذي يطغى عليه العلويون، وهذه الإستراتيجية تلعب دور وكيل التجنيد الجوهري الذي يصب في مصلحة الدولة الإسلامية، تمامًا كما ساعدت السياسات الطائفية لرئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، على دفع السنة العاديين في العراق إلى أحضان هؤلاء المتطرفين، ولكن في الوقت الذي مارست به الولايات المتحدة ضغوطًا لإزاحة المالكي عن السلطة، مازال البعض في واشنطن، وفي الأمم المتحدة، يكرر الفكرة الممجوجة والسخيفة المتمحورة حول كون الأسد جزءًا من الحل في سورية.
على أرض الواقع، تؤكد الانتصارات الأخيرة التي حظي بها رفاق السلاح بأن النظام السوري يتقهقهر ويحتضر، حيث فقد كامل قدرته على ابتدار المبادرات الإستراتيجية، وهو يعاني حاليًا من نقص مدقع في حملة السلاح، لذا، يعتمد الأسد الآن بشكل مطرد على المتطوعين الشيعة الممولين إيرانيًا، ولكن حتى هؤلاء المقاتلين الأجانب، القادمين من مناطق بعيدة كأفغانستان، غير قادرين على قلب الأمور على أرض الواقع.
القضية الأخلاقية ضد الأسد كان ينبغي أن تكون قضية كافية بذاتها وانفرادها لإقصائه من أي خيار مستقبلي، ولكن الآن، وقائع الحرب برهنت أن الأسد قد انتهى، والسؤال الوحيد المتبقي هنا، من الذي سيطلق رصاصة الرحمة، الدولة الإسلامية أم المعارضة السورية؟
الإجابة على هذا السؤال ينبغي أن تحض واشنطن نحو الاعتراف بأن دحر أيديولوجية الدولة الإسلامية المتطرفة، هو أمر لا يتحقق إلا من خلال البديل السني الوطني، بحيث لا يتم تحديد مصطلح “الاعتدال” من قِبل الـCIA، ولكن من قِبل السوريين أنفسهم.
رغم النقص الهائل والمخيب للآمال في التعاطي الحقيقي للمجتمع الدولي مع القضية السورية، بيد أننا لا نزال ملتزمين بالحوار، والقضايا التي يجب أن تُطرح ضمنه تتمثل بالكيفية التي يمكن من خلالها إنهاء حكم الأسد، وكيفية هزيمة الدولة الإسلامية، وكيفية ضمان تشكيل حكومة مستقرة وممثلة للشعب في دمشق، قادرة على توجيه سورية ووضعها على طريق السلام والمصالحة والانتعاش الاقتصادي، وتجنب تفكك وانهيار الدولة.
لم يفت الأوان بعد أمام الولايات المتحدة لتغيير مسار الأمور، والخيار الثالث لكيري، مازال موجودًا ومتاحًا، فقط في حال كانت واشنطن مستعدة لفتح عينيها ورؤيته.
المصدر: واشنطن بوست