نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تحقيقًا صحافيًا، تناول محاولة انقلابية عرفتها الإمارات العربية المتحدة في 2011 لم يكتب لها النجاح، وتعرض الأمير حمدان بن زايد إلى النفي بعدها في الصحراء.
وقالت ميدل إيست في التحقيق الذي كتبه روري دوناغي، في خضم انتفاضة الربيع العربي في عام 2011، يزعم بأن أحد كبار الأمراء في الإمارات العربية المتحدة كان قد خطط لانقلاب في قصر الحكم يطيح من خلاله بحكام البلاد ويحول نظام الحكم في هذه الدولة الخليجية من نظام استبدادي فردي إلى ملكية دستورية، هذا ما صرح به لموقع “ميدل إيست آي” مصدر كان يعمل سابقًا لدى العائلة الحاكمة.
وطبقًا لهذا المصدر، كان الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، الولد الرابع من حيث الترتيب لمؤسس الدولة الشيخ زايد، هو الشخصية الكبيرة من داخل العائلة الحاكمة التي شاركت في المحاولة الانقلابية، والتي اكتشفها وأحبطها شقيقاه؛ ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، ووزير الداخلية سيف بن زايد آل نهيان.
وكان مدير استثمارات بريطاني سابق، عمل شخصيًا مع الشيخ حمدان لمدة ثمانية عشر شهرًا ابتداءً من ربيع عام 2011، قد أخبر ميدل إيست آي بخطط الشيخ حمدان تلك.
أكد وجود هذا المخطط لموقع ميدل إيست آي، مدير بريطاني سابق في أحد البنوك عمل في الإمارات العربية المتحدة، منذ استقلالها في عام 1981 وحتى وقت قريب وكان له، وما يزال، تواصل منتظم مع شخصيات كبيرة ونافذة داخل العائلات الحاكمة في الإمارات السبع.
ما من شك في أن مثل هذه المزاعم بوجود قلاقل داخل النخبة الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة تناقض الانطباع السائد الذي يكاد يرسم صورة لهذه الدولة النفطية الصغيرة كما لو كانت واحة من الاستقرار في منطقة تعصف بها الاضطرابات، فمنذ المحاولة الانقلابية المشار إليها في عام 2011 طفت على السطح مؤشرات عدة على وجود حالة من السخط في مختلف أرجاء البلاد، وداخل كل واحدة من الإمارات السبع التي تتشكل منها الدولة.
تهميش حمدان بعيدًا عن السلطة
قضى الشيخ حمدان، الذي يبلغ من العمر 52 عامًا، ما يقرب من 20 عامًا متنقلًا في مختلف مناصب الدولة منذ تعيينه وزير دولة للشؤون الخارجية عندما كان في السابعة والعشرين من عمره في عام 1990، واستمر حاملًا لتلك الحقيبة الوزارية حتى عام 2006، في الوقت نفسه، شغل حمدان منصب نائب رئيس الوزراء في البلاد من عام 1997 وحتى عام 2009.
وبحلول عام 2011، وهي السنة التي بدأ فيها مصدر ميدل إيست آي يعمل لدى الأمير الذي ولد في مدينة العين الإماراتية، قُلصت صلاحيات الشيخ حمدان، وجرى تهميشه بشكل واضح من قِبل أخيه غير الشقيق سيف.
بعد أن انترع منه منصب نائب رئيس الوزراء في عام 2009، عين حمدان ممثلًا للحاكم في المنطقة الغربية، وهي واحة صحراوية تشتمل على عدد قليل من المدن والبلدات في أطراف أبوظبي، ورغم ما مثله ذلك الأمر من فقدان هائل لما كان يحظى به من نعمة وجاه ومكانة، إلا أن الشيخ حمدان أذعن للأمر وقرر الانهماك في تطوير واحة ليوا بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية واستثمارية.
جمال تعبر رمال واحة ليوا على بُعد 220 كيلومتر غرب أبو ظبي
يقول المصدر، الذي عمل مع الشيخ حمدان في استثمارات شخصية وحكومية داخل ليوا وفي خارج الدولة، “كان أبوه (الشيخ زايد) أبًا للشعب، فعزم هو على أن يصبح أبًا لهذا الثقب الملسوع من قِبل البراغيث، أي واحة ليوا”.
لم يقتصر الأمر على شحن الشيخ حمدان وإبعاده إلى الصحراء، بل ابتلي بموظفين داخل مكتبه تسلطوا عليه نهبًا للمال وتعطيلًا لأعماله، كما يقول المصدر، وإن كان يزعم بأن هذا الأمر معتاد في حالة أفراد العائلة الحاكمة في الإمارات.
“الأمراء لا يحظون بصداقات ولا يثقون بأحد إطلاقًا”
في إحدى المرات خص الشيخ حمدان المصدر بمعلومات سرية حول أموال اختلست من مكتبه وكلفه بالتحقيق في الأمر، وكان حمدان قد اتهم أحد موظفيه، واسمه علي المنصوري باختلاس 12 مليون درهم (أي ما يعادل 3.2 مليون دولار)، اُعتقل المنصوري وأُدخل مباشرة إلى السجن لعدة شهور في إجراء عقابي غير رسمي، ولم تحل قضيته إلى المحكمة إطلاقًا، وذلك أن المبلغ المختلس لم يعتبر كبيرًا بما يكفي لإثارة القضية أمام الرأي العام من خلال تحويله إلى المحاكمة.
وبعد إطلاق سراحه، ذهب المنصوري للعمل في مكتب وزير الداخلية الشيخ سيف، يقول مصدر ميدل إيست آي إنه “سر مكشوف” أن الإخوة الأربعة الكبار في عائلة آل نهيان (الرئيس خليفة، ولي عهده محمد، وزير الداخلية سيف، وكذلك الشيخ حمدان) كلهم لديهم أناس يعملون في المكاتب الخاصة والعامة التابعة لكل واحد منهم، بمعنى آخر، يتجسس الإخوة على بعضهم البعض لضمان ألا تسول لأحد منهم نفسه الاستيلاء على السلطة أو، الأسوأ من ذلك، القيام بانقلاب، كما يقول المصدر.
خطة حمدان للاستيلاء على السلطة
بعد أن بات يعاني وبشكل متزايد من العزلة والتهميش، وصل الشيخ حمدان إلى خلاصة مفادها أن الطريقة الوحيدة للاحتفاظ بأي نفوذ له ولأبنائه من بعده تتمثل في خطة للاستحواذ على السلطة من أخويه محمد وسيف.
ولقد تم تأكيد قصة التخطيط لانقلاب أبيض داخل قصر الحكم من قِبل مصدر ثان لا ارتباط له بالمصدر الأول، والمصدر الثاني هو مدير بريطاني سابق في أحد البنوك ارتبط بعلاقات شخصية وطيدة بحكام البلاد السابقين والحاليين.
يقول المصدر الثاني، “توجد فيما وراء الكواليس منافسة حامية الوطيس، حيث يسعى في العادة أولئك “الأمراء” الذين لا يشغلون مواقع مركزية في السلطة إلى تعزيز نفوذهم من خلال الوصول إلى مواقع أكثر أهمية”.
يعتقد هذا المدير السابق، الذي طالب بالإبقاء على هويته طي الكتمان نظرًا لما يزال يحتفظ به من ارتباطات في الإمارات حتى الآن، بأن فرص نجاح حمدان في الانقلاب كانت محدودة جدًا، وقال “لم يكن لدى حمدان أدنى فرصة في النجاح في الاستيلاء على السلطة، فإخوانه يملكون من القوة والنفوذ ما يستحيل معه الانقلاب عليهم”.
بالرغم من أن خليفة، الذي يبلغ من العمر 67 عامًا، هو رئيس الدولة، إلا أنه بات مقبولًا لدى الناس أن اعتلال صحته من ناحي،ة وطموحات أخيه محمد من ناحية أخرى، نجم عنهما في نهاية المطاف تركيز السلطة في يد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وقد تأكد نفوذ محمد، الذي يبلغ من العمر 54 عامًا، في شهر يونيو من هذا العام حينما حل محل أخيه خليفة رئيسًا لمجلس استثمارات أبوظبي، الذراع الاستثماري لحكومة أبوظبي.
يصف المصدر، الذي كان يعمل من قبل مع الشيخ حمدان، خليفة بأنه مطواع لأخيه محمد، ويضيف بأن ولي عهد أبوظبي إداري متميز، أما سيف، الذي تشرف وزارته على نظام شامل للرقابة والتجسس داخل الدولة، فلا تعرف أساليبه في الوصول إلى ما يريد لا رحمة ولا شفقة، وهو معروف بانحيازه الشديد للأمريكيين، الذين يقول المصدر إنهم أيضًا شديدو الانحياز له.
سيف بن زايد آل نهيان في اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت عام 2011
لم تكن السلطة وحدها هي التي حفزت حمدان على دعم مخطط الاستيلاء على السلطة من إخوانه، فبينما كان يؤدي شعائر الحج في مكة في عام 2010، بدأ حمدان يشعر بالقلق إزاء إخفاقه في إنجاز شيء يذكر، وعاد إلى بلاده عازمًا على إنجاز ما يمكن أن يكون إرثًا يليق بابن الشيخ زايد.
توفي الشيخ زايد في عام 2004، بعد أن أسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وشغل منصب أول رئيس لها لما يقرب من 33 عامًا، كان الإماراتيون يحبونه؛ نظرًا للدور البارز الذي لعبه في توحيد وتجميع القبائل، وبسبب ما اشتهر عنه من إحسان وجود، إذ كان يوزع بعضًا من ريع البلاد النفطي على مواطني دولته.
وبحسب ما يقوله الموظف السابق لدى الشيخ حمدان، فإن حمدان كان يعتبر نفسه الوحيد من بين أبناء زايد الكبار الذي يحرص على الإبقاء على إرث والده حيًا، ويرغب في أن تظل البلاد على النهج الذي خطه لها أبوه، ويقول في ذلك، “يرى حمدان نفسه الضمير الحي للإخوة الأربعة، بعض الأمراء في دولة الإمارات العربية المتحدة سيئون، وبعضهم نواياهم حسنة، إلا أنهم جميعًا مدللون، ولربما كان حمدان من بينهم الشخص غير السيء”.
بعد عودته من الحج في عام 2010، أصبح حمدان شديد التعلق بالحديث عما كان يراه ظلمًا في الإمارات العربية المتحدة، وبات يؤمن بأن ثروة البلاد، بالرغم مما توزعه الدولة على جميع مواطنيها من منح وهبات، كانت مركزة بشكل أساسي في أيدي علية القوم، الذين يتربعون على رأس الهرم السياسي في البلاد.
وأبدى قلقه تجاه انعدام الاحترام لسيادة القانون، وكانت الأمم المتحدة من قبل قد انتقدت النظام القضائي في البلاد على اعتبار أنه يقع “تحت السيطرة الفعلية للسلطة التنفيذية في الدولة”، وهي تهم رفضتها القيادة السياسية في البلاد مؤكدة على أن استقلال القضاء مضمون في الدستور.
اهتمام حمدان بتحقيق العدالة الاجتماعية للشعب في بلاده لم يكن نزيهًا تمامًا، بحسب ما يؤكده الموظف الذي عمل معه سابقًا، والذي يقول، “كان يدرك بشكل جيد استشراء النفاق في الإمارات، كما كانت تلك مبادرة تخدم مصالحه الشخصية، من حيث إن رغبته في تغيير شكل النظام السياسي في البلاد جاء بمثابة رد فعل على إقصائه وتهميشه وإبعاده عن مراكز النفوذ داخل السلطة، كان حمدان يعلم بوجود حالة من الامتعاض تجاه الطريقة التي تدار بها الأمور في البلاد، صحيح أن الإمارات فيها طبقة واسعة من الناس شديدي الثراء إلا أن ذلك لا يعني بحال عدم وجود جيوب من الفقر المدقع”.
الفقر والسخط في الشمال
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أغنى البلدان في العالم، وذلك بفضل ما حظيت به من ثروة نفطية هائلة، وموقع متميز مكنها من أن تتحول إلى مركز تجاري إقليمي ومحطة ترانزيت عالمية، وما من شك في أن المواطنين فيها استفادوا أيما فائدة من التنمية السريعة التي شهدتها البلاد منذ استقلالها عن المملكة المتحدة في عام 1971، وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 2015، تحتل الإمارات العربية المتحدة الموقع العشرين في قائمة البلدان الأكثر سعادة في العالم.
ولكن، فيما وراء البريق والبهرجة في كل من أبوظبي ودبي، هناك إمارات ضمن هذا الاتحاد الفيدرالي لم تشهد مثل تلك التنمية السريعة، فهذه إمارة رأس الخيمة في الشمال ما تزال كثير من شوارعها رملية، وتعاني من تردي نوعية مياه الشرب فيها، وتنتشر فيها جيوب الفقر المدقع، ولا عجب إذ ذاك أن تكون نسبة كبيرة من المعارضة السياسية المعلنة داخل البلاد، على صغر حجمها، والمتركزة في جمعية الإصلاح المحظورة حاليًا، هي من مواطني إمارة رأس الخيمة.
إن السخط المتنامي في أماكن مثل رأس الخيمة هو الذي دفع حمدان إلى الاعتقاد بأنه قد يحظى بدعم شعبي لو قام بانقلاب شعاره إقامة نظام حكم أكثر انفتاحًا على الناس، وأكثر إنصافًا لهم، كما يقول الموظف السابق الذي عمل معه.
لم يكن المخطط من بنات أفكار حمدان وحده، كما يقول المصدر، فقد انضم إلى حمدان مئتا رجل آخر من المتنفذين، وهؤلاء جميعًا، كما يزعم، دعموا عدة مجموعات تتكون الواحدة منها من خمسة إلى ثمانية من الأمراء الشباب في إمارة أبوظبي، بهدف تطوير خطة لتحويل البلاد إلى ملكية دستورية.
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة بشكلها الحالي ملكية مطلقة، وذلك بالرغم من أن المجلس الوطني الاتحادي، ذي الصفة الاستشارية، كان قد وسع نطاق عضويته سواء من حيث عدد النواب المنتخبين أو من حيث نسبة المواطنين الذين يحق لهم الاقتراع، ففي عام 2011، سُمح لـ 274.129 مواطنًا من بين ما يقرب من مليون مواطن بانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي البالغ عددهم أربعين، وكان ذلك بمثابة توسيع للدور الانتخابي بمعدل 20 ضعفًا لما كان عليه الاقتراع في عام 2006.
ينص دستور البلاد في ديباجته على هدف التطوير باتجاه “نظام ديمقراطي تمثيلي شامل في مجتمع إسلامي وعربي”، يقول مصدر “ميدل إيست آي”، الذي كان يعمل في السابق مديرًا في أحد البنوك، إن الإصلاح الذي أُدخل على المجلس الوطني الاتحادي كان “أكثر من مجرد مجاملة شكلية لفكرة الديمقراطية”، ويضيف بأنهم (أي الحكام) يسعون بصدق “للوفاء بما ينص عليه الدستور”، إلا أن ولي العهد محمد بن زايد كان قد أخبر مسؤولين أمريكيين في عام 2006، كما ورد في إحدى برقيات ويكيليكس، بأنه كان ضد الإصلاحات الديمقراطية الشاملة “لأننا إذا ما أردنا أن نجري انتخابات في دبي غدًا، فإن الإخوان المسلمين سيسيطرون”.
وكان مثل هذا التردد في إدخال إصلاحات ديمقراطية شاملة هو الذي سعى حمدان إلى استغلاله في خضم الانتفاضات العربية في عام 2011، وكانت خطته تقضي بالسعي لانتزاع السلطة من إخوانه في انقلاب أبيض، كان المخططون للانقلاب يرغبون في تحويل المجلس الوطني الاتحادي إلى برلمان يملك كافة الصلاحيات التشريعية ويُنتخب من خلال الاقتراع العام.
يقول الموظف السابق لدى الشيخ حمدان، “أراد حمدان القيام بما هو صواب، اتباعًا لنهج والده بينما أخفق (إخوانه) الآخرون في ذلك”، ويقول إن حمدان رأى في نفسه الملك الدستوري الذي تناط به مهمة إنجاز هذا التحول الديمقراطي، انسلاخًا عن النظام الاستبدادي، ووفاء للرؤية التي طالما التزم بها زايد في سبيل بناء المجتمع الإماراتي المعاصر.
إلا أن المصدر نفسه خلص بعد أن عمل عن كثب مع حمدان أن التزام الأمير بالتحول الديمقراطي في بلاده لا يعدو كونه التزامًا سطحيًا جدًا، ويقول في ذلك، “ما من شك في أن جلب الديمقراطية إلى الإمارات كان بالتأكيد عاملًا محفًزا على التخطيط للانقلاب، فقد بدا الأمر جيدًا ولكن، كما هو حال كل مناضل في سبيل الحرية، ما أن يصلوا إلى السلطة، ربما دار في خلدهم أن كل ما يحتاجون إليه في نهاية المطاف هو حساب في بنك سويسري”.
اكتشاف المخطط
بحلول منتصف عام 2011، وفي خضم الاضطرابات التي شهدتها المنطقة بسبب الثورات العربية المتسارعة، كان مخطط الانقلاب أيضًا يكتسب زخمًا، إلا أن حالة من الانزعاج المفاجئ سادت الأجواء حول حمدان في يوليو من العام نفسه، كما تقول مصادر “ميدل إيست آي”، التي تزعم بأن المخطط كشفت عنه أجهزة الرصد والتنصت التابعة لوزارة الداخلية التي يرأسها سيف، وذلك بسبب أن المشاركين في الخطة كانوا يتداولون تفاصيلها عبر هواتفهم النقالة ومن خلال برنامج سكايب عبر شبكة الإنترنت.
كان الموظف السابق لدى حمدان موجودًا خارج الإمارات العربية المتحدة معظم صيف عام 2011، ويقول إن تواصله بالأمير خلال تلك الفترة كان محدودًا جدًا، وفي كثير من الأوقات لم يكن التواصل معه ميسرًا، ويقول المصدر إن الغموض مازال يكتنف أحداث تلك الفترة التي لا يعرف من تفاصيلها سوى أن حمدان “قصقصت أجنحته” من حيث إمكانية السفر والتنقل داخل البلاد وخارجها.
تدخل القصة فيما بعد نفقًا مظلمًا، من حيث ما يتوفر لدى هذا المصدر من معلومات، إلا أن هذه الفترة تصادفت مع صدور الأمر بإلقاء القبض على خمسة من النشطاء الإماراتيين لأنهم وقعوا على عريضة تطالب الحكام بإجراء إصلاحات ديمقراطية بدت كما لو كانت نسخة طبق الأصل عن تلك التي كان حمدان وشركاؤه يخططون لها، هذا رغم عدم وجود أدنى دليل على وجود أي ارتباط بين المبادرتين.
ثبت فيما بعد أن اعتقال النشطاء الإماراتيين الخمسة كان ممهدًا لحملة واسعة من القمع تعرض لها المجتمع المدني في الإمارات، استهدفت بشكل خاص المجموعات التي ارتبطت بالمطالبة بإصلاحات ديمقراطية، وكان من أشد تجليات ذلك الاعتقالات الجماعية التي تعرض لها نشطاء على علاقة بجمعية الإصلاح المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وجمعية الإصلاح عبارة عن مجموعة تعود جذورها إلى عام 1971، وهي السنة نفسها التي تأسست فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، ألقى القبض على عشرات النشطاء في نهاية عام 2011 وطوال عام 2012، وتمخض عن ذلك تقديم 94 شخصًا للمحاكمة بتهمة التخطيط للاستيلاء على السلطة من حكام البلاد، وفي يونيو من عام 2013 أدين 69 من المتهمين الـ 94 بإثارة الفتنة، رغم أنهم جميعًا أصروا على براءتهم من التهمة، وزعموا أن كل ما قاموا به هو أنهم طالبوا بشكل سلمي بإجراء إصلاحات ديمقراطية.
صرح خبير بارز في شؤون المنطقة لموقع ميدل إيست آي بأن القمع الذي وقع بحق الإصلاح ربما دفع إليه شعور السلطات الإماراتية بالقلق من احتمال إبرام تحالف بين أبناء العائلة الحاكمة الساخطين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى.
يقول كريستوفر دافيدسون، المحاضر في شؤون الشرق الأوسط في جامعة درام، “في تقديري، يمكن تفسير الشراسة في التعامل مع الإصلاح، ولو جزئيًا، بشعور جهاز أمن الدولة التابع لكل من محمد وسيف بالخطر، ليس بالضرورة لوجود مخطط متكامل لدى الإسلاميين للاستيلاء على السلطة، وإنما لوجود مخطط انقلابي من داخل القصر قد يتحالف مع الإسلاميين”، ويضيف، “فالأول (أي الأمير المتآمر) يوفر الاستمرارية القبلية الضرورية تحت راية ملك دستوري، بينما الآخرون (أي الإسلاميون) فيقدمون الغطاء الانتخابي الضروري والدعم الشعبي اللازم في الإمارات الشمالية، وقد يقال بأن مثل هذا السيناريو يتوافق إلى حد بعيد مع العملية التدريجية التي كان يتطلع إليها الموقعون على دستور 1971 / 1996، بمن فيهم أب الأمة المحبوب جدًا الشيخ زايد الذي طالما حافظ على علاقة براغماتية بينه وبين جماعة الإصلاح”.
حمدان يرغب في التخلي
في وقت مبكر من شهر سبتمبر من عام 2011 عاد حمدان فجأة ليتواصل مع مصدر “ميدل إيست آي”، الذي زعم بأنه اتصل به هاتفيًا في السادسة من مساء الثاني من سبتمبر ليقول له بأنه كان يشعر بإحباط شديد بسبب الشجار الدائم بين إخوانه، وبعد ساعات قليلة، أي في الواحدة من فجر الثالث من سبتمبر، اتصل حمدان بشخص على تواصل مشترك وأخبره بأنه قرر الاستقالة من منصبه كأمير، يقول المصدر، “لقد كان حمدان غاضبًا جدًا، ولكنه كان منضبطًا ومقيدًا لانفعالاته، كان من الواضح أنه يعد العدة للفرار من البلاد”.
تقول الرواية إن الأمير كان يخطط للفرار من الإمارات العربية المتحدة ليبدأ حياة جديدة في أوروبا بالاشتراك مع امرأة كانت موضع ثقته ومكنون أسراره هي إيمان إبراهيم ضفاله أحمد، التي كانت في حينها في المملكة المتحدة بعد أن فرت من الدولة الخليجية قبل ذلك بشهور، كان الأمير متزوجًا وله ستة أبناء، كما يقول المصدر، إلا أنه كان على علاقة غرامية بإيمان وكان يرغب في التزوج منها.
يقال إن إيمان تلقت في الثامنة من صباح يوم الثالث من سبتمبر مكالمة هاتفية من محمد البدوي، وهو موظف في مكتب ولي العهد محمد بن زايد، يقول لها فيها إن عليها أن تقنع حمدان بسحب استقالته، بالرغم من أن مخطط حمدان الانقلابي كان يُنظر إليه على أنه عمل خياني بحق عائلته ووطنه إلا أن إخوانه كانوا يعتبرون استقالته أشد وطأة وأكبر خطورة.
يقول مصدر ميدل إيست آي، الذي كان مديرًا في أحد البنوك، إن أولوية العائلة تمثلت في التعامل مع تداعيات الاستقالة المحتملة أكثر من التركيز على مخطط الانقلاب، والذي كان يسيرًا في التعامل معه واحتوائه داخليًا، ويضيف المصدر، “العائلة هي أهم شيء في الإمارات العربية المتحدة، بإمكانهم معالجة موضوع التخطيط للانقلاب طالما ظل ضمن إطار العائلة، أما الاستقالة فيمكن أن يُنظر إليها على أنها بمثابة توجيه رسالة ضعف إلى جمهور الناس”.
بعد أن اتصل بدوي بإيمان من مكتب ولي العهد في صباح الثالث من سبتمبر، أقفل هاتف حمدان النقال سبعة أيام، ولم يتسن التواصل معه إطلاقًا خلال تلك الفترة، يقول المصدر، “لا يمكن تصور حجم الضغوطات التي كان يتعرض لها حمدان خلال ذلك الوقت”.
حمدان رهن الاعتقال الفعلي داخل القصر
في الثالث عشر من سبتمبر، كان مصدر ميدل إيست آي، الذي كان يعمل موظفًا لدى الأمير، موجودًا في بيروت ينتظر لقاء بحمدان في اجتماع كان قد رتب له منذ وقت طويل في ردهة فندق الفورسيزونز لمناقشة الاستثمارات الشخصية للأمير، وكذلك رؤيته للمستقبل، بعد مرور ما يقرب من 12 ساعة على موعد اللقاء مع الأمير، بلغ المصدر، الذي ظل منتظرًا، بأن حمدان غير قادر على الحضور.
يقول المصدر “كانت العبارة التي نُقلت لي بالحرف هي أن أبناء زايد قيدوا قدرته على الحركة”، وذلك في إشارة إلى أخوي حمدان محمد وسيف، ويضيف، “أتوقع أن ما أُخبرت به كان هو الحقيقة”، ويقول المصدر إنهم عادوا إلى المملكة المتحدة بعد إلغاء الاجتماع في بيروت، وتم إخباره فيما بعد أن أموال حمدان قد جمدت وأن منعًا من السفر قد فُرض عليه حتى إشعار آخر.
لم يعد أحد بعد ذلك يتحدث عن الانقلاب، واقتصر دور حمدان على منصبه في الصحراء كممثل للحاكم في المنطقة الغربية، يقول المصدر، “لقد محيت تمامًا إمكانية أن تتحول الإمارات العربية المتحدة إلى دولة ديمقراطية”.
خلال الأعوام الأربعة الماضية التي مرت منذ ذلك الوقت، ظل حمدان معزولًا في الصحراء، حسب ما يقوله المصدر، ولا يشارك في أي من الاجتماعات التي تشهد تخطيطًا مهمًا أو جديًا، ويضيف، “إنه يقيم فعليًا تحت الإقامة الجبرية في ليوا، إلا أن عليه أن يشارك في بعض المناسبات العامة طبقًا لتعليمات صادرة عن أخويه”.
يظهر حمدان من حين لآخر في الصحف المحلية وهو يقابل المواطنين في واحة ليوا، وكذلك وهو يتبرع بالأموال لتطعيم أطفال سوريا الذين يعانون من ويلات الحرب، وأيضًا وهو يقوم بمهامه الرسمية كرئيس لوكالة البيئة في أبوظبي.
يقول المدير البنكي السابق إن المعاملة التي يلقاها حمدان منسجمة مع الأسلوب الذي تعالج العائلة من خلاله المشاكل التي تحدث مع واحد منهم، ويضيف، “إن ما جرى لحمدان متوقع بأسره، فهذا هو ما يقومون به في مثل هذه الظروف يتسببون في اختفاء الناس. فهم (أي السلطات) يعرفون كل شيء، وحينما يتصرفون يمكن أن يكونوا في غاية الوحشية”.
لا يعلم ما إذا حدثت انشقاقات أخرى داخل العائلة الحاكمة منذ عام 2011، ويبدو، على الأقل في الظاهر، أن السفينة تبحر بهدوء وسكينة تحت قيادة ولي العهد محمد بن زايد بمساندة أخيه سيف وزير الداخلية، بينما لا يُرى رئيس الدولة إلا نادرًا بسبب ما يشاع عن حالته الصحية المتدهورة، ولكن، وبالرغم من مظاهر الاستقرار، يقال بأن محمد وسيف يحرصان بشدة على أن تبقى قصة المحاولة الانقلابية لحمدان وقصة استقالته طي الكتمان.
يقول مصدر ميدل إيست آي: “لقد سعت القيادة بكل ما أوتيت لضمان ألا يشاع بأن واحدًا من كبار الأمراء كان يوشك على الاستقالة، وأن هذا الأمير كان قد حاول تحدي كيان الاقتصاد والسلطة في البلاد”.
لم تستجب سفارة الإمارات العربية المتحدة في لندن لطلبات تقدمنا بها إليها للتعليق على هذه القصة قبل نشرها.
المصدر: ميدل إيست آي – ترجمة: عربي21