تكاثرت الأقاويل في الآونة الأخيرة حول إمكانية إعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي انقلب عليه الجيش منذ عامين ليعزله ويحتجزه، ثم يخرج مرسي إلى الرأي العام متهمًا في خمس قضايا مختلفة، لتمر سنتين يتردد خلالهما مرسي على المحاكم بعد أن أصبح سجينًا رسميًا في دفاتر الدولة المصرية.
القضايا التي يُحاكم مرسي على إثرها
اُتهم مرسي في خمس قضايا مختلفة؛ أولهم القضية المعروفة إعلاميًا باسم “أحداث الاتحادية” والتي تعود إلى سنة حكمه حيث قتل 11 شخصًا في اشتباكات متبادلة أمام قصر الاتحادية، ثبت بالدليل أن تسعة ممن سقطوا كانوا من أنصاره، ولكن محكمة مصرية أصرت أن تحكم عليه بالسجن 20 سنة في هذه القضية، وفي قضية أخرى اُتهم فيها الرئيس السابق بالتخابر مع حركة حماس وأُصدر بحقه فيها حكمًا بالسجن المؤبد بعد أن تم تخفيفه من الإعدام، فيما صدر حكم بالإعدام بحقه في القضية التي عُرفت إعلاميًا باسم “اقتحام سجن وادي النطرون” وهو ما اُعتبر بمثابة إعلان النظام الوليد عن انقلاب الثالث من يوليو التصعيد أمام شخص مرسي كرئيس سابق.
كل فترة يبحث النظام في مصر عن تهمة جديدة ليلصقها بمرسي، وهو ما برز بوضوح بعد بث التسريبات التي تؤكد تلفيق قضايا لمرسي من قِبل الجيش والمتعاونين معه في القضاء لتبرير احتجاز مرسي بصورة قانونية بعد الانقلاب عليه، فالنظام اتهم مرسي بالتخابر مرة أخرى ولكن هذه المرة مع دولة قطر، وما زالت هذه القضية منظورة أمام القضاء إلى الآن، وفي قضية خامسة يواجه مرسي تهمًا بإهانة القضاء، وترددت أنباء أن ثمة قضية سادسة سيواجهها الرئيس الأسبق في الفترة القادمة وهي قضية فض اعتصام رابعة رغم احتجازه من قِبل الجيش منذ الثالث من يوليو أي أنه قبل فضل رابعة بأكثر من شهر، وهو ما يؤكد أن هذه القضايا لا تخضع لأي معايير قضائية ولكنه أداة في يد النظام ليس إلا.
الموقف الدولي من إعدام مرسي
عقب صدور الحكم على الرئيس السابق محمد مرسي بالإعدام في قضية اقتحام السجون إبان ثورة 25 يناير أعربت الإدارة الأمريكية عن “قلقها العميق” بشأن الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية في حق مرسي، حيث وصف جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي الحكم بأنه “مسيس”، كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن قلقه البالغ من الأحكام الصادرة بحق مرسي و90 آخرين من قيادات جماعة الإخوان، وعلى جانب آخر انتقد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الحكم، وقال في تصريحات: “بالنسبة لنا في ألمانيا فإن هذا الحكم شكل من أشكال العقاب الذى نرفضه رفضًا باتًا”، مؤكدًا أن “بلاده ترغب فى أن يتصرف القضاء المصرى وفقًا للحق والقانون وليس وفقًا للمعايير السياسية”.
هذه الإدانات على الرغم من كثرتها إلا أنها تظل في خانة الإدانات الديكورية التي ترد عليها وزارة الخارجية المصرية بالرفض مدعية أن هذه “شؤون داخلية” لا ينبغي لهذه الدول التدخل بها، فلم يمارس المجتمع الدولي ولا الغرب حتى الآن أي ضغوط حقيقية تذكر على النظام المصري لوقف هذه المحاكمات التي وصفت بأنها “هزلية” من قِبل العديد من منظمات حقوق الإنسان التي قالت إنها تفتقد لأدنى المعايير الدولية القضائية.
وجل ما شكلته هذه الإدانات إحراج للنظام المصري وتساؤلات حول مصير مرسي، وقد اعتاد النظام على أن يخرج من هذا الفخ بقوله إنه لا يستطيع التدخل في عمل القضاء المصري، فيما حاول السيسي الدفاع عن نظامه في زيارته الأخيرة لألمانيا بقوله إن هذه الأحكام ليست نهائية، وهو ما يفتح الباب للتفسير أنه قد يتم التراجع عنها.
هل قرر السيسي تنفيذ الإعدام بحق مرسي؟
حتى الآن يتعامل النظام المصري معاملة صفرية مع ملف معارضيه خاصة من جماعة الإخوان المسلمين المتمسكين بشرعية الرئيس السابق محمد مرسي، حيث يرى السيسي أن مجال المفاوضات قد انتهى وأما الآن فهي مرحلة التصفية، وهذا يتضح جليًا في تطور ممارسات النظام القمعية بحق الجماعة وأفرادها الذي وصل حد التصفية الجسدية المباشرة في المنازل دون الخضوع لأي إجراءات تقاضي أو غيرها من تلك الديكوريات.
أما شخص الرئيس السابق مرسي فهو يمثل للسيسي ونظامه أزمة شخصية متمثلة في أزمة “الشرعية” والتي ربما يرى السيسي أن عليه تجاوزها بأي ثمن، حتى إذا ما انتهى من مرحلة تقليم الأظافر لجماعة الإخوان المسلمين؛ لم يجدوا خيارًا أمامهم سوى الرضوخ للأمر الواقع الذي يلغي ثنائية شرعية مرسي وشرعية السيسي.
البعض يرى أن السيسي يستخدم ورقة الإعدامات في العموم للضغط على جماعة الإخوان وأنه لن يُقدم على تنفيذها بالرغم من تنفيذه الإعدامات في قضيتين مختلفتين ولكن من نُفذ بحقهم الإعدام لم يكونوا من أعضاء الجماعة بأي حال، وربما كانت رسالة ترهيبية في المجمل، إلا أن ورقة إعدام مرسي وقيادات الجماعة ربما تكون أكثر إرهابًا من وجهة نظر النظام.
آخرون يرون خطأ هذا التحليل وهذه الفرضية بقولهم إن زمنها قد ولى، معتمدين على الروايات التي تؤكد أن السيسي مقدم على خطوة تنفيذ الإعدامات لا محالة، وقد تدوال نشطاء رواية منقولة عن ياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية إبان حكم مرسي والتي قال فيها علي إنه التقى أحد الأطراف المقربة من السيسي عقب الانقلاب العسكري بفترة وقد نقل عن السيسي حرفيًا أن مرحلة المفاوضات قد انتهت والآن هي مرحلة التصفية، والتي ربما أن تبدأ بإعدام الرئيس السابق.
تطورات في الآونة الأخيرة عززت هذا الطرح حيث وزعت الخارجية المصرية حيثيات الحكم الصادر بحق مرسي على السفارات الأجنبية، وخرجت تسريبات إعلامية غير مؤكدة تنقل عن مقربين من وزير العدل المصري أحمد الزند بأن إعدام مرسي بات وشيكًا، خاصة بعد خروج السيسي بعد مقتل النائب العام هشام بركات مؤكدًا على ضرورة تغيير التشريعات التي تغل يده عن تنفيذ الأحكام القضائية، وفي ظل تزايد نبرة ضرورة إعدام مرسي وقيادات الإخوان مع كل حادث إرهابي يضرب البلاد والتي كان آخرها حادثة تفجير سيارة مفخخة أمام القنصلية الإيطالية.
أنباء عن رفض السيسي وساطات السعودية لإيقاف تنفيذ الإعدام بحق مرسي
نشر موقع شؤون خليجية عن مصادر سعودية أسماها “مطلعة” أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تدخل للوساطة لدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لوقف تنفيذ أحكام الإعدامات التي صدرت مؤخرًا ضد أكثر من 120 من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وفي مقدمتهم الرئيس السابق محمد مرسي، والدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين.
وكشفت هذه المصادر بحسب الموقع أن السيسي رفض تلك الوساطة، وأعلن إصراره على تنفيذ أحكام الإعدام، مؤكدة أنه قطع خط الرجعة وقطع كل الجسور مع جماعة الإخوان وهو ما يؤكد الرواية التي نُقلت عن ياسر علي، وما قد يعزز هذه الأنباء الواردة عن الوساطة السعودية أن ثمة أخبار نشرت في وقت سابق عن مطالبات للسعودية بقيادة مصالحة في مصر.
يرى محللون أن السيسي غير مكترث بأي ضغط دولي أو وساطات إقليمية بسبب اعتماده على الصمت الغربي والدعم الإسرائيلي المقابل له في وجه بعض التحفظات الغربية، مؤكدين أن مشروع السيسي يمثل اجتثاث الإخوان المسلمين من الواجهة السياسية في مصر، وهو ما يراه البعض نقطة قوة يستخدمها السيسي لاستجداء دعم خارجي خاصة من اللوبي الصهيوني في الغرب في حربه أمام الإخوان في المنطقة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب.
قيادات الإخوان لا تستبعد تنفيذ الإعدامات
في حين لا تنكر قيادات جماعة الإخوان المسلمين احتمالية قرب إعدام الرئيس السابق محمد مرسي وقيادات من الجماعة، وهو ما أكدته تصريحات سابقة لجمال حشمت القيادي بالجماعة، وكذلك التصريحات الأخيرة للقيادي عمرو دراج التي لا تستبعد تنفيذ هذه الإعدامات من قِبل النظام في أي وقت.
وبالرغم من تبقي عدة درجات قضائية حتى يتم تأكيد هذه الأحكام يرى البعض أن النظام يستطيع أن يختصر كل هذه الطرق الشكلية بتشريعات جديدة أو من خلال تسريع وتيرة المحاكمات والإجراءات القضائية حتى يتم صدور أحكام نهائية واجبة النفاذ.
لكن التساؤلات تظل عن عواقب وتبعات الإعدام على نظام السيسي بعد اتخاذ قرار مثل هذا، فهل سيرضخ الإخوان المسلمين للواقع كما يريد عرابو السيسي بهذه الخطوة أم ربما تنحى هذه الخطوة بالجماعة وأفرادها إلى مزيد من الصدام مع الدولة الذي قد يتطور إلى العنف الحقيقي خاصة مع تغييب كافة قيادات الجماعة الكاريزمية خلف السجون والتي كانت تستطيع السيطرة على جزء كبير من الشباب الغاضب داخل الجماعة والذي بالطبع سيزداد غضبه إذا أقدم النظام على مثل هذه الخطوة؟